عقود من الزمن مرت على جلوس الروس على دكة الاحتياط، جل ما فعلوه هو الاكتفاء بالمراقبة عن بعد، حتى جاء القائد الجديد فلاديمير بوتين، الذي كانت طموحه عاليا جدا، حيث كان يرى بلادة تستحق ان تكون لاعب اساسي وموقعها
“راس الحربة”.
منذ سبعينيات القرن حين بدأ يضعف الاتحاد السوفيتي، اصبحت الولايات الامريكية هي القوة الاكبر، والقطب الاوحد في العالم الذي لا يجابهه احد، حتى نفضت روسيا غبار الزمن وعادت بحلم اعادة الامجاد، لكن على حساب من ياترى؟.
استرتيجية القوة تغيرت، لم يعد الاكثر تسلح من حيث القوة الصاروخية والطيران وعدد البوارج والغواصات هو الاقوى، انما النفوذ في العالم هو مقياس القوة في المرحلة الحديثه، الاكثر نفوذا وحلفاء في العالم، هو الاكثر قوة وسيطرة على حركة التجارة والاقتصاد العالمي، وبذلك يكون هو القوة العظمى.
السيطرة على اقتصاد الدول ترتبط بشكل طردي مع بناء اقتصاد قوي لبلادك، هذه فلسفة الاقطاب، وذلك ان هذه الكيانات الكبرى قامت بعدة وسائل للسيطرة على اعمدة اقتصادات الدول، ومن هذه الوسائل كانت معاهدات الحماية وبناء القواعد العسكرية، بحجة حمايتها من “بعبع”، قاموا في الاصل بتربيته بشكل غيّر مباشر، ليكون ذلك الشيء المخيف.
ايران وتركيا ومصر في الشرق الاوسط، لكل من هذه الدول كانت مرحله معينة تعيش دور القوة، وتمثل القوة الخطرة على باقي دول المنطقة، وكذلك الباكستان بالنسبة للهند، وكوريا الشمالية لدول شرق اسيا، والمانيا في اوربا وكوبا وفانزويلا في اميركا اللاتينية والجنوبية، لكن في نفس الوقت هناك سيطرة تامة على اقتصاد هذه البلدآن، مما يجعلها فريسة سهلة للدول العظمى، في حال تجاوز الحدود، او انتهت صلاحية الخطة وتغيرت اوراق اللعبة.
المرحلة الحالية تلعب ايران دور القوة في منطقة الشرق الاوسط، حيث انها دخلت في نزاعات عسكرية واخرى سياسية في الكثير من دول المنطقة، وكانت لها اليد في صياغة سيناريو لتلك الدول، لكن في الواقع ان ايران تعي انها في ورطة تكاد تقضي عليها.
ايران تعرف تماما ان اللعب مع الكبار مخاطرة كبيرة، اذ لا وجود لحلف بالمعنى المطلق فأن لغة السياسة هي لغة المصلحة، اي ان الحلف الايراني الروسي هو تحالف مرحلي لا تستطيع ايران ان تعول عليه تماما، واصبحت واضحة جدا بعد التدخل الروسي في الجبه السورية، لتكون روسيا هي صاحبة القرار واضمحلال الدور الايراني، بل اختفائة في الساحه الدبلوماسية.
عادت روسيا وبقوة لتمسك زمام الامور على الصعيد السوري، عسكريا وسياسيا ودبلماسيا وتدخل في جميع المفاوضات، وتكون هي قطب التفاوض وتملي شروطها واوامرها، مع استبعاد تام لايران من هذه المفاوضات.
روسيا اخذت زمام الامور وسيطرت على الاوراق التفاوضية الايرانية، مع العالم في سوريا وفي اليمن ايضا لاح في الافق التدخل الروسي، وهذا ما اضعف الجانب الايراني كثيرا، حتى اصبحت الضغوط الامريكية تكبر والقرارات المجحفة بحق ايران اخذت تزداد، رافقها انهيار في الاقتصاد الايراني المتمثل بقيمة العملة الايرانية مقابل العملة الاجنبية.
القرارات التي بلغت بها ايران مؤخرا من قبل الجانب الروسي، بعد التفاوض مع الجانب الاسرائيلي، تقتضي خروج ايران تماما من سوريا مقابل ان يعترف بالاسد، ويبقى نظامه هو الحاكم وترسم الحدود بين الدولتين، الى حدود مناطق الاشتباك والتي تعد نصف الجولان تقريبا، وهذا يعد ابعاد تام للجانب الايراني من اللعبة.
جاء اخيرا القرارات الامريكية بفرض حصار اقتصادي على ايران، ومنع التعامل معها ومنع استيراد النفط الايراني، مما اثار حفيظة السياسيين الايرانيين، وقلب طاولة الحوار لتصدر تصريحات نارية، تهدد بمنع تصدير اي قطرة نفط من المنطة، اذا منع تصدير الخام الايراني، عن طريق غلق مضيق هرمز الذي يصدر ٨٠٪ من نفط دول الخليج.
بقي فقط ان تنفذ اميركا عقوباتها التي توعدت بها ايران، و حدد موعد التنفيذ في الاول من شهر نوفمبر القادم، وتكون ايران في حصار تام، وفي حال نفذت ايران مزاعمها بغلق هرمز سوف تعرض العالم لمشكلة اقتصاديه، سببها ارتفاع اسعار النفط، وتكون ذريعة لشن حرب عسكرية اممية على ايران.
الحكومة الايرانية ليست بهذه السذاجة، واعتقد انها فهمت اللعبة جيدا، وسوف تغير استراتيجيتها ولن تغلق مضيق هرمز، وانما تذهب باتجاه الحلفاء مقابل تنازلات، كي تحصل على عقود نفط اجله، وكذلك سوف تحرك عصابات القراصنة في مضيق هرمز وباب المندب، وتهدد السفن العالمية وتصل الى مبتغاها دون ان تجعل نفسها في المواجهة مع اميركا، او تخطوا خطوتها الاخيرة وتخرج تماما خارج المعادلة.