19 ديسمبر، 2024 12:12 ص
عانى العراق بعد عام 2003 من انهيار تام، اذ كانت جميع مؤسسات الدولة المهمة قبل ذلك يسيرها أشخاص محددين، ولا تعمل وفق آليات قانونية رصينة وفعالة، فتبع ذلك حوادث كارثية ومصائب عظام، لم تمر على العراقيين حتى في اسوء كوابيسهم، ولولا حكمة رجل يسكن في احدى ازقة النجف، ومواقفه التأريخية ، نكاد نجزم لما بقي من العراق الا اسمه!.
تعتبر المرجعية الدينية العمق الإستراتيجي، الذي يلجأ اليه العراقيين في اوقات الشدة والتيه، لانها تمثل الدين الحقيقي، الذي لم تؤثر فيه افكار المنحرفين، ولم يتلوث بثروات الفاسدين. فشكلت حجر عثرة دائم بطريق اكثر الاعداء فتكاً بالشعب، واصحاب الغايات السوداء، وكان لها الكلمة العليا في المحطات المصيرية بعد الاحتلال، لتفرض رؤيتها الوطنية على الجميع، بأقامة اول انتخابات حرة في البلاد، وكتابة الدستور بأيادي عراقية، وبحكمة بالغة حالت دون وقوع الحرب الاهلية، التي كانت قاب قوسين او ادنى، وصولاً الى فتواها التأريخية بالتصدي لداعش.
تصاعد غضب الشارع العراقي في ظل اجواء الصيف اللاهبة، بسبب شحة الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء ومياه الشرب، اضافة الى الفشل الذريع للحكومات المتعاقبة في أحياء القطاعات المهمة كالزراعة والصناعة، التي من شأنها استيعاب عشرات الآلاف من الشباب، الذين يتخرجون كل عام من الجامعات العراقية، لينضموا الى افواج العاطلين عن العمل، ويعيشون في اوضاع اقتصادية صعبة، او يعملون في مجالات لا تتناسب مع امكانتهم وتطلعاتهم، فمن هذا المنطلق كانت المظاهرات ضرورة من اجل المطالبة بالحقوق المشروعة.
مايحسب للتطاهرات الأخيرة، أنها كانت عفوية، خرجت من رحم الألم العراقي، بسبب تخبط صانعي القرار، وعدم كفاءتهم في ادارة الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة للدولة. وكانت المرجعية الدينية الداعم الرئيسي، لكل المطالب المشروعة في هذه المظاهرات او التي سبقتها.
لكن ما يثير الأستغراب هو استهداف المرجعية بشكل مباشر من بعض المندسين، والقاء اللوم عليها بتسلط الفاشلين والفاسدين على مقدرات الدولة، متناسين مطالبتها الحثيثة بالتغيير عبر الانتخابات، التي تعتبر الطريقة الشرعية لأقصاء الفاشلين والفاسدين، وان يكون الاختيار على أُسس الكفاءة والنزاهة، فماذا تفعل المرجعية اذا كانت رغبة بعض الناخبين، هو البقاء على نفس الوجوة. والبعض الآخر قرر عدم المشاركة في الانتخابات، هل تملك المرجعية عصى موسى، ام ملك سليمان لكي تغير واقع الحال!.
لكن كما تعودنا من المرجعية، انها لا تلتفت لهذه الاصوات الممولة، والاجندات العابرة للحدود، التي تستهدف هدم الركيزة الاساسية، التي يستند عليها النسيج العراقي المتنوع لكي يحافط على وحدته وقوته، والتي تجلت بأبهى صورها في حرب التحرير ضد داعش. فهي تنظر بعين المسؤولية والابوة.
لتكرر وقوفها مع الشعب، عبر بيان صعق المتشبثين بالحكم والحالمين بالعودة اليه ، و وصف بأنه يقع من حيث الاهمية والقوة بعد فتوى الجهاد الكفائي، حيث رسمت فيه الطريق الامثل لخروج العراق من دوامة الفشل والفساد، التي لازمته لعقد ونصف. ودعت الحكومة الحالية الى الاسراع بتلبية مطالب المتظاهرين، التي من الممكن معالجتها في الظرف الراهن.
ركز بيان المرجعية على الحكومة القادمة، حيث دعى الى الأسراع بتشكيلها، وتكليف رئيس وزراء قوي وحازم، يختار الكابينة الوزراية وفق ضوابط صارمة، بعيداً عن تحاصص الاحزاب، ويتحمل كامل المسؤولية عن اداء الحكومة، فيقود حرب لا هوادة فيها ضد الفساد بكافة اشكالة وانتمائته.
اما اذا تخاذلت الطبقة السياسية عن المضي بهذه الخطوات الاساسية، لكي يضع البلد قدماً في طريق بناء دولة المؤسسات، ويحقق العدالة الاجتماعية المفقودة بين ابناءة، فيكون من حق الشعب تطوير اساليبه السلمية، من اجل قلع الفاسدين والفاشلين.
في هذا الظرف الحساس، يجب على القوى السياسية، التي تزعم انها تسير وفق رؤى المرجعية، أن تثبت صحة ادعاءاتها، من خلال القتال حتى الرمق الاخير، لتحقيق ماورد في بيانها الاخير، وأذا لم يستطيعوا ذلك، بسبب حجومهم الانتخابية، او اسباب أخرى. عليهم اللجوء الى المعارضة، لكي ينأون بأنفسهم عن المشاركة في حكومة، مقرر فشلها منذ ولادتها، ملعونة من المرجعية والشعب، لا يُعرف الى اي مصير مظلم تقود العراق.