في ليلة الجمعة الماضية كتبنا ما يفيد ويشير بأننا وضعنا مطبّاتٍ و ” سيطرات ” أمام مقالتنا لليوم التالي بغية انتظار ورؤية ما ستسفر وتفرز عنه تظاهرات الجمعة الماضية , ولم نود استباق الأحداث في هذا الشأن , ويبدو اننا بصدد إعادة ذات الحالة السابقة ” في الكتابة لمقالنا الجديد ” والى حدٍّ ما ” تجاه تظاهرات هذه الجمعة , وقد رصدنا بعض ما جرى من مجرياتٍ بين هاتين الجمعتين وهي قابلة للتطور سلباً ايضا . ولوحظ أنّ الأسباب الأنفعالية والحياتية – العاطفية التي اجّجها توتر الأعصاب الجمعي جرّاء افتقاد الكهرباء وملوحة الماء وتفشّي البطالة وفساد الحكومات المحلية الذي استشرى واستفحل في بعض المحافظات الجنوبية اكثر من محافظاتٍ اخرى تحمل ذات الفايروس الفاسد ” مع أخذٍ بالأعتبار لسرعة تحرّك بعض القوى السياسية لحرف اتجاهات التظاهرات وفق بوصلةٍ خارجيةٍ معروفة ومشهورة .! , فبدا أنّ تلك الأسباب والمسببات ابتدأت تنتقل من الجانب الحماسي المتدفق الى مرحلة التخطيط الهادئ والأستناد الى مركز العقل , كما بانَ أنّ ناشطين جدد وبدرجةٍ ارفع قد رسموا وحددوا الخطوات اللازمة لتفويت الفرصة على الأجهزة الأمنية الرسمية وغير الرسمية ! لتمكينها من فتح النار او اطلاق الرصاص ومشتقاته الأخرى كذلك , بالرغم من أنّ هذه القوى تمتلك درجاتٍ عالية من التحكّم بالمشهد القائم .. وبين هذه المسافة الزمنية بين هاتين الجمعتين , فلوحظ ايضاً دخول قادة ورؤساء العشائر على الخط بخطىً اوسع , انّما بأفتقادٍ لقاسمٍ مشترك بين قيادات عشائر هذه المحافظة وسواها . ويلاحظ المراقب او المتابع أنّ سقف مطالبات المتظاهرين قد ارتفع وسيّما بين محافظاتٍ وأخريات , وهذه السقوف ” الثانوية ” قد تمّ رفعها من قياداتٍ عشائرية او من تيارات النشطاء المدنيين الأخرى , ودونما ادراكٍ كاملٍ من عموم المتظاهرين .!
الدولة العراقية ” ومع التحفظ على هذه التسمية ” , فقيادات الأحزاب الدينية ” ومع التشكيلات والفصائل المسلحة لمعظمها ” , لم تعد تعرف ما تريد سوى الأحتفاظ الأبدي بسلطة الحكم وامتيازاته الممتازة , وبجانب التزاماتها غير المشروطة او المفتوحة تجاه ما يملى عليها من الجارة الشرقية , وما عليهم سوى التنفيذ المطلق والذي يتوافقون عليه سيكولوجياً وفكرياً , دونما اعتباراتٍ للمصالح الوطنية العراقية مهما بدت بالضد من المصلحة الجماهيرية . وبجانب ذلك فلعلّ استخدام العنف المفرط وقتل بعض المتظاهرين وجرح واصابة واعتقال اضعاف قتلى التظاهرات السابقة , فقد تغدو له تاثيراتٍ سيكولوجية على قوة الدفع في تظاهرات هذه الجمعة وما سيعقبها .!
ومن جانبٍ آخر او من زاويةِ نظرٍ اخرى , فأنّ الأندفاع الجماهيري الواسع للتظاهر بالمطالبة بحقوقٍ مشروعة وموجبة , وبقدر ما يمثله ذلك من الجانب الكميّ , فأنّ تأثيرات الأحزاب ومراكز القوى على بعض شرائح المتظاهرين فأنها قد تمثل الجانب النوعي لتحريك بعض عجلات التظاهرات بهذا الأتجاه او سواه .! وأنّ ما يحدث في المنطقة من احداث يلقي بظلاله بشكلٍ او بآخرٍ على هذه الحركة الأحتجاجية ودونما تشكيك بسلامة نيّاتها وتوجهاتها الوطنية .
ونرى أنّ يوم 4 تشرين ثاتي القادم وهو موعد اتخاذ الأدارة الأمريكية لقرارها النهائي حول العقوبات على الحكومىة الأيرانية , فسيكون له النسبة النوعية الأكبر لهذه التظاهرات الشعبية المتدفقة , ومع اعتبار لما قد يحدث من احداثٍ ومستجدات الى غاية ذلك التأريخ .!