قيل أن البركة جندي خفي من جنود الباريء عز وجل يرسلها لمَنْ يشاء فإن حلت في المال كثّرته وفي الولد أصلحته وفي الجسم قوّته وفي القلب أسعدته فإن قمة هذه البركة قول الرحمن الرحيم : “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” فكيف يتعامل رب الأسرة هذه الأيام مع تلك الأية الكريمة؟ وما نتائجها المستقبلية على الجو الأسري العام؟ وما الذي يقوي العلاقة بين الخالق والمخلوق؟ قضية المنظومة الأخلاقي للمجتمع أمر خطير للغاية، وتبعاتها أخطر على الإنسان.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): (بيت الغناء لا تُؤمن فيه الفجيعة، ولا تُجاب فيه الدعوة، ولا تدخله الملائكة)،بيت يسمع فيه غناء الشياطين، الذي يرتع عند مّنْ على قلوب أقفالها، وإلا كيف يجمع المرء، بين صوت القرآن وصوت الغناء الفاحش؟ ثم أن الطرب إحدى الكبائر، فلا فرق بين غناء حزين أو غناء خفيف، وهذا الأمر شائع أكثر من قبل، فيستقيظ صباحاً ليسمع الأغاني، وصباح الجمعة يسمع القرآن، إن هذا لشيء عجاب! والملفت للأمر أنهم للحق كارهون.
الفرق كبير جداً بين بيت يسمع فيه الغناء، وبيت يتلى فيه القرآن، فنشأة الأبناء تختلف كثيراً، ففي البيت الأول تشيع المنكرات، والفجائع، والقبائح بكل أشكالها، وترفع الرحمة والبركة، وتمتنع الملائكة عن الدخول فيه، لأنها بيوت للشياطين، وهي بيوت هشة وهنة، تتساقط فيها الوجوه والشخوص، وترحل دونما أثر طيب، أما البيت الثاني فيترك الرياحين، والأنوار، والخيرات، والبركات المادية والمعنوية، فيعلو شأناً وتحضر الملائكة، لتكتب فضائله ومناقبه، ومرجعية النجف الأشرف بخطب الجمعة، ركزت على هذا الجانب الخطير.
عالم اليوم يعيش كقرية صغيرة، والمغريات الثقافية كثيرة، والإنحراف بات طريقاً سهلاً أكثر، بسبب تنوع وسائل التواصل الإجتماعي، وجنون الفضائيات، وفوضى الإعلام المغرض، الذي يستهدف الأسرة بكل فئاتها ومكوناتها، والحط من قيمتها لبناء مجتمع هزيل مفكك، فترى هذه القنوات تدفع بإتجاه تفضيل الشاب لسماع أغنية ماجنة، على تلاوة القرآن الكريم لتهدأ جوارحه، وهي بذلك قد حققت هدفها الشيطاني الأول، صوب الفحشاء والمنكر، لأن السماعون للغناء تراهم يعيشون على غير طبيعتهم، فهم في وادٍ وأسرهم بوادٍ آخر.
رسالتنا يجب أن تبدأ من بيوتنا، وفي بيوتنا التي من المفترض أن يعيش أفرادها بتكامل، حيث يكون رب الأسرة أول السائرين على نهج القرآن الكريم، لا أن يكون آمراً بالصلاة وهو لا يصلي، والذي يقوي العلاقة بين الخالق والمخلوق، هو مقدار طاعته التي تتكامل مع بعضها قولاً وفعلاً، فالنتائج المترتبة على ديمومة تلاوة القرآن، وتدبره وتحويله لمنهج عمل، ذلك أفضل ما يفعله المرء، في الطريق الى الجنة، فالفرد اليوم بحاجة الى تنمية الوازع الديني وبشدة.
دعوة صادقة الى جميع الأسر الكريمة، إقطعوا حبائل الشيطان وكيده وردوه في نحره، فلا نريد أن يبقى من الإسلام فقط إسمه، ولا من القرآن رسمه، بل يراد لهذه الأمة، لتكون أمة وسطاً تأمر بالمعروف، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، فما يزيد قوة البيت، بناء ليس من الحجارة فحسب، بل وجود عامل الطهارة، لأنها تنتج أمة خير ورحمة، يستوجب لها قبول الدعوة وحضور الملائكة، وعليه وجب محاربة أئمة الضلال، وقادة الضياع الفكري، والإنحراف السلوكي المقصود لتدمير الأجيال.
إن إشارة المرجعية الدينية العليا في كربلاء المقدسة، بخطبة الجمعة بتاريخ: (21شوال 1439 للهجرة الموافق ( 6/7/2018) لهو دليل خطير، على أن المجتمع العراقي بات في خطر محدق أكثر من السابق، فمع دخول مفاهيم الحرية والديمقراطية بجرعات مفرطة للمجتمع، جعلته في حالة غليان وهيجان كبيرين، دون أن يشعر أفراده بأن لا مصيبة كإستهانتهم بالذنب، ورضاهم بالحالة التي هم عليها، إذن هي إلتفاتة خطيرة، تحتاج الى علاج سريع فعال وإستئصال مسبباته قدر الإمكان وعلى وجه السرعة.