القسم الأول
لا يخفى عدم إمكانية أجهزة ومؤسسات ودوائر الدولة ، على إستيعاب كافة أعداد القوى البشرية العاملة بجميع إختصاصاتها العلمية والعملية ، وجميع الأيدي العاملة بمهاراتها الحرفية الماهرة وغير الماهرة ، كما لا يجوز أن يكون ذلك الإستيعاب مرتعا خصبا للبطالة المقنعة ونموها ، على حساب إنجاز الأعمال بأقل وقت وجهد وكلفة . وعليه لا بد من وضع قواعد تأخذ بمبدأ الجدوى الإقتصادية ، عند إستحداث فرص العمل المتجددة ، المستمرة في عطائها ، الضامنة لديمومة الأعمال والأنشطة المختلفة ، بغية تشغيل الأيدي العاملة في مجالات حركة الدولة المتنامية ، بتشجيع إستثمار رأس المال الوطني والعربي والأجنبي ، ودعم القطاعات المحلية في الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري ، الساندة لتطلعات الدولة في تقديم أفضل الخدمات لمواطنيها ، وضمان موارد معيشتهم الضنكا ، من خلال تنفيذ خطط ومشاريع التنمية الشاملة والمستدامة ، بالإنفاق الرشيد للموارد والثروات الطبيعية ، ضمن إطار حسن الإعداد والتنظيم لمكونات التشكيلات الإدارية والفنية للمرافق العامة للدولة ، والإستخدام الأمثل للقوى البشرية ، في حدود الحاجة الفعلية لإنجاز المهام والواجبات ، برؤى الحاضر والمستقبل المنشود ، عند بناء التشكيلات الإدارية الخاصة ، بتنفيذ المناط بكل منها من المهام والوجبات ، وتحديد عدد القوى العاملة ومواصفاتها ، في ضوء نتائج الوحدة القياسية للأعمال الادارية والفنية ، التي تعتمد الوقت المستغرق في انجاز الأعمال ، قياسا بالجهد المبذول في كل منها ، مع اعتماد مبدأ اللامركزية الإدارية في التنفيذ ، وتشديد الرقابة والمتابعة المركزية ، الضامنة لوحدة الإجراءات في المحافظات ، وبذلك سيكون تشكيل مجلس الخدمة العامة ، لاحقا لما سبق بيانه من الإجراءات , إلا أنه لا يوفر فرص العمل كما يظن البعض ومنهم النواب ؟!، كونه تشكيل إداري ينظم توزيع الموارد البشرية على دوائر الدولة بالتعيين ، حسب الحاجة العددية والإختصاصات العلمية أو الفنية أو الحرفية ، وذلك ما ثبتناه في كتابنا الموسوم ( في قانون الخدمة المدنية – التعيين والتثبيت وإحتساب الخدمات ) (1) ، إضافة إلى ورقة البحث التي تقدمنا بها إلى المؤتمر الذي عقدته هيئـة النزاهة / دائرة التعليم والعلاقات العامة ، في أواخر شهر كانون الأول عام 2008 ، تحت شعار ( النزاهة أساس الأمن والتنمية ) ، مساهة منها في تعزيز ثقافة النزاهة ومكافحة الفساد الإداري والمالي ، الذي إجتاح دوائـر الدولة وإجراءاتها بعد الإحتلال الغاشم للعراق ، ولغرض تفعيل دور البحث العلمي في هذا المجال ، من خلال مناقشة المواضيع التي تقدم بها المشاركون في المؤتمر ، بورقة بحث أو بحث أو حضور وتعقيب ، على وفق محاور البحث المحددة للمناقشة ، حيث تقدمت بورقة بحث بعنوان ( دور مجلس الخدمة العامة في الحد من ظاهرة الفساد ) ، جاء فيها )) إن تأسيس مجلس الخدمة العامة الفدرالي بنص الدستور ، سيمنع من إلغائـه عند إنتفاء الحاجة إليـه ؟!، وهو أقل مستوى من بعض دوائر الدولة الفدرالية الإتحادية ، التي لم تتضح معالمها وتستقر أركانها ، ويخضع الدستور فيها للتعديل حسب أحكام المادة (142) منه ، لإختلاف الأسس والمباديء المعتمدة عند صياغته والقوانين الصادرة بموجبه ، والتي سيبنى عليها تنظيم دوائر الدولة ، ومنها المجلس موضوع البحث ، كما إن التعيين والترقية لا يستلزمان النص عليهما دستوريا ، لأنهما من شؤون الوظيفة العامـة التي سيتولى مجلس الخدمـة العامة تنظيمهما ، بعد أن ينظم تكوينه وإختصاصاته بقانون ، كما إن شؤون الوظيفة العامة ، تحكمها قوانين الخدمة والملاك والإنضباط والتقاعد ، والأنظمة والتعليمات اللازمة لتسهيل تنفيذ أحكامهما ، وإذا كان مجلس الخدمة العامة المؤلف بموجب قانوني الخدمة المدنية المرقمين (55) لسنة 1956 و (24) لسنة 1960 ، قد حددت واجباته بالتعيين وإعادة التعيين والترفيع حصرا ، فلأنهما أعمدة بناء الوظيفة والخدمة العامة بشكل سليم ، فالتعيين خط الشروع ونقطة الإنطلاق في ساحة العمل الوظيفي على وفق شروطه وما تجب مراعاته ، والترفيع جزاء مادي ومعنوي عن جهد وأداء متميز خلال مدة محددة في خدمة مكتملة الشروط ، وعلى وفق ضوابطها يكون نيل راتب الدرجة أو الوظيفة الأعلى ، وليس رهينة عنوان وظيفي فقد هيبته ومعناه بحكم ما جاء به الأمر رقم (30) لسنة 2003 وآليات تنفيذه المختلف في تطبيقها ، لضعف كفاءة وخبرة الموظفين التنفيذيين ، وإستمرار العمل بمفاهيم وآليات خاطئة شوهت كل مقومات وعناصر الوظيفة العامة ، الضامنة لحق الموظف والدولة على حد سواء ، من غير إفراط أو تفريط .
إن المتفحص لما تضمنته القوانين والأنظمة والتعليمات ذات الصلة سابقا ، يجد فيها ما يمنع أو يحد من إنتشار ظواهر الفساد الإداري والمالي ، لصلة أحكامها بالإجراءات التنفيذية المتخذة من قبل مجلس الخدمة العامة أو الوزارات ، في ظل مركزية التخطيط والتنفيذ ، إلا إن خرق تلك القواعد والتجاوز عليها من قبل شاغلي مواقع المسؤولية والقرار قبل غيرهم ، أو بتعديل تلك القوانين بما يتفق والتوجهات السياسية التي لا تتصف بالمهنية المحترفة في معظم الأحيان ، وتوجه الدولة إلى اللامركزية في التنفيذ ، أدى إلى سلب دور مجلس الخدمة العامة تدريجيا ، حيث قرارات تعيين العاطلين عام 1974 ، وتخويل الوزراء والمحافظين صلاحية التعيين في بعض الوظائف ، وظهور نتائج التنمية الوظيفية ، ومن ثم التعيين المركزي للخريجين عام 1978 ، وما رافق ذلك من ترهل الهياكل التنظيمية لدوائر الدولة ، مع إتساع حركة إستحداث مؤسسات وهيئات وأجهزة حكومية ، بقواعد خدمة متعددة ومختلفة ، لتستوعب أعداد الموظفين المعينين والفائضين ، بحيث أضحت المصادقة على قرارات الترفيع شكلية ، ولا ترقى إلى مستوى التدقيق الصحيح للإجراءات المتفقة ونصوص القوانين ومنح الإستحقاقات ، وليمسي المجلس عقبة في طريق الإنجاز ، مستدعيا قرار إلغائه عام 1979 ، وما كان البديل مناسبا لولا المتابعة بالرقابة وبالتفتيش الإداري الميداني من قبل مراكز الوزارات .
إن عدم إمكانية النهوض بأعباء الإصلاح والتنمية الشاملة ، يكمـن في إنحسار دور الدولة في وظيفة ضمان حفظ الأمن والنظام بالقوة العسكريـة والأمنية ، وترك مسؤولية دوائر الدولة ومؤسساتها ، بيد من لا يفقه أساليب إدارتها ولا يعرف تفاصيل أعمالها ، وإن ورقة بحثنا تستند إلى محاولة المساهمة في إصلاح واقع حال الوظيفة المتردي ، من خلال الإعتماد على صفوة من الموظفين ، المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والنزاهة المتميزة ، بحثا وتطبيقا في شؤون الخدمة المدنية وإجراءاتها الإدارية ، لإمتلاكهم من وسائل وأساليب تطوير العمل الوظيفي ، ما يجسد مهمة محاربة الفساد الإداري والمالي أو الحد من إنتشاره ، مقترحا التوصيات المستخلصة من التجربة العملية والفعلية لتفاصيل الموضوع وكما يأتي:-
1- إلغاء المادة (107) عند تعديل الدستور أو تبديله .
2- الإستناد إلى المادة (108) من الدستور ، لضمان جواز تشكيله أو حله حسب الحاجة ، أو إلغاء القرار (996) في 2/8/1979 وإعادة العمل بموجب أحكام الفصل الخامس من قانون الخدمة المدنية ، بعد تعديله بما يتناسب والمهام والواجبات الجديدة ، ودمج الدوائر ذات الإختصاص المتماثل ، وتحديد إرتباطه بمجلس الوزراء ، لضرورات التنسيق بين دوائر الدولة التنفيذية ، وضمان مساهمته في إعداد التشريعات القانونية والإدارية الخاصة بشؤون الخدمة والوظيفة العامة .
3- إصدار قانون للخدمة المدنية ، تواكب نصوصه مستجدات ومتغيرات الظروف ، وتلبي حاجاتها ومتطلباتها الوظيفية ، مع إعتماد مبدأ فصل الترقية عن الترفيع .
4- أ- أن يضطلع المجلس بمهام الرقابة والتفتيش الإداري الميداني ، وتوصيف الوظائف ، وتحديد أعداد الموظفين ، وتنظيمهم الإداري ، وتدريبهم ، وإختبار المرشحين للتثبيت في الوظيفة ، والمرشحين لاشغال وظائف الدرجات (1 و 2 و 3 ) فقط ، لإنتقاء المؤهلين منهم مهنيا من حيث الكفاءة والخبرة الوظيفية والجدارة الإدارية المتميزة ، لإدارة تشكيلات الدوائر التنظيمية .
ب- إصدار التعليمات اللازمة لتسهيل تنفيذ القوانين والأنظمة الخاصة بشؤون الخدمة المدنية ، وتبسيط الإجراءات الإدارية اللازمة لتنفيذها بأقل جهد ووقت وكلفة مطلوبة .
إن الفشل سيكون حليف مجلس الخدمة العامة الفدرالي ، إذا ما عهدت مسؤولية تكويناته وإناطة أعماله بمن لا يمتلك الخبرة العملية التطبيقية الفعلية لإدارته أولا ، والتوسع في تحديد مهامه وواجباته إلى الحد الذي لا يتمكن فيه من الوفاء بإلتزاماته وإنجاز واجباته ثانيا ، سيما وأنه لا يمتلك الكادر الوظيفي الكفوء للنهوض بمسؤولياته الكبيرة ، مع وجود الكم المتراكم من الأخطاء والتجاوزات التنفيذية النوعية لقوانين الخدمة المدنية ثالثا ، وخاصة فيما يتعلق بما سمي بتسكين الرواتب وفقا لأحكام الأمر رقم (30) لسنة 2003 ، وما تبعه من إجراءات مخالفة لواقع الإستحقاقات الوظيفية أصلا )) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكتاب مودع لدى دار الكتب والوثائق ببغداد بالرقم (635) لسنة 2010 .