19 ديسمبر، 2024 1:04 ص

وما أدرى الثور أني عنترة

وما أدرى الثور أني عنترة

النقاش عملة سلوكية ذات وجهين أولهم ما تشرحه في معنى واحد كافة القواميس والمعاجم اللغوية وهو تبادل الآراء ووجهات النظر عن طريق الحوار والاستدلال ليبقى (الاختلاف لا يفسد للود قضية ) هذا المنطق الذي غدا تطبيقه قليلٌ جدا أما وجهه الثاني المنتشر والذي اتخذ قبولا بيننا وبدأنا الاعتياد عليه مجبورين ومتفهمين بسبب ضغوط الحياة وما انتجته من حالات نفسية وهو تحوله السريع الى جدال حاد وتعنت بالرأي ولا مجال لاستيعاب فكرتك المطروحة مهما جاءت بالحجج الدامغة وامتلكت ناصية قضيتك واستخدمت وسائل الإقناع فالجاهل والمتعنت سيفندها، ولا تقف الأمور الى هذا الحد فهناك من ينصب لك العداء ولا حدود كمية أو كيفية لشروره بإمكانك توقعها لاختلافك معه في الرأي.

العقلاء وحدهم من يتخذون خطوة تشابه ما فعله عنترة بزمانه حين شاع بين الناس إن عنترة قد هرب من الثور فقيل له : أنت عنترة بن شداد فأين شجاعتك أتخاف من ثور وأنت عنترة ؟

فرد عليهم : وما أدرى الثور أني عنترة؟.

وهي حكمة عند وصولك للحد الفاصل بين عدم الفهم و عدم الرغبة في الفهم لرأيك او قضيتك، فتستعين بلغة الصمت حتى لا يضيع وقتك وتستنزف طاقة كلامك هباء ولا يسمى هربا بقدر ماهو حذرا من السقوط بجُب الغضب و التعثر بكلمات لا يستثنيها ويقف على أعتابها المجادل المتعنت فيحسبها ضدك او تقلب الموجة وتغير مسار الحديث كمن يقفز عشرين مترا في لحظة لتفتح موضوعا مغاير لا يمت لسابقه بصلة!.

ويصف هذه الحالة الدكتور خالد بن صالح المنيف في مقال اختير الأفضل لعام2016وترجم إلى عدة لغات عنونه (المرحلة الملكية) ضمن عدة حالات يصل فيها الانسان الى مرحلة الهدوء والسكينة مع الذات بعد سلسلة من التجارب والخبرات ليتعامل مع المواقف بعقلٍ واعٍ وفكرٍ يقظ فيقول: ” في المرحلة الملكية لن تتورط في (جدالات) تافهة ولن تستدرج لمعارك صغيرة، ولن تبذل جهداً على ما لا يستحق من مواضيع، ولو وجدت نفسك قابعاً في مستنقع جدل سقيم ستلتزم الصمت ولن تصرف دقيقة في إقناع من لا يريد أن يفهم! أو في محاولات تعديل مساره! ولسان حالك يقول: لن أضيع وقتي عليك، ذاك اختيارك وأنت المسؤول!”.

إستذكرت هنا وأنا أكتب المقال شعرا قرأته يوما واعجبني :

ولئن ندمْتُ على سكوتٍ مرةً … فلقد ندمتُ على الكلامِ مِرارا.