يعتبر التعليم في العالم هو الركيزة الأساسية لأي تغيير منشود والمفتاح لخلق مستقبل مستدام و هي إلاطار العام الذي يحدد الغايات العريضة والمصادر التي يعتمد عليها لاشتقاق تلك الاهداف، والوسائل التي ينبغي إتباعها لتحقيقها، سواء أكانت خططاً أو إجراءات عامة تصف تنفيذ تلك الخطط.
من العسير على البعض أن يُصَدِّق أن العراق الديمقراطي الذي يحتوي على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم ، ما زالت فيه حتى اليوم مئات المدارس الطينية، التي تحتوي على مقاعد دراسية محدودة و رَثَّة، يتكدس فوقها عشرات الطلاب من كلا الجنسين، فيما لا يعلم أحد أين تذهب مليارات الدولارات التي تُخَصَّص لدعم التعليم في الموازنة كل عام . و تواجه العملية التربوية والعلمية انتقادات وتساؤلات كبيرة، فمع كل عام دراسي جديد. يتساءل المهتمون بالشأن العلمي والتربوي ما هو الجديد في المناهج العلمية وما الجديد في البيئة المدرسية، وهل سيشهد العام الجديد تطورا حرصا ومثابرة أكبر لحصاد نسبة نجاح أكبر، أم لا. وقد لا تلقى هذه التساؤلات وغيرها إجابات وتبقى عائمة ، على كل حال يعاني التعليم من تراكمات الاستراتيجيات الغير ناجحة لمختلف الانظمة خلال العقود الماضية، حيث صنفت بعض المنظمات الدولية الحالة التعليمية في العراق حالياً ضمن الأضعف عربياً . بعد ان كانت الجامعات العراقية مكانة علمية عالية واحتلت النسبة المتقدمة في ترتيب الجامعات العالمية ودرس فيها الكثير من الطلبة من مختلف انحاء العالم لتمتعها بكفاءة عالية والاعتراف بها ،تدهور وضع التعليم في العراق مابعد فترة حرب الخليج الأولى وحلت الكارثة التي عجزت كل الجهود لاصلاحها واذا نظرنا لما قبل حرب الخليج الأولى عام 1991 ميلادية حيث كان يمتلك نظام تعليمي يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة ، تقدر نسبة المسجلين في التعليم الإبتدائي بماتقارب الـ 100%، كذلك نسبة عالية للقادرين على القراءة والكتابة و التعليم ولكن تغييرت المعادلة كثير بسبب دخول العراق في حروب والحصارالاقتصادي الذي فرض عليه بسبب ممارسات النظام الخاطئة وإنعادمية في الأمن. وانعدام المنهجية بعد عام 2003، فقلة نسبة المشاركين في منظومة التعليم ، كذلك قلة نسبة الدعم الحكومي لهذا القطاع وأثر النقص في الكتب والمناهج الدراسية سلباً على المستوى التعليمي للطلاب، وقد تمر فترة طويلة من العام الدراسي دون حصول الطلاب على كتبهم وقرطاسيتهم، والمتمكن منهم قد يلجأ الى شرائها من باعة الكتب المتوفرة لديهم والمفقودة من مخازن التربية وبأسعار عالية ولا يتمكن أولياء امور الطلبة من ذوي الدخل المحدود من شرائها .. ونظراً لتلك الأسباب توجه العديد من الأطفال العراقيين إلى مجال العمل فترة الحصار و بعد الإطاحة بالنظام العراقي السابق لمساعدة الاهل لتوفير المعيشة ، في حين ان النظام التعليمي قبل ذلك التاريخ كان يضم مايقارب الـ 6 ميلايين تلميذ مابين فترة الحضانة حتى الدرجة الـ 12 ، بالإضافة إلى مايقارب الـ 300,000 معلم و إداري. وكان التعليم إجباري حتى إكمال المرحلة الإبتدائية ، بعدها يخير الطلاب لإكمال دراستهم على حسب نتائجهم في الإختبار العام ( البكلوريا ) و بالرغم من وجود خيار التعليم المهني في منظومة التعليم العراقية ، لكن القليل من الطلاب يختارونه نظراً لرداءة النوعية التعليمية المقدمة فيه. و كان العراق قبيل سنوات مضت من الدول التي صنفتها منظمة اليونسكو الخالية من الأمية وأن أكثر المواطنين فيه يقرؤون ويكتبون بسبب حملة مكافحة الأمية التي انطلقت من أواخر السبعينيات من القرن الماضي وانتهت الحملة في الثمانينيات من القرن الماضي ووصلت الى اعلى مستوياتها، والذي ساعد في الحد من الأمية هو مجانية التعليم ابتداء من التعليم الابتدائي ووصولاً إلى أعلى الدراسات في التعليم الجامعي الاولى و الماجستير وحتى الدكتورا وغيرها. ومع الاسف ان التعليم بعد الحصار ولحد اليوم وهو يعاني من سوء التخطيط وعدم احتضان العقول والكفاءة العلمية لادارته . ويحتاج العراق الى 20 الف مدرسة بحسب احصاءات وزارة التخطيط العراقية؛ لسد النقص الحاصل في المدارس، حتى يقتصر الدوام على الصباحي فقط ، وتتخلص المدارس من دوام المزدوج الموجود حاليًا، والذي يعتمد على الصباحي والمسائي، ووصل الحال في بعض المدارس إلى دوام ثلاث وجبات (صباحي وظهري ومسائي . ويواجه المدرسون صعوبات بالغة بسبب أعداد الطلاب، ما يحملهم مزيدًا من الجهد، وسبب مشكلة اكتظاظ المدارس الدمار الذي لحق بالأبنية المدرسية وتهالك البعض الاخرمنها ، وهذا يحمل الدولة طاقة هائلة، وينتج عنه ضَعف في استيعاب الطلبة لدروسهم؛ للعدد الزائد في كل صف دراسي عن الاستيعاب الحقيقي .ومن هنا وبسبب عدم تطوير العملية التعليمية انتشرت البطالة وانتشر الفقر، وحسب المعطيات فحوالي 10% فقط من خريجي الجامعات العراقية يجدون فرص عمل، بينما 30% من تلاميذ المدارس الفنية يتم الاستفادة بهم في سوق العمل، ولأن الناس لا يعتبرون التعليم بوابة للحصول على فرص عمل ونظراً لقلة رواتب التعليم تشير معظم هذه الأرقام إلى أن حوالي 60% من التلاميذ لا يكملون دراستهم الابتدائية بل يتسربون من التعليم، ولوحظ أيضاً تراجع واضح في أعداد العاملين في العملية التعليمية العراقية، ولا توجد بوادر لتحسن المستوى العلمي في العراق وما زالت غائبة في ظل انتشار الدروس الخصوصية والمدارس الاهلية وانعدام جدية عند الكادر التدريسي و أن يشاركوهم في تبسيط المواد التعليمية وفهمه لهم . ، في نفس الوقت تعاني المدارس من مشكلات اخلاقية وكثير من السلوكيات المنحرفة التي بدأت تظهر على الأطفال في المدارس، كالتدخين والتسرب من قاعات الدرس وارتياد المقاهي أثناء وقت الدوام وأصبحت بيئة منفّرة وليست بيئة جاذبة، وإذا سألنا أي طالب هل تحب المدرسة؟ سيجيب بكلمة لا. والسبب هو الافتقار الى الاساليب الصحيحة للمعلمين والمدرسين .وتعاني المعاهد والجامعة العراقية ايضاً عجزاً واضحاً في التجهيزات والبنية الأساسية، والكتب المدرسية إلى نسبة 40% على الاقل في بداية كل سنة وتبقى تعاني حتى اواسط السنة الدراسية .وكذلك من الأسباب المهمة التي كانت ولازالت تواجه العملية التربوية وتعيقها بشكل كبير جدًا هي الأوضاع الأمنية المتردية في البلد، والتي أصبحت ذات تأثير كبير على قطاع التعليم من نواحي عديدة واهمها تعطل الدوام عند حدوثها ، و ظاهرة النزوح والتهجير التي تعرض لها الطلبة، فضلًا عن قلة الوعي الثقافي في المجتمع العراقي في بعض المناطق لعدم وجود برامج تتبناها الدولة؛ مع وجود معوقات نفسيه لدى الكثير من الطلبة ومنها شعور الطالب بالإحباط نتيجة عدم وجود نوع من التوعية النفسية، مثل الحصول على فرصة عمل تنسجم مع التخصص الذي حصل عليه الطالب بعد إكماله للدراسة. لاشك أن إصلاح التعليم يحتاج إلى تكاتف جهود الجميع وتدخل عاجل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذ، و لا يتغير حال التعليم إلا على تطوير مستوى تدريب وتكوين المعلمين والأساتذة أو إنشاء بنية تحتية أو صياغة برامج لإصلاح القطاع أو حتى القضاء على بعض مظاهر الفساد الإداري والمالي في المؤسسات التعليمية، وعلى العكس فقد يشهد القطاع التعليمي كما في السنوات السابقة انهياراً شديداً او من بين الأسوء منذ تأسيسه، وذلك من خلال جميع الأرقام والمعطيات، وخير دليل على ذلك نسب نجاح الطلاب في واخر السنة دائما هي متردية و مايثبت أيضاً أن مختلف الأنظمة فشلت كلياً في فك بعض رموز هذه الأزمة، أو بالأحرى زادت التعليم تأزماً، حيث مازال تدهور مستوى الطلاب والمعلمين والأساتذة قائماً والظروف الصعبة هي نفسها دون بوادر للانفراج فيها و لقد انعكست هذه الأوضاع السلبية في التعليم على مستوى الطلبة وقدراتهم اللغوية والعلمية بشكل كبير، اضافة الى تفشي المعتقدات الطائفية المتطرفة وتفاقم الغيابات والتسرب من المدارس لأسباب اقتصادية وتفشي الأمّية والجهل .