يبدو أن العراق قد دخل في نفق مظلم يحاول فيه البعض استحضار الماضي بكل ما فيه من خلافات وفتن وأوجاع لتطبيقه بحذافيره في وقتنا الحاضر سواء عن وعي أم بغير وعي سواء رضي به المجتمع أم لم يرض. فبالرغم من إدعاء البعض بالديمقراطية الحديثة الا انهم قد أثبتوا بأنهم يريدون أن يوقفوا عجلة الزمن لكي يعيدوا تمثيل المسرحيات التي عرضت قبل ثلاثة عشر قرناً أو يزيد في كل مفصل من حياتنا. يعتقد هؤلاء أنهم لن ينجحوا ويثبتوا أركان ملكهم الا بالأتكاء على الماضي المرير وأعادة تمثيل تلك المسرحيات على أرض الواقع. وهذا ما يريده الغرب بالضبط وهو ان يجعلنا نقتل بعضنا البعض على أحداث جرت في قرون خلت وهم يتفرجون علينا حتى إذا ما تعب الجميع وأنهكوا إنقضّوا علينا كما ينقض النمر على قطيع من غزلان جريحة. وما نراه في الشرق الأوسط اليوم هو تجسيد لهذه السياسة فالغرب يريد المسلمين ان يكونوا معسكرين دينيين متقاتلين ليضعفوا الجميع، ورجال الدين يساهمون بتنفيذ هذه السياسة الى أن يجدوا أنفسهم في طريق مسدود. الغرب وبعد قرون من الظلام والأقتتال انتبهوا فأبعدوا رجال الدين عن السياسة بسبب ما فعله رجال الكنيسة بالناس حيث كانوا يعتبرون أنفسهم نوابا عن المسيح وكلامهم لا يناقش ولا يقبل الخطأ وعلى الجميع أن يذعن صاغراً لهم والا قـُتل. فانتفض الغرب على رجال الدين ومنذ ذلك الوقت الغرب يتقدم ونحن نتأخر. الغرب تعلم أن يدرس التاريخ ليأخذ منه الدروس والعبر والبعض في بلدنا يدرس التاريخ ليعيد تمثيله وتطبيقه على أرض الواقع وكأنهم متعطشون للدماء. فمنذ مجيء الخميني للحكم وتطبيقه لنظريته ولاية الفقيه، التي لم يقل فيها أي رجل دين شيعي قبله، والعالم الأسلامي يعيش باضطراب مستمر، فقال انه هو النائب عن الأمام المعصوم وبذلك فهو معصوم يجب أتباعه في كل صغيرة وكبيرة وهو إمام المسلمين قاطبة رضوا أم لا حتى لو محا شعوباً كاملة. أي ان الخميني أراد للمسلمين ان يعودوا الى الزمن الذي كان فيه رجال الكنيسة في أوربا يحكمون ويقتلون من خالفهم. ثم تبعه خامنئي باعتناقه نفس النظرية، ولم لا فطبيعة الأنسان – الا ما ندر – إذا توفرت له كل سبل الطاعة والقوة وخاصة المستمدة من الدين تسلط وبطش وقتل. ليس المشكلة في المسيح وليس الدين الأسلامي هو المشكلة ولكن من يتصدى للدين من السياسيين يستخدمه حصان يصل به الى مآربه، ثم أن الدين الأسلامي أصبح مذاهب وملل وبعض هذه الملل ابتعدت كثيراً عن جوهر الدين الأصلي فأي من هذه المذاهب يريدوا أن تحكم المجتمع وهل سيقبل الطرف اللآخر بهذا الواقع أم تريدون أن يتقاتل أبناء المجتمع على أحداث تاريخة لم يكونوا طرف في صناعتها.
يعتقد بل يؤمن رجال الدين الشيعة والكثير من أتباعهم بأن الحسين و يزيد لا زالوا أحياء يتصارعون على أرض العراق وارض المسلمين وانهم هم أتباع الحسين ولا يوجد سواهم أما باقي المسلمين فكلهم أتباع يزيد لا يحبوا آل البيت، ولذلك يجب أعادة تمثيل أحداث القرون الماضية بقتل كل أتباع يزيد المفترضين. ولذلك ابتكر رجال الدين الشيعة مقولة كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء لأدامة آلة القتل حتى أبادة الآخرين جميعا الذين لا ناقة لهم ولا جمل بما حدث قبل 1370 سنة ولا علاقة لهم بمقتل الحسين بل هم يسمون أولادهم بإسمه تبركاً وحباً ويعتبرونه شهيداً وسيد شباب أهل الجنة ولا يمتـّون بصلة الى يزيد أو أتباع يزيد لا بصلة دم ولا بصلة مبادىء. لقد برع البعض باضفاء أسماء لأشخاص عاشوا وماتوا قبل مئات السنين على أناس يعيشون في الوقت الحاضر، فمثلاً يوصف شخص بأنه يزيد العصر ويوصف البعض الآخر بأنهم الشمر الذي قتل الحسين ويوصف آخرون بأنهم خوارج العصر، وخرج علينا مؤخراً من يصف نوري المالكي بأنه مختار العصر وكأن اللغة أصبحت عقيمة عن إيجاد أسماء عصرية جديدة. البعض الآخر لا يزال يتغنى بحضارة السومريين وحضارة وادي الرافدين ويتغنى البعض الآخر بالحضارة العربية الأسلامية. كل هذا ليس لأخذ الدروس وأنجاز ما أنجزته الأقوام السابقة بل للتفاخر الذي لا يشبع من جوع، وهكذا يريدون لنا أن نعيش في أوهام الماضي ولكن نأكل من فتات المزابل بالرغم من أن دخل العراق اليوم هو اضعاف مضاعفة ما كان يدخل للسومريين والعباسيين وغيرهم.
موضوعنا اليوم هو مختار العصر الذي بدأنا نسمع به في الآونة الأخيرة حيث رفع متظاهروا حزب الدعوة وأتباع نوري المالكي في بغداد يافطات تقول ” انصروا مختار العصر ” لأنهم يعتقدون بأن مختار الأمس قضى على قتلة الحسين حباً بالحسين وانهم يجب أن ينصروا مختار اليوم ليقضي على اتباع يزيد المفترضين. وقبل أيام أسس حزب الله فرع العراق جيشاً سماه جيش المختار في مؤتمر حضره نواب من دولة القانون، و قال مؤسس هذه المليشيات أن مهمته ستكون تنظيف العراق من كل شخص غير تابع لهم بالرغم من أن الشيعة هم من يحكمون ولديهم جيشاً وشرطة تقدر بمليون عسكري ولكن مليشيا جيش المختار ستكون مكملة لجيش المالكي يستخدمه كقوة خفية لتصفية الخصوم. وقد استخدم حزب الله نفس أسلوب النظام السابق بطرق أبواب الناس وأجبارهم على ” التطوع ” في جيش المختار، بالضبط كما كان الناس يجبرون على التطوع في جيش القدس. هذا الجيش الذي تأسس بمباركة ودعم كبير من إيران وسكوت رئيس دولة القانون بل بتسهيل منه ومن أعضاء حزبه كما فعل سابقاً مع جيش المهدي الذي استخدمه لتصفية اعداءه السياسين ولكن بعد أن خرج عن قواعد اللعبة صال عليه فقتل من قتل وحبس من حبس وهرب من هرب، وهذا ما ينتظر جيش المختار هذا لأن المالكي لا يسمح لأحد ان يستقوي عليه ويخرج عن طاعته. وأخيراً عرض المالكي علينا مسرحية إلقاء القبض على ذلك الشخص المتعطش للدماء باسم نصرة الدين، والدين منه براء. مسكين المالكي لم يعد قادراً على معرفة مكان رئيس حزب ورئيس مليشيا يقولون أن عددها بلغ مئات الآلاف من المقاتلين بينما جيشه يستطيع أن يخرج النملة من الزاغور. الى متى الضحك على عقول الشعب يا رئيس دولة القانون وكان عليك أعتقال أعضاء حزبك الذين حضروا مؤتمر ذلك المأزوم والذين هربوه الى الخارج إذا كنت صادقاً.
بالرغم من أن شعار ” مختار العصر ” الذي رفعه اتباع المالكي هو شعار طائفي بامتياز وغير عفوي لأنه دبر تدبيراً محكما وفي توقيت مغرض، وطبع الشعار طبعاً متقناً مع رفع صورة المالكي فان هذا الشعار موجه الى مكونات أخرى من الشعب العراقي ولم نسمع ان المالكي أو أحد أعوانه أو أي عضو من التحالف الشيعي أن شجب رفع هذا الشعار أو اتهم من رفعه بالطائفية والسبب هو لأنه جاء يصب لمصلحتهم وزعامتهم بينما أقاموا الدنيا على شعارات شخصية وفردية ظهرت في مظاهرات الأنبار واستنكرها أهل الأنبار أنفسهم. إذاً المطلوب من مختار العصر المالكي الثأر من قتلة الحسين المفترضين الذين لا زالوا يعيشون بعد 1300 سنة باستخدام جيش المختار ولم يعد يكفيه الجيش الرسمي. فكل كلام عن الديمقراطية وشركاء الوطن وشعار ” لا للطائفية نعم للوحدة ” إنما هي لذر الرماد في العيون لأن الفعل لا يتطابق مع القول، بينما القتل والأغتيال جار على قدم وساق بكل هدوء وبدم بارد.
الكثير لا يعرف حقيقة مختار الأمس وهو المختار بن أبي عبيدة الثقفي وكما أن الكثير يعتقد أن المختار كان من الأولياء الصالحين يجب تعظيمه وتقديسه وبناء ضريح له – بالمناسبة فالضريح خال من أي جسد – فهم يعتقدون ان القول والأطراء وأخراج المسلسلات التي تصف المختار بالبطولة لا يكفي بل يجب أن يعيدوا المختار الى الوجود فيقوم من قبره ليمشي بينهم ويحكم ويقتل الآخرين حتى وان كانوا مسلمين. سيرة المختار الثقفي معروفة فقد ورد ذكرها في أقدم الكتب الأسلامية، ولكن بمرور الزمن قام البعض بوضع أقوال وأحاديث نسبوها الى بعض الأئمة في مدحه والأطراء على سيرته اعتقاداً منهم أنه جاء فعلاً لمناصرة أهل البيت. نضطر لعرض سيرة ذلك الرجل الثقفي كما ترويها كتب التاريخ القديمة وكتب الشيعة أنفسهم وليست الموضوعة التي رفعته الى مصاف الأولياء. فلنرى الوجه الآخر لمختار الأمس.
نصّب المختار الثقفي نفسه على الكوفة سنة 66هـ وادعى أنه جاء لأجل القصاص من قتلة الحسين فقتل من قتل من الذين اشتركوا في معركة الطف في صراع على الكرسي ليس الا ثم انتهى الأمر بمقتله. لقد جاء المختار بكرسي خشبي وجلس عليه وادعى أنه كرسي علي بن أبي طالب يحمله معه في كل معركة. وهنا يجب التنبيه انه ليس كل من أدعى بحبه للحسين أو قاتل من قتله – وهم يستحقون العقاب – هو فعلاً صافي النية بل البعض يجرون وراء مصالحهم الشخصية لجذب عواطف الناس البسطاء اليهم باسم الحسين ولابد من اتخاذ رمز يتكئون عليه كما يحصل اليوم. لقد كان حلم المختار الثقفي هو أن يحكم العراق باستخدام شتى الوسائل الممكنة الشرعية وغيرها، وقد تحقق له ذلك لمدة سنتين ولكن رأينا نتيجة مختار الأمس بعد أن تركه أتباعه من أهل الكوفة يقاتل لوحده في قصر الأمارة عندما أنقطعت عنهم الأعطيات والمكافآت وشعروا بضعفه.
المختار هو أبن مارق لأبي عبيد الثقفي الذي كان مجاهداً قاد احدى سرايا المسلمين ضد الفرس واستشهد سنة 13 هـ في معركة الجسر وهو ما ينطبق عليه المثل «النار تخلف رماد». فإن المختار هذا كان كذاباً محتالاً مخادعًا متلوناً من أجل أغراضه وأهدافه كما سنرى. منها ما رواه أحد أعلام الشيعة الكشي [“رجال الكشي” ص257، 258 تحت ترجمة أبي الخطاب] عن ابن سنان أنه قال:
قال أبو عبد الله (ع) : ” إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا، فيسقط صدقنا بكذبه عند الناس – ثم عد واحداً بعد واحد من الكذابين – كان رسول الله أصدق البرية لهجة، وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين (ع) أصدق من برأ الله من بعد رسول الله وكان الذي يكذب عليه من الكذب عبد الله بن سبأ لعنه الله، وكان أبو عبد الله الحسين بن علي (ع) قد ابتلي بالمختار، ثم ذكر أبو عبد الله الحارث الشامي والبنان فقال : كانا يكذبان على علي بن الحسين (ع) ثم ذكر المغيرة بن سعيد وبزيعا والسري وأبا الخطاب ومعمراً وبشار الأشعري وحمزة اليزيدي وصائب النهدي – أي أصحابه – فقال : لعنهم الله، إنا لا نخلو من كذاب يكذب علينا – كفانا الله مؤنة كل كذاب وأذاقهم الله حر الحديد” . فهنا يذكر الكشي من بين ما يذكر ابتلاء الحسين بالمختار الثقفي الكذاب. وقد رفضه كل من محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين على رؤوس الملأ في المسجد النبوي.
لقد سكن المختار بن أبي عبيدة الثقفي المدائن وكان أهلها من الخوارج الذين يعادون علي بن ابي طالب فكان فريستهم، ولقد ذكر المؤرخون أنه عندما دخل الحسن بن علي المدائن ونزلها وهو جريح كان عم المختار سعد بن مسعود عاملاً على المدائن ، وكان المختار ميالاً لمعاوية، فقال لعمه هل لك في الغنى والشرف؟ قال: وما ذاك؟ قال: توثق الحسن، وتستأمن به إلى معاوية، فقال له سعد: عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأوثقه! بئس الرجل أنت [تاريخ الرسل والملوك – الطبري – ج 5 – في ذكر بيعة الحسن بن علي، و الكامل في التاريخ لابن الأثير – ج ٣ – الصفحة ٤٠٤] وفي رواية أخرى: فقال له المختار وهو شاب: هل لك في الغنى والشرف؟ قال: وما ذاك؟ قال: تأخذ الحسين بن علي وتقيده وتبعثه إلى معاوية، فقال له عمه: قبحك الله وقبح ما جئت به، أأغدر بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم” [الطبري ج6 ص92، وابن الأثير ج3 ص203، وابن كثير ج8 ص14]. فكيف يدعي البعض أن المختار أحب علياً وإبنه الحسن ومن بعده الحسين؟ نعم استضاف مسلم بن عقيل مبعوث الحسين ولكن لغرض في نفسه كما سيأتي ذكره.
ولقد ذكره المستشرق الألماني ولهوزن بالتفصيل في كتابه الخوارج والشيعة وهذا جزء مما جاء في كتابه: كان المختار ينعت بأنه ” سحار ” وأنه ” الدجال ” ويوصف عادة بـ ” الكذاب “. وهذا الوصف لا لأنه زعم أنه مكلف من قبل ابن الحنفية، بل لأنه تبدّى على أنه نبي. حقًّا إنه لم يسم نفسه بهذا الاسم، ولكنه أتى أفعالاً من شأنها أن تعطي عنه هذه الفكرة، فكرة أنه نبي. وكان يتكلم وكأنه جالس في الحضرة الإلهية، يعلم الغيب، ويسجع سجع الكهان بطلاقة ومهارة. ويريد أن يفرض شخصيته على الناس، وأفلح في هذا أيضًا وإن كان نجاحه لدى الخاصة والعقلاء أقل منه لدى العامة والدهماء. وطالما حالفه النصر اتسعت دوائر المؤمنين به، فلما مني بالهزيمة أدبرت عنه الدنيا. وراحت الروايات تطلق سهامها على ذكراه بعد مقتله. و المستشرق ” دوزي” استخدم نفس التعبير لرسم الصورة التي عملها للمختار في كتابه “مقالة في تاريخ الإسلام” فيقول عنه: إنه هو الذي أمر بإطلاق الحمام البيض، وأنه كان خارجيّاً ثم زبيريًّا ثم شيعيًّا، وأنه ابتدع القول بالبداء في الله كيما يبرر تقلبه من مذهب إلى مذهب…. أنه تستر وراء شبح وناطور خيالي (هو محمد بن الحنفية) لم يعرف عن أمره شيئاً ولم يشأ أيضًا أن يعلم عن أمره شيئاً. فلم يكن ضميره نقيًّا من هذه الناحية، ولكن الظروف في ذلك الحين لم تسمح له – بوصفه مسلماً وشيعياً – أن يظهر باسمه هو الخاص، بل كان عليه أن يخلق لنفسه مركز “أمين” للمهدي المستتر… وإن المختار اتخذ نقطة ابتدائه من بدعة غريبة غامضة اختط بها المختار وهي “السبئية”، والسبئية يسمون أيضًا “الكيسانية” وكان كيسان زعيمًا للموالي، فإن كان في نفس الوقت زعيمًا للسبئية، فيستنتج من هذا أن السبئية والكيسانية كانوا شيئًا واحداً تقريباً.
فأول حياة المختار كان خارجياً يبغض علياً بغضاً شديداً، وحاول التآمر على ولده الحسن والقبض عليه قبل اتفاق الحسن مع معاوية، ثم انتقل إلى التشيع لما شعر أن الحسين قادم للعراق وأن الأمر سيكون إليه لعله يجعله عاملاً على جزء من العراق، فلما قتل الحسين انتقل لنصرة عبدالله ابن الزبير بالحجاز وقاتل معه حين حاصره أهل الشام أول مرة آملا أن يوليه حكم العراق، فلما أحس باضطراب الأوضاع بالعراق استغل الصراع بين ابن الزبير وعبدالملك بن مروان وعاد إليها من أجل التخطيط لتملكها وذلك سنة 66 هـ. فلما وصل الكوفة قتل ابن مطيع عامل ابن الزبير عليها ، وتولى مكانه وأعلن ولاءه لابن الزبير ليكف ابن الزبير عنه، فكان يدعو له على المنابر وفي السر يشتمه ويسبه ويدعو الناس لبيعة محمد بن الحنفية، ويغالي فيه ويزعم أنه المهدي المنتظر والمعصوم. ولكي يكسب حب الناس ويـجمع المسلمين حوله، أخذ في تتبع كل من اشترك في قتل الحسين فقتلهم جميعاً، فازدادت مكانته عند الناس، فبدأ بعدها في الجهر بمكنون صدره، فادعى أنه يوحى إليه وأن جبريل يأتيه بالوحي من السماء، واستغل الشيعة الغلاة ذلك فروّجوا لكلامه خاصة أنه كان يدعو لابن الحنفية ويغالي فيه، ووصلت هذه الأخبار لعبد الله بن الزبير، فأرسل أخاه ” مصعب ” فحاربه في عدة وقائع حتى قتله في 14 رمضان سنة 67 هـ .
عندما غزى الحجاج بن يوسف الثقفي مكة في المرة الثانية وقتل عبدالله بن الزبير أرسل رسولاً الى أمه اسماء بنت أبي بكر وكانت أمرأة مسنة فقال: لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، قال فأبت وقالت: والله! لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني، قال فقال: أروني سبتي، فأخذ نعليه، ثم انطلق يتوذف، حتى دخل عليها فقال الحجاج: كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين! أنا، والله! ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا ” أن في ثقيف كذاب ومُبِير” فأما الكذاب فرأيناه. وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. قال فقام عنها ولم يراجعها [رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم 2545]. والكذاب المقصود هنا هو المختار الثقفي والمبير أي المستبد فهو الحجاج الثقفي. وقد ذكر أن الحجاج قال غلبتني اربع نساء سكينة بنت الحسين (زوجة مصعب بن الزبير) وأسماء بنت أبي بكر وهند بنت المهلب (زوجته) وغزالة الشيبانية (أخت قائد الخوارج).
هذا هو مختار الأمس فما بال مختار اليوم؟
أطلقت صفة مختار العصر على المالكي فأين وجه الشبه؟ لقد أراد أتباع المالكي مدحه والأطراء عليه باضفاء هذا الأسم عليه ولكنهم ذموه من حيث لا يعرفون. فكما رأينا فالمختار الثقفي كان كذابا ومتقلباً ومخادعاً ومتلوناً بأمتياز قافزا من فئة الى أخرى للوصول الى مآربه في الحكم، أما المالكي فيكفيه وصف الناس له وكذلك شركاءه في العملية السياسية بالكذاب والمخادع حتى قبل رفع شعار المختار من قبل أعوانه فهو استخدم كل الألاعيب والكذب والخداع للبقاء في كرسي الحكم بأسم الشيعة ونصرة المذهب. فما أشبه مختار الأمس السيء الصيت بمختار اليوم فكلاهما يدعيان نصرة آل البيت وكلاهما كذاب ومخادع ومتلون يقفز كل يوم مع فئة ليستقر أمر الحكم لهما وحدهما. فمتى يترك الناس تلك التسميات التي أكل الدهر عليها وشرب وينظروا الى المستقبل ويفكروا كيف يعيشوا متساوين في بلد واحد، ومتى يتركوا خزعبلات رجال الدين الذين يبتزوهم بالفتاوى والخمس والرشى ويمدوا اليهم ايديهم لتقبيلها؟