ما إن بدأت العقوبات الأميركية على إيران بالسريان رسميا حتى أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر “تويتر” أن “هذه هي العقوبات الأشد على الإطلاق، ستصل في نوفمبر إلى مستوى أعلى، وكل من يتعامل مع إيران لن يتمكن من التعامل مع الولايات المتحدة”!
جاء ذلك في مسعى لجر إيران إلى مفاوضات جديدة لعقد اتفاق نووي جديد يحل محل الاتفاق القديم الذي أبرم في أبريل 2015 والمعروف باتفاق “لوزان” بين إيران ومجموعة الدول الست (أميركا وألمانيا والصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا)، والذي نقضه ترامب في مايو عام 2018، وأعاد العمل بالعقوبات عليها، بهدف وقف نشاط إيران النووي ومواجهة مشروعها التوسعي في منطقة الشرق الأوسط والتقليل من نفوذها الكبير فيها من أجل الوصول إلى الهدف المنشود وهو (السلام العالمي، لا أقل من ذلك!) بحسب تعبير الرئيس الأميركي.
وما إن وضعت الإدارة الأميركية هذه العقوبات قيد التنفيذ حتى ارتفعت صيحات التنديد والاستنكار بالقرار الأميركي داخل أروقة السلطة السياسية في العراق، وبدأ كل واحد من المهيمنين على مفاصل الدولة بالتسابق على إبداء الولاء والمحبة للجارة “إيران” وفتح النار على “الغطرسة الأميركية” التي تتحدى الشرعية الدولية، وتفرض عقوبات جائرة على دولة مسلمة ومسالمة، ومن “هذا المنطلق نؤكد رفضنا واستنكارنا للعقوبات الأميركية المفروضة على الجارة إيران”، و”ندعو الحكومات في المنطقة والعالم إلى رفضها لأن الحصار والمقاطعة والإكراه إجراء غير صحيح أو قانوني يستهدف تجويع شعب مسلم صديق”. بحسب تصريح نائب رئيس الجمهورية “نوري المالكي”، وأضاف أن “معاقبة الشعوب من خلال فرض سياسة التجويع والترهيب هي سياسة دأبت عليها الدول الكبرى ضد الدول التي تعارض سياساتها العدائية، ولأنها تمثل أبشع صور العقوبات الجماعية التي تمتد للتأثير على المواد الغذائية للمواطنيين!”، مع أنه هو لا غيره من خطط وهندس ونفذ عقوبة جماعية وسياسة تجويع ظالمة بحق الشعب الكردي “المسلم” لمدة أربع سنوات عجاف (بدأ عام 2014 حتى الآن) عانى فيها من الأهوال والشدائد ما لم يعانه أي شعب آخر!
وطبعا لم يترك الزعماء الآخرون على اختلاف مشاربهم الحزبية والطائفية أن تفوت هذه الفرصة للتقرب إلى إيران والتودد إليها طمعا في منصب رفيع، فقد شجب رئيس تيار الحكمة العراقي عمار الحكيم الحظر الأميركي الظالم على إيران، و”طالب الجميع بالوقوف الى جانبها ومساعدتها لتخرج مرفوعة الرأس من الضغوط السياسية والاقتصادية الجائرة”، في حين اعتبر هادي العامري من خلال بيان صادر عن منظمة بدر التي يتزعمها أن “العقوبات الأميركية تعد عقابا جماعيا ضد شعب كامل يراد منه التجويع والتنكيل والقهر والإذلال لهذا الشعب العزيز، لأنه رفض الخنوع والاستسلام للهيمنة والغطرسة الأميركية”.
وأخيرا وليس آخراً انبرى رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي بدوره للتنديد بالحصار والعقوبات التي “تدمر المجتمعات ولا تضعف الأنظمة!”، ورغم عدم تعاطفه مع تلك العقوبات، لكنه وعد بالالتزام بها! ماسكا العصا من الوسط طمعا بالدعم الأميركي لولاية ثانية وعدم إغضاب إيران.
بقي أن نقول إن جميع هؤلاء الذين يذرفون دموع التماسيح على دولة أجنية هم أنفسهم الذين شاركوا في إلحاق أكبر الضرر بشعبهم الكردي (هذا إذا اعتبروه شعبهم حقا!) وفرضوا أكبر عقوبة جماعية عليه وأذاقوه “القهر والإذلال” لأنه رفض الخضوع والاستسلام للهيمنة الطائفية المقيتة!
المشكلة أن كل الخطايا اجتمعت في القادة الجدد، لهذا تحول العراق في زمنهم الأغبر إلى دولة أزمات والاحتجاجات اليومية، ولم يعد مكان آمن للعيش البشري لخطورته بحسب منظمة الشفافية العالمية!