23 ديسمبر، 2024 9:01 م

ما بعد الحداثة وتفكيك التفسير الاجتماعي: الصراخ المرتقب للطفل

ما بعد الحداثة وتفكيك التفسير الاجتماعي: الصراخ المرتقب للطفل

ترجمة ومراجعة :
د,حارث محمد حسن
د.باسم علي خريسان

  ما بعد الحداثة هي نظرية اللااستمرارية التي ترفض أفكار التنوير عن الحقيقة و التقدم؟ وتتسلسل فوائدها كشكل من التفسير الاجتماعي في أطار معياري يقوم على التحقق الذاتي ويستند على السطحية واليأس . وكوسيلة للفهم، تقدم منهجاً ذاتياً في دراسة الحاضر. وفيما يلي نقد لما بعد الحداثة كنظرية ومنهج ، او بدقة أكثر، إنكارها كنظرية ومنهج. وإقامة الدليل على  فردانية وتنوع ما بعد الحداثة سيتبعه بديل ورؤية اعتراضية.
   ان ما بعد الحداثة تقوم على انطولوجيا الاختلاف التي تحتفي بالفردية ضمن خطاب التفكيك والفردانية والخصوصية. وقد قسم (رينجير 1992) ما بعد الحداثيين الى معسكرين الشكاكين والجازمين. لذلك اصبح فوكو وليوتارد وبودريارد ووليام كونولي في مواجهة رورتي وروزناو. ويرى بودريارد ما بعد الحداثة باعتبارها(( عالم الواقع المركب كحقيقة جديدة للعالم الاجتماعي))، اما كونولي فايراها كوسيلة ((لمخادعة كهانة الأكاديمية))،وعلى العكس ، يسخر رورتي من ما بعد الحداثيين الشكاكين،واصفاً إياهم بـ((مدرسة الغيض)).لكن مثل هذه السخرية بين ((الرفاق)) في النظرية مقبولة، ان لم تكن مهذبة ،لان مقولات ما بعد الحداثة تتطلب تدفقاً متواصلاً للغموض والتناقض. وهي تصبح بالنسبة للكثيرين مرتبطة بأزمة الاعتقاد والسلطة. ويقال ان(حنا اريندت،وليو شتراوس، وايريك فوريجلين، وهيدجير)، يضيفون جواً من الشرعية الفلسفية لاتجاهات ما بعد الحداثة.ويصنف رورتي ما بعد الحداثة كرد على الحداثة.
 في ما بعد الحداثة، تفصل المعرفة ((العيانية)) الذات عن الموضوع، وتبعد الذاتي والتجربي عن الموضوعي.وذهب هيدجير الى ما هو أبعد من التأمل الفكري ورحب في البداية بالتجسيد التطبيقي لما بعد الحداثة مع صعود الثورة الاشتراكية القومية لهتلر.
   بالنسبة لهيدجر كانت ما بعد الحداثة  هنا تطوراً للفرد، نمو ((الوجود الألماني)) الذي وعد بمستقبل لاتعود فيه (المبادئ)) و((الأفكار)) قاعدة كينونتك، و(الفوهر ) وحده هو الحقيقة الألمانية الحاضرة والمستقبلية وقانونها. ويذكرنا ذلك (بالأب باينلو ) في رائعة البرت كامو ((الوباء)) حين يقول: (لا توجد قوة أرضية، كلا،وحتى القدرة المتبجحة للعلم البشري يمكنها  ان تفيدك لتتجنب تلك اليد حالما تمتد أليك))(1972)،انه تحذير من ان الوباء (الفاشية) هي انتقام من التنوير ، ومنها نشأت ما بعد الحداثة كطفل لقيط يقدم أساسا عدمياً أعمق في أعمال فردريك نيتشة.وبدلاً من الادعاء أنها تطرح نفسها كوسيلة للتفسير الاجتماعي ، تهاجم ما بعد الحداثة وتسخر من دورها في ((تقدم)) المجتمع الإنساني. وبالنسبة لما بعد الحداثيين مثل (باومان ) فان القيمة الكلية لـ((الحداثة)) أعاقها مقصد خدمة نظام تمجيد الدولة-الامة. والشمولية تشكل جزءاً من المؤامرة الاستبدادية(المقصودة او غير المقصودة) لمحاصرة وتنظيم المجتمع، حيث يجري التأكيد على نظام تبسطه العبادة الهيغلية لشرعية الدولة. لكن ذلك يعزز الارتباك الموجود في ما بعد الحداثة ،لان الأفكار المبكرة لهيدجر عن مقاومة النظام يمكن اعتبارها تجسيد لتنافر ما بعد الحداثة. والكثير من ما بعد الحداثيين يستدلون الى الواقع بعيداً عن الحداثة، وهو واقع يختلط مع الوجود الفعلي للتنوع. انه عالم الأنظمة المتوازية،يقاطعه فقدان للهدف النهائي، حيث عالم العلم والتعليم والمعرفة هو مجرد ((انتظار لغودو)).
  واذا ، ما تساءل القارئ عند هذه النقطة متى سيخترق المعنى  هذا التفسير لما بعد الحداثة،فان ذلك سيذكرنا بأن الطبيعة المشظاة للتشكل النظري مخترقة بدفع قوي لما هو غير قابل للتفسير. وقد وصفها جابليك بالقول، ((في الفضاء المتعدد الأبعاد والمنزلق لما بعد الحداثة كل شيء يذهب مع أي شيء، كلعبة بلا قواعد)). ويرى اليكس كمالينيكوس انها(( فن السطح، بلا عمق ،بلا أي امتداد))، احتفاء بتفكك الذات ( 1989) ويراها لازمان(1989)،انها أعادة تنظيم للمعرفة ،لاشمولية ورغبة بالتعقيد وتناقض وتنافر،((قبول للانظام وتعارضات و انقطاعات وفجوات))((لازمان 1989)). ويحاول (وولدينفيل )تفسير العلاقة بين نظرية ما بعد الحداثة وهدف الفهم القائل ((ان الإنسان لم يعد .. حامل المعنى،والنظام لم يعد معنى يطبع النوايا الذاتية)).((ان ما نحتاجه هنا هو الحفاظ على الاختلافات ، والتسامح تجاه الغوامض،وفي نفس الوقت مقاومة الوحدة المفروضة))(والماير 1989).اما منطق(وولدينفيل )  فيمزج التواصل بالصراع، و(فريد والماير) يعتبر ما بعد الحداثة بديلاً راديكالياً للحداثة. والخطاب الذي يدعي (( اننا  يجب ان نميز بين اللامنتظم ،وبمعنى انتهاك قاعدة تحكمها مصفوفة ثنائية للنظام ،وفي البعد الغير محكوم بالقواعد على الجانب الأخر من النظام الذي قد ندعوه اللامنتظم ))(1989).
  وهنا يمكننا ان نرى شكلاً في ما بعد الحداثة يكذب فكرتها المعادية للشمولية: هناك ميل متزايد باتجاه هوية مبنية حول ميتاسردية، انها حاجة ما بعد الحداثيين للحصول على الشرعية الفكرية، وهي بذاتها إنكار لمكانة ما بعد الحداثة كانقطاع عن انطولوجيا الهوية الأحادية. وقد أقيمت محاولات لإظهار الفاصل بين شرعية ما بعد الحداثة وسلفها ((الخاطئ)): الحداثة والتنوير. ان ما بعد الحداثة التي غالباً ما يتم ربطها بما بعد البنيوية، وما بعد الفوردية، ونهاية التنوير بمعناه التاريخي، تحاول تطوير شخصية أحادية. ومن المهم ان نتساءل كيف يمكن ان تتحدد شخصية أحادية بدون اعتبار للانطولوجيا الحداثية  في الهوية والوحدة والارتباط والعمومية. ويرى (لاراين) ان ما بعد الحداثة تبدو كـ((ظاهرة ثقافية معقدة  تتسم بأشياء من بينها ثقتها بالخطابات الشمولية حول الفعل والحقيقة الكونية))(1994). وهنا يتحدد مفهوم ما بعد الحداثة باعتبارها لاحتمية ، أولوية الاختلاف واللاقياسية بين الخطابات. ويعرف ما بعد الحداثيون الكلاسيكيون الحقيقة كشيء لا يسبر غوره والأيديولوجية كوسيلة للخداع ويلغون ((الحقيقة الواقعية)) من البحث. ومفهوم النظام تنقصه حقيقة توجد اساساً ضمن خطوات ذواتها. ويعتبر (ليوتارد وماركس كنص ((جنون لا كنظرية)) ويرى الحقيقة((سلاح للبارونايا والسلطة .. عودة الرعب. لذلك دعنا نصارع ضد الرعب الأبيض للحقيقة)). ويرى ان ((الحتمية ماتت، واللاحتمية تهيمن))، وان ((كل شيء يصبح غير قابل للإنكار)). اما انتقادات فوكو للسلطة فتصنف ضمن تأكيداته على ((أهمية الدور الأيديولوجي للمفهوم الفقهي للسلطة)). ويدمر ليوتارد  حججه بتطوير مفهوم نقدي للأيديولوجية ينتهي الى شمولية النقد. ان تعددية الحجج تتمركز لتترك النقد الأساسي للأيديولوجية كمتاسردية شاملة. وينظر الى بودريارد كمنكر للأيديولوجية يبرر هذا النقد على أساس أيديولوجية من النوع الماركسي للمظهر والحقيقة .
 وما بعد الحداثة بهذه الصورة تصنف كعدمية: يأس وعدم ثقة بيوتوبيا التقدم الموعود ،وسواء كانت ما بعد الحداثة قد ولدت من رحم التدمير او المعاناة الناتجين عن الحربين العالميتين والاستخدام النفعي للعلم كسلاح للهيمنة المتزايدة،او انها كانت انعكاس للعقل المعذب للفرد الحديث، فهي تتلمس الاحترام كتجلٍِ للتنوير الفاشل.لكنها تغاير أيضا بدور ((المتعة المتعددة الأبعاد التي تكلل المجتمع ما بعد الحداثي ))(كليج 1994).
   وهنا فانها تدل على تبضيع النظرية، وحقيقة سلعية. لقد هوجمت منزلة المعرفة من قبل ما بعد الحداثة في العصر ما بعد الصناعي. وتفقد المعرفة قيمتها الداخلية وتصبح مجرد وسيلة لتقدم أداء التقنيات والتكنولوجيات الراهنة.
 ان الرأسمالية متحمسة بروح جديدة حيث يجد احتفال السوق الحرة انطولوجيا تلائم ماهيتها القائمة على التقدم الأناني والمنفعة. وتحتفي سطحية الرأسمالية.بجاذبية اليأس الموجود في ((الدعاية)) ما بعد الحداثية عن ((قيمة )) العدمية والصورة الزائفة.ان ربحية منتج ما تتجاوز قيمته الاستعمالية.. ويبح السلوك الإنساني محدداً في مجالات الكفاءة والأداء وقابلية البيع بدلاً من ان يكون مستنداً على طريقٍ يتجه الى الحقيقة الشاملة والنظام. والواقع يتحول الى ((أدراك بأن سياسات الدولة القومية خاضعةً بشكل متزايد للقوى الاقتصادية التي لا تمتلك سيطرة كبيرة عليها)). (ديفز 1995). ان منظور العولمة اللاتاريخي متجسد في تلاقح الثقافات في ((عالم التسويق اللامفكر)).وفي ((العالم الجديد)). هذا لا تعود الحدود محددة وتتفاقم  الضبابية بظهور فضاءاتٍ تحليلية جديدة.انه ليس مجرد انعطاف عن نظام الحداثة بل ونتيجةً له. وكما يلاحظ(كولن هاي) انه اذا كان ((التنوير)) هو خوف أسطوري تحول الى راديكالي،فأن ما بعد الحداثة هي خوف من التنوير تحول الى رجعي((هاي 1994))، اما (ريتشار برنستن )فقد وجد في ما بعد الحداثة ((مزاجاً))((1992))ويصفها بودريارد بأنها ((عالم الحقيقة المركبة))ـ ويراها هابرماس ((كرديفٍ للاعقلانية والعدمية)). ولا تقترح ابستمولوجيا ما بعد الحداثة موقفا متميزاً، ولا موقعا خارج العالم، وترفض التجريبية والميتاسرديات، وتنكر المكانة المتميزة للماركسية والنسوية والتنوير والدين والحقيقة.ما بعد الحداثة هي انعطاف عن الماضي،ووجود في الحاضر وإنكار للاهتمام بالمستقبل،وعملياً تصبح ما بعد الحداثة ميتاسردية تخلق نظرية التفسير الاجتماعي الذي يتحدى الحداثة ولكنه يعكس منهج الحداثة نفسها. غير ان الحقيقة هي ان ما بعد الحداثة تشبه طفلاً يرفض القبول بواجبات التعليم. انها تحتفل بآثام الكسل التعليمي وتمجد يأس الجهل ((الضروري)) ويتم إنكار التقدم الطبيعي الناجم عن متابعة الفهم،في كرنفال سوقي يقوم على إنكار ولا يراقب الا السطح ويستوطن في مكان خاوٍ من العمق. ان ما بعد الحداثي يتحدى سلطة الابستمولوجيا التي تجمع أعمال الزمن، وتمتد من الحاضر وراءاً الى ((ماركس وهيجل وويدغنستن وارسطو وافلاطون)).
 ان لدى ما بعد الحداثيين الكثير ليتعلموه. وما بعد الحداثي يبدأ وينتهي بموقف يرى ان الذوات ليسو (( منتجين للخطاب بل مواقع في الخطاب))((لارادين 1994)). حيث((الموقع)) تُملا بفرد ما، ومفهوم النظام في موضوع ما يتم رفضه.تقليدياً يجب ان نبدأ مع اطار مفاهيمي يقودنا الى تعميمات تساعد في صياغة نظرية تساعد في التفسير وتكون مفتوحة للاختبار. اما ما بعد الحداثي يعيش في مفهوم اللاستمرارية واللانظام  والتعليل الذي يعطى لذلك هو ان صياغة الخطاب لايمكن ان تكون مفهومة الا بادراك التجربة المباشرة.ويصور ((لودويك ويدغنستن )) كمبشر ما بعد حداثي لانه يعتقد بأن((كل شيء نقوله لابد ان يرتبط في النهاية، ولو بشكل جانبي، بالتجربة المباشرة ،اذا كان له معنى))( براند 1979)).وهذا الرأي يمكن ان يعتبر من مواقف الوضعية وبالتالي قد يجد ما بعد الحداثيون  قيمة في ملاحظة ان ((ويدغنستن )) شعر بأنه (بدون تمايزات وفروق لن يكون هناك شيئاً موجوداً، ووفقاً لذلك، فان الشيء الأكثر أهمية الذي نسعى وراءه هو الوضوح والنظام والمعنى ، لأنها أشياء مفقودة بوضوح)).,
  ورغم دعوة (ويدغنستن )للوضوح والنظام، يستمر الكثير من ما بعد الحداثيين في هواية المنظور اللاتاريخي وجود بلا ماضي كأفراد لايمكن ان نعرف الماضي الي لم نعش فيه. وهو استنتاج قد يثير إرباكا أكثر لان ما بعد الحداثي يدعي الشيء نفسه حول افتقارنا لمعرفة الحاضر الي نعيش فيه. لكن ((لاري لسبنس))، يلاحظ كيف تبدأ كل الحكمة بما ورثناه من الماضي((1978)) ومازالت أطرهم المفاهيمية تصاغ ، فرضياً بدون شكلٍ مسبق وبالتالي انكروا فائدة التعميم بسبب لا ملائمة الاقتناع بشرعية معرفةِ سابقة .لذلك تظل مع مقدمةٍ لنظرية تعتمد على وجودها الخالص ضمن ما هر فعلي، ونحن يجب ان نتساءل كيف يحدث ذلك، يدعي هانسون ((ان النظريات الفيزيائية توفر أنماطا تبدو المعلومات فيها غير ملموسة ،بينما شكل النظرية هو مجموعة من المفاهيم المرتبطة بإطار متناسق من الأحكام))، لان المفاهيم والأنماط والقواعد التي تحتاج بعضها تشكل مادة علاقاتية.ان ما بعد الحداثيين من خلال إنكارهم علينا فائدة الفكر السابق او التجربة السابقة ،ينتخبون نظرية تكبحها عدمية ما قبل مشكلة. ومشاكل الأبعاد التاريخية للتغير يتم نقضها بفعل الغياب الكلي للاهتمام بأي شيء خارج الذات، و(لايولي) ما بعد الحداثي اهتماماً بادعاء  (بوبر ) اننا نحتاج للبحث عن أجوبة لمشاكلنا وان ( الذات-الفرد) لايمكن ان يمتلك معنى اذا لم يكن (الكلي-الاجتماعي) مستندا على مفاهيم وتعليمات تسند النظريات.
  اذن ما الذي يمكننا ان نقدمه كبديل ليأس ما بعد الحداثي وقد يبدو تعرج الفكر الإنساني تصديقاً لموقف الارتباك واللايقينية ،وقد يجد العقل متعةً لحظوية ،فأن هذه الأفكار المجردة لا تستهدف عكس سطحية العصر التكنولوجي الحديث، وما بعد الحداثي يعفي نفسه من كثافة التعلم والتأمل ويرفض اخذ الأفكار الى مستوى المنطق كما يوضح هيجل (اذا كان الفكر في البداية مجرداً ويقصر نفسه على مجرد العناية بمبدأ يعتبره محتوى،لكن مع تقدم عمليته التطورية يضطر الى الأخذ بالاعتبار الجانب الأخر ،سلوك الادارك عندها يعتبر النشاط الذاتي كلحظة أساسية للحقيقة الموضوعية ،وتبرز الحاجة لتوحيد المنهج مع المحتوى والشكل الشكل مع المبدأ.
  ويلاحظ ((لزلي لايبسون)) ان ((الفهم هو بداية الحرية 1976)). وقد لاحظنا هنا كيف يعتبر ما بعد الحداثيون التناقضات والتنوع والتشظية حالة وجودِ لاتحتاج للتفسير خارج شرعية وتهكم الخادع. ان التناقضات مقبولة ولكن (بوبر) سوف يشير الى ان (( التناقضات ليت مقبولة باعتبارها شيء عادي وطبيعي أو حتمي تاريخياً ،بل كشيء منقود وينبغي تجاوزه)).ويعكس (بترينس بول) هذا الرأي انما يلاحظ انه ((فقط من خلال الكشف اولاً عن التناقضات،وإظهارها الى الوجود ووضعها في مستوى الإدراك الواعي، يمكن عندها ان تحل او تتجاوز عقلانياً. والمعنى الوحيد الذي((تتطور)) التناقضات فيه هو من خلال كشفها كتناقضات.
 ويواجه ما بعد الحداثيون صعوبة مع (بترينس بول) لان أساس نظريته متناقض تماماً مع أرائهم عن الترابط.(فبول ) يرى ان ((النظرية هي مجموعة من المعتقدات المتفاوتة التنظيم حول الناس والمجتمع)).
 ان احد العوائق الأساسية لدى ما بعد الحداثيين هي الخوف من التحقق ، لأنه  في هذه الممارسة تكون التناقضات وأشكال الشذوذ جلية. وبالنسبة لما بعد الحداثي، تكون التفسيرات ناقصة وفي هذه العملية ،يتم نقض شرعية التفسير الاجتماعي خارج شرعية التجربة الفردية حتى لو كانت التجربة غارقة في الارتباك.. ويتبع (دانيل ) النمط المنهجي باتجاه تفسير واختيار تفسير،ووصف، المناهج التي تقود حتماً الى تقدم الحداثة والتنوير. ويحذرنا (هابرماس) كي لا ننبذ الحداثة او ما بعد الحداثة ((لأنني اعتقد انه من التخلي عن الحداثة ومشروعها باعتبارها قضية مفقودة،يجب ان نتعلم من أخطاء تلك البرامج المسرفة التي حاولت نقض الحداثة)).
  لكن ما بعد الحداثة تخاطر بنفسها عندما تربط نفسها بفتنه تشاؤمها الأصلي..وبدلا من السعي إلى أجوبة خلق سحب العدمية،وفي حالة من البؤس ،وبما لم يتضمنها عصر اخر بسبب التناقض الكامن في وجود الحرب التدميرية الى  جانب التقدم ،ويهاجم ما بعد الحداثي جوهر فكرة التفسير.
  انه يجرب كل شيء لكنه لايعرف شيئاً.ان نتقدم،بالنسبة لما بعد الحداثي، يعني(( ان نعرف مكاننا في الزمان،وان نعرف كيف نعيش داخل وضع يتطلب منا في نفس اللحظة ان نرسم الحدود، وان نعترف بالحاجة لان نعيش ضمن حدودنا، لكن ايضا ان نعني بما يتجمع ((وراء الحدود)، وان نستجيب بأفضل ما نستطيع له، وان نتوق بشكل مسؤول لعبوره باتجاه الجانب الاخر(هيبدج 1988).
   ورغم التفاوتات الواضحة في الفكر ما بعد الحداثي،فأن جاذبية منهجية المعاصرة ما تزال تجذب أعجاب الكثير من الباحثين الاجتماعيين- ويتبى (جون غراي) رؤية ما بعد الحداثة التي تقوم على ((أصلاح النقد الرومانسي للتنوير –لكنه أصلاح جوهري فعلياً، من حيث  انه يوافق على الاندفاع الخلاصي للتنوير حيث التاريخ والمحلية مجرد عوائق للحرية الإنسانية في الوقت الذي يدعو لمهاجمة شمولية)).لذلك فهو يبرز التناقض الأساسي الموجود في ما بعد الحداثة، من خلال الكثير من نقادها. والتناقضات مكشوفة في مطلب تحقيق الشرعية من حلال أيجاد موضع ضمن (ديالكتيك التنوير). وحتى اذا كان ما بعد الحداثي لا يدرك تشعبات البحث العقلاني والموضوعي  ومن وجهة نظر ما بعد الحداثى/ فمن الواضح ان ( ما بعد الحداثة ترث من التنوير الحاجة    لاساس موضوعي وعقلاني للنظرية النقدية،في الوقت الذي تنكر وجود مثل هذا الاساس).وفي الوقت الذي تتجلى تناقضات ما بعد الحداثة أكثر فأكثر ،تتضاعف عيوبها الأساسية( بسبب جحودها المتكرر:الادعاء ما بعد الحداثي بنهاية الميتاسرديات،وإنكار ما بعد الحداثة لامال التنوير والتقدم والانعتاق ورفضها للنظريات الاجتماعية الشمولية).ولدى (جون غراي) رداً ينكر فيه البحث عن الشرعية في ديالتيك التنوير ويطرح الحاجة (لان نفعل ما هو أفضل بدلاً من المحاولة العقيمة للصق الشظايا التي تؤلف عالمنا،لمجرد ان نقتفي طريق التنوير،ان نتحول الى طريقة أحدث في التفكير وان نحاول استنباط الممارسات والمؤسسات التي يمكننا ان نعيش فيها بسلام في ظل التنوع).
  وفي رفض ما بعد الحداثة التحول الى علم (المنطق ) لهيجل. ان ما بعد الحداثة تحلل قدرة توجد ضمن مجال التجربة التي تحوي جوهر العدمي،وقبول لتفاهة الحياة تخلو لنظام ينطوي على مستوى اللاشئ والوجود.فمن خلال الترابط والتماسك في تطوير الوحدة بين الكينونة واللاشيء،فان انطولوجيا الحداثي لاتستوعب ما بعد الحداثة اطلاقاً.
 ومن خلال التفريق بين الكينونة واللاشيئية،يوضح هيجل ان بالامكان تحديد ما هية اللاشئ . انها لا تتحدد فقط بل توجد في علاقة مع الكينونة ولايمكن لما بعد الحداثة ان تحتفظ بمصداقيتها اذا كان تمييزها للاشئ يفتقر لموقعه المقدس ضمن مقولات ما بعد الحداثة ،ويقدم هيجل الحاجز النهائي امام ما بعد الحداثة عندما تمحى انطولوجياً الكلية في الحداثة بأن تصبح وحده للكينونة واللاشئ. وطالما يصبح اللاشئ جوهراً فأنه يغدو اله النقمه فيما بعد الحداثة.(( وعندما الكينونة الخالصة واللاشئ الخالص يصبحان الشيء نفسه.
  ولذلك،فأن فضل ما بعد الحداثة عن التنوير وعن اتباع المعنى الاجتماعي العقلاني يمكن رفضه باعتباره وهم. ان ارتباكها وانقطاعها محفز ذاتياً. ان اقتراحها الاحتفاء باليأس والعدمية يكمن ضمن اطار كلي يحتوي على الامل. ولايمكننا ان نكون سطحين جداً،فيجب ان نصل اعمق في اللاشئ أو الكينونة وبذلك نشكل جزءاً من علم المنطق، ليعطي معنى وهوية للارتباك واللاتهاون سابقاً.ان ما بعد الحداثة هي مجرد جزء من الكل ،شظية من الفهم يتلعثم تحت قدسية التنوير .وبالنسبة لما بعد الحداثيين فأن التجرؤ على الاعتقاد بإمكانية الانعزال عن هرمية المعرفة يعني أظهار العجرفة التي أساءت للكثير من الباحثين.
 وكما ان الماركسية تتجاهل الحاضر وتزل الماضي،فأن ما بعد الحداثة تقصي الماضي وتعزل الحاضر وكلاهما يدل على رفض مواجهة وحدة الزمن في كليته او في تجليه.ويذكرنا (ديبراي) في (انه على المدى الطويل،فأننا وأي شيء نفعله سنكون أشياء من الماضي). ويمكن قول الشيء نفسه عن المستقبل ،لان الحاضر هو الطريق الى المستقبل و(مالم يقع بعد فهو واقع بفعل ما وقع). وفي تحليله للأزمة، ومن احلال توضيح تداخل الاضداد، يعطينا (ديبراي) سبباً اعمق لتبني المنظور التشكيكي لما بعد الحداثة، فلازمة التي تشكل الرابطة بين دور التناقضات الماضي والحيز البديل للوحدة الجديدة(سواء قبل، بعد او في الأزمة)، تحتوي انعدام وحد اللاتوازن وعدم الاستقرار والتشظية. ان المفهوم النوعي لـ(اللحظة) يحتوي أضدادا التوازن والاستقرار والتماسك. ولايقبل (ديبراي) عدمية ما بعد الحداثة الا في اطار ضدها. وبالتالي يمكن ان نفسر ما بعد الحداثة كسيمفونية غير منتهية ، كخيال. وتحقيق المعنى بقبول انعكاسه  يعني موجب يوازن السالب.