23 ديسمبر، 2024 10:51 م

حكايات الجدات.. ظاهرة تراثية في طريقها الى الاندثار

حكايات الجدات.. ظاهرة تراثية في طريقها الى الاندثار

مقال الكاتب الاعلامي صبحي صبري(باعة الورود والأعشاب الربيعية.. مهنة فولكلورية موصلية في البال)،المنشور في موقع البيت الموصلي بتاريخ1232013 اثار قلقي كثيرا،رغم كل الذي لاقاه من قبول لدى قراء ومتصفحي الموقع، وذلك لان تلك الظاهرة اختفت من واقع حياتنا اليوم بتداعيات العصرنة مع الزمن،وهو ما اثار حسرة الكثير ممن جايلوا تلك الظاهرة،وساءهم فقدانها، بسبب ما تركته في مخيلتهم من لمسات وجدانية،كما بدا من مداخلاتهم حول المقال.

والملاحظ ان الكثير من موروثنا الشعبي اخذ بالانحسار، والتراجع مع العصرنة بوسائلها الرقمية كالفضائيات، والشبكة العنكبوتية بوسائطها المتعددة، كمواقع التواصل الاجتماعي، والمدونات، والبريد الالكتروني،  ونوافذ الألعاب الالترونية، حيث جذبت اليها فئة الشباب، واستهلكت جل وقتهم، وأقصتهم بجلف عن معايشة الكثير من العادات، والتقاليد الاجتماعية،التي كانت حاضرة بحيوية في سياق الحياة اليومية، وأملت عليهم تبني انماطا سلوكية طارئة،بفعل الاعتياد عليها،ومحاكاتها بطول فترة الاستخدام، والتفاعل المتواصل مع واقعها الافتراضي الى حد الادمان،وما يعنيه ذلك من عزلة حقيقية عن بيئته الاجتماعية. اذ لاشك انه بقدر ما تمثله التقنية الرقمية الحديثة،وأجهزة التواصل من قفزة إلى الأمام في تطور حياة الناس المعاصرة ، وبرغم  ما تمثله من حافز مساعد للأطفال، والشباب في التعلم بدرجة كبيرة، وتوسيع أفاقهم الفنية،فأنها أصبحت من الناحية الأخرى خطرا يتهدد أخلاقياتهم، ويشوه تكوينهم الوجداني، بنقلها لهم ممارسات غير مألوفة،  تأباها عاداتنا،وأخلاقنا العربية والاسلامية، من خلال ما تتداوله من برامج ترفيهية، تتسلل مفاعيلها السلبية إلى نفوسهم دون أن ينتبه أحد لذلك.

ولعل الملفت للنظر حقا، ان الجيل الجديد من الشباب يكاد يكون بفعل التصاقة الشديد بالواقع الافتراضي للفضاء الاعلامي،والمعلوماتي، قد انفصل عمليا عن واقعه الحقيقي، فلم يعد يتفاعل مع الوالدين، والجدات، بنفس روحية، وحميمية الجيل السابق،فبدأ يفقد دفء العلاقة الروحية مع العائلة، ويخسر انثيالات ذاكرة الماضي، وحكايات الجدات في المساءات الحالمة، وسلاسة حركية الحال، حتي وان كانت تلك الحال في جانب منها ذات طبيعة خرافية، اواسطورية، الا انها تترك في نفس الصبية، والاطفال،ملكة الخيال،وتنمي لديهم القدرة على التصور، وتزيد اصرة الألفة العائلية، من خلال الاسلوب الحكواتي الساحر، الذي غالبا ما كانت تتمتع به الجدات،وتمتاز به في العادة،كبيرات السن من عجائز ايام زمان، بما هو مهارة مجتمعية تراثية متراكمة، متناقلة من جيل الى اخر.

ولعل حرمان الجيل الجديد من حلاوة تلك الاجواء الحالمة، بتداعيات زحف حداثة العصرنة،التي شدتهم الى معطياتها الالية،وجذبتهم للتفاعل المطلق مع بيئتها من دون حصانة تراثية،لابد انه بالمحصلة، سيأخذ مفعوله السلبي بإقصاء الكثير من العادات، والسلوكيات الاجتماعية من موروثنا الشعبي،ويحول الجيل مع مرور الوقت، الى ما يشبه الروبوتات،بعد استلاب ملامح خصوصيات شخصتيه، حيث سيلفي نفسه قد خسر الكثير من عاطفته الوجدانية، وبدد انثيالات احاسيسه الشاعرية، التي كان الماضي الجميل المسكون بكل تلك المعطيات، يمنحها لأجياله الخالية،ناهيك عن التداعيات السلبية الكثيرة التي ستتركها على سلوكهم العام.