اثارت خطبة المرجعية الدينية الجمعة الماضية في نقاط قليلة مشروع للإصلاح كان على القوى السياسية العراقية ان تباشر به فور وصولها الى السلطة لكن السؤال الأبرز لماذا يرتفع صوت المرجعية الدينية اليوم وهي التي كانت تقف بقوة وراء تشكيل التحالف الوطني عام 2005، وأيضا في نصح أحزاب السلطة القافزين الى مفاسد المحاصصة التي لم تلتزم بهذه النصائح، فكيف بها تطبق هذه الوصفة ذات النقاط الأربعة؟
يخبرنا القران الكريم في سورة الكهف قصة (ذي القرنين) مع قوم يأجوج ومأجوج الذين افسدوا في الأرض وطلبوا منه ان يجعل سدا بينهم فطالبهم ان يساعدوه ويأتوه بزبر الحديد حتى قوله تعالى ((قل هل ننبئكم بالأخسرين اعمالا))… كيف يمكن لنا ان نستلهم هذه الصورة الربانية في القضاء على الفساد، ونحن نواجه معضلة ميراث من مفاسد المحاصصة؟؟
ما يمكن قوله بهذه العجالة يتحدد في السيناريوهات التالية:
أولا : لم تتمكن المرجعية من فرض نموذج حضاري لبناء الدولة المدنية في العراق الجديد ، واكتفت الأحزاب بالتعامل الانتقائي مع نصائحها ، لذلك باركت في خطبة الجمعة قبل الماضية انتفاضة الجياع للمطالبة بحقوقهم وفي الجمعة اللاحقة وضعت الخطوط العامة للحلول الانية العاجلة وتلك التي يمكن ان تكون مخرجات لها ، وهذا يتطلب ترجمة حقيقية من قبل حكومة الدكتور حيدر العبادي حتى بوصفها حكومة تصريف اعمال بإصدار قرارات مصيرية وهو ما لا يستطيع فعله لأسباب واقعية موضوعية تتعلق بطريقة تطبيق السياسات العامة للدولة المعتمدة كليا على المحاصصة وظهور ما يعرف بآثام الحكومة العميقة واللجان الاقتصادية للأحزاب ، وبالتالي فان نصح المرجعية الدينية لن يكون اكثر من هواء في شبك الدولة ونموذجا للاستهلاك الإعلامي لا غير، ربما سيجعل المرجعية الدينية امام استحقاقات اعلى في خطب الجمع المقبلة لمواجهة غضب الشعب على مفاسد المحاصصة .
ثانيا : ما زال تحدي فرط عقد الدولة بثورة الشعب قائما وهو ما حذرت منه خطة الجمعة بوضوح شديد ، وفي الفقه يقال ان اصعب التفسيرات يكمن في توضيح الواضحات ، لذلك السيناريو الثاني يتمثل في تسريع خطوات تشكيل الحكومة المقبلة باي نموذج كان لاستباق الوقت، وترك الشعب المنتفض حائرا بين ( يأجوج ومأجوج) يبحث عن ( ذي قرنين) جديد يمنع فسادهم ، وستكون عناوين الاخبار والتحليلات قائمة على أهمية الانتظار ومنح الحكومة الجديدة المنتخبة من الشعب فرصة كافية لوضع نصائح المرجعية موضع التطبيق ، وهذا لن يحصل ، لان التشكيل المقبل لأي حكومة لن يمتلك عصا موسى (ع) لجلب الحلول حتى وان توفر لها ( زبر الحديد) فإنها لن تستطيع بنموذج ( مفاسد المحاصصة ) من صب القطران عليه بل سيكون امامها اربع سنوات أخرى ، تحصل فيها الكثير من المساجلات وأيضا الكثير من النصائح من المرجعية الدينية ومن اطراف دولية وإقليمية ، تبقى فيها الاجندات الحزبية قائمة على مصلحة من تمثلهم عقائديا او أصحاب المصلحة في تكوينها أصلا ، وهي جهات إقليمية ودولية معروفة .
ثالثا : السيناريو المغيب عن ارض الواقع في معادلة تشكيل الحكومة المقبلة ، يتجسد في التنازع الأمريكي مع مختلف القوى الإقليمية لما يعرف بصفقة القرن الثانية ، والتحول في استراتيجية تطبيق مشروع (الشرق الأوسط الكبير) وفي هذا الامر حرج لمرجعية النجف التي عرفت بمواقفها ضد الاستعمار ، وهناك مفاهيم وثوابت عند طيف الأحزاب الموالية لولاية الفقيه في قم الإيرانية ، والحاكمة في العراق ، ربما لا تستطيع حتى المرجعية الدينية ان تأتي بحلول مقبولة لكي يكون العراق خارج لعبة هذا الصراع وهو ما يمكن ان يكون اكثر لعنة على مستقبل العراق حتى من نموذج المطالبة بالحد من مفاسد المحاصصة ، بل ان مظاهرات الغد واليوم المطالبة بالماء والكهرباء تكون احد اذرع هذا الصراع وينتهي الامر الى مواقف ابسط ما يحدث فيها عودة ظهور تنظيمات القاعدة وداعش بأسماء وتشكيلات مختلفة ، والأحزاب الحاكمة باسم الانتخابات التي غاب عنها حوالي 60% من العراقيين حسب الأرقام الرسمية و80% حسب التحليلات الإعلامية ، امام استحقاق بانها تقاتل مع ايران حتى وان اصبح العراق وشعبه وقود لها !!
رابعا: السيناريو الأكثر سوءا، يتمثل في نموذج الصوملة وعودة الحرب بالنيابة الى الأرض العراقية بعد حضور امريكي مباشر ربما يفرض نوعا من الحكومة الانتقالية تحت وصاية حاكم عسكري امريكي ، والعودة الى المربع الأول عام 2003 ، وهي ربما امنية عند بعض العراقيين للتخلص من ( يأجوج ومأجوج) لكن ان يكون المنقذ أمريكيا … يمط البعض شفاهم قائلين ومن كان المنقذ من نظام صدام حسين غير الدبابة الامريكية ولله في خلقه شؤون .