هذه ثناية في سؤال من جزئين الأول كلمة نسائية، والثانية إمرأة! والفرق بين الجزئين كبير. فما بين جمع كلمة ” نسائية” ومفرد كلمة ” إمرأة ” تفرد جوهري في المعنى والمضمون، وخاصية متداخلة بمكنونات انثوية تمثل عالم النساء أو المرأة أدبيا في ازدواجية قد تتعارض أو تتوافق مع كلمة أدب، فالجدل ما زال قائما بين الرفض والقبول.
لكن الأدب النسوي عند فاكت هو: ” الأدب الذي تكتبه المرأة مستسلمة فيه لجسدها، والذي نلمح فيه الاكليشهات الكتابية.” وهذا حقيقة ما نقرأه في أيامنا هذه من أساليب روائية نسائية بعيدة عن التقنية المتينة والمترابطة روائيا، لأنها غالبا تطرح موضوع تحرر المرأة لكن بعيدا عن التوجه الفكري والأدبي البناء.
ولا أعرف إن كان يمكن تسمية الفضفضة الذاتية التي لا ترتقي لمقاييس الرواية بالأدب الروائي ، فكلمة أدب شاملة كمصطلح له مفهومه التأديبي القادر على منح التوازن للنفس كي تتهذب وتعالج الأمور الحياتية بجمال يجعلنا نتذوق المفاهيم البنائية التي يجب أن ترفع من مستوى الإنسان لا أن تعيده إلى زمن المحظيات. فالأدب النسوي بدأ في بريطانيا مع قضية المطالبة بحق التصويت ، ورافق مرحلة النهضة ، لكن الأدب وكما يعرفه بلزاك هو : ” كل شىء عما يراوغ مدركات روحنا المحدودة، وعندما تضعه أمام عيني قارىء، فإنه ينقذف في فضاء تخيلي” أما الأدب الروائي، فهو طاقة مفتوحة لأن الرواية هي معالم طريق وأصوات ، وبيوت وحارات، وشوارع ومشاعر، وليل ونهار ، هي مكعب رباعي الأبعاد أقتطع من العالم، لأن الأدب كالخريطة الفكرية الفطرية لا هوية له إلا لغة مشتركة لا تفرق بين رجل وامرأة.
نظريات تعددت وآراء اختلفت في تحديد الصنف الأدبي الذي يحمل ملامح الرواية. إلا أنه أدب عاجز وأبتر وغير مؤطر كتبه صاحبه لأنه فشل في تحديد الصنف الأدبي الذي يحمل ملامح الرواية، فالأدب الروائي هو قصة نثرية وسرد ذو حبكة متية، لها أساليبها الفنية . لكن كلمة نسائية توحي بسلبية ترتبط بحركة نسوية لها دلالاتها الخاصة وإشكالياتها المتعلقة بتحديد النوع والجنس بيولوجياً ، وأسلوب يحدد ملامح هوية تسعى إلى إظهار التمرد على الرجل، وتكششف عن جرأة تسعى إلى اكتساب التعاطف مع معاناتها، وما تتعرض له من سلطة ذكورية مبتعدة عن الموضوعية والعقلانية، لتضع نفسها في اتجاه أدبي واحد وهو ظلم المرأة واضطهادها من الرجل كما تراها هي وهذا بدأ مع مؤلفات الدكتورة نوال السعداوي الأولى واستنكارها لعادات اجتماعية غير متكافئة تكبل المرأة ، وتعطي حق التسلط الذكوري عليها من قبل الرجل، وحقوقها المنتهكة وكما بدأ من قبلها مع سيمون دي بوفوار. لكن الدكتورة نوال السعداوي استطاعت تقديم أعمال روائية ذات مستوى فني تقني روائي يتوازى مع الرجل. .
أما ماري ايجلتون فتؤكد: أنه ” الأدب الذي يسعى للكشف عن الجانب الذاتي الخاص بالمرأة” فالأدب النسوي يمكن أن يكتبه رجل فالهيمنة الغربية على الذهنية العربية تلاحقنا حتى بالمصطلحات، فهل العنوان ” سوق عكاظ نسوي في الرواية” أو أدب ورواية نسائية؟ أم أدب ورواية تكتبها امرأة؟ له خصوصية تكشف عن صراع مرير بين ما هو نسوي أو ذكوري ؟.أم أن الرواية النسائية وهم وحلم وقد امتلأت أسواقنا العكاظية بحكايات هي خارجة عن الأدب؟.فهل يمكن تسميتها رواية وهي تفتقر للأسس البنائية للعمل الروائي؟
هناك الكثير من الأعمال الروائية لو نزعنا عنها الأغلفة، لتاهت الهويات ، ولاستطعنا اكتشاف المقاييس الروائية التي لا تنتمي لرجل أو امرأة بمعنى أنها تحافظ فقط على الأدب الروائي ، فالمهم الصياغة الحقيقية وليس الصائغ وجنسه امرأة أو رجلا. فالقدرة على تحقيق الجمال البناء يتم عفوياً وفطريا، لكنه أيضا خبرة حياتية لها منظومها الهندسي الإجتماعي الذي يعيد بناء الذات لا أن يعيش معاناتها لتلتهب المخيلة الجنسية وتتعطل المخيلة الابداعية.
فمشكلة النساء الكاتبات بشكل عام لا تحمل قضايا تتناثر عن الذات، وإنما قضايهن تتمركز حول الذات مثل فضفضة “بنات الرياض” ،وغيرها…فهناك فعل كتابي ، وفعل كتابي أدبي ، فعل تعبيري ذاتي وفعل تعبيري عام. كما أن هناك اعمال ابداعية يمكن أن تتحدث عن المرأة أكثر من المرأة نفسها متل كتابات ” إحسان عبدالقدوس” الأدبية .
أما الأدب الذي تكتبه امرأة ، فهو أدب يشبه أدب الرجال بمعنى التوازن من حيث الموضوعية والذاتيه، والقدرة على معايشة العصر ومشكلاته فكريا وعاطفيا بدون أن نشعر بالاختلاف من حيث الطرح والمعالجة وتقديم الرؤى، فمثلا لو نقارن بين نازك الملائكة ولميعة عباس عمارة، فالأولى كتبت شعراً لا علاقة له بالمرأة ولا بالرجل، فهو له كينونة عامة يتذوقها كل قارىء مهما كان جنسه النوعي ويمكن أن يكتبه رجل مثل شعر ” بدر شاكر السياب” أما ل” ميعة عباس عمارة” فهي تتحدث بلسان وعقل نسائي أي يمتلك خاصية فردية نسوية له خاصية ذاتية .
أما عند القدماء فنجد أن الخنساء لا تختلف عن أي رجل، فهي تشارك الرجل بالهموم الإجتماعية والحياتية وتبتعد عن المطالبة بحقوق نسائية منتهكة، وما إلى ذلك وهنا لا أعني أن تنفي عن نفسها صفة المرأة أو أن ينفى الرجل صفة الرجولة إنما هي اختلافات تستجيب لها أحاسيس الرجل والمرأة على السواء. لكن للشعر خصوصية روحية لأنه يخرج من داخل النفس إلى خارجها بينما العالم الروائي هو حياة داخل كتاب أو قطعة حياتية مكتملة العناصر ودقيقة جدا ، فمثلا روايات ” توني موريسون” لا تختلف عن روايات ” باولو كويلو ” أو روايات” مارغريت ميتشل” وروايتها “ذهب مع الريح ” والتي توازي رواية ” الشيخ والبحر” للروائي ” آرنست همنغواي” .
وبعد كل هذا سأقدم جملة مختصرة لكل ما تكلمت عنه، ولعنوان حمل فوارقاً أنثوية واشتقاقاً لغوياً لسوق لم يحمل قديما أسم سوق عكاظ رجالي إنما حمل في الحاضر سوق عكاظ نسوي . لكن كلمة أدب لها صفة مشتركة لسؤال مطروح ، أدب ورواية نسائية؟ أم أدب ورواية تكتبها امرأة؟ نحن لا نستطيع تصنيف الأدب بيولوجيا هذا ذكوري وهذا نسوي أو هذا تكتبه امرأة أو يكتبه رجل ، لأن الأدب الروائي بشكل عام هو القدرة على تصنيع المشهد الحي ليظهر المكنون الحقيقي للادب بشكل عام وللرواية بشكل خاص بمعادلة متوازية تتساوى فيها المرأة والرجل من حيث الجودة الفنية والموضوعية في تقديم ما هو هادف وبناء أدبيا وفنياً بعيداً عن ثرثرات الأسواق والمقاهي التي لا هم لها إلا تحقيق كل ما هو ذاتي بعيداً عن إطار الأدب بمعناه الجوهري الخلاق .