24 نوفمبر، 2024 1:59 م
Search
Close this search box.

عبد الوهاب البياتي.. من رواد الشعر الحر الذي أصبح عالميا

عبد الوهاب البياتي.. من رواد الشعر الحر الذي أصبح عالميا

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“عبد الوهّاب البياتي” شاعر عراقي ويعد واحدا من أربعة أسهموا في تأسيس مدرسة الشعر العربي الجديد في العراق (رواد الشعر الحر) وهم على التوالي “نازك الملائكة” و”بدر شاكر السياب” و”شاذل طاقة”.

حياته..

ولد “عبد الوهّاب البياتي”  في بغداد سنة 1926، تخرج بشهادة اللغة العربية وآدابها 1950، واشتغل مدرسا من عام 1950- 1953. مارس الصحافة عام 1954 في مجلة الثقافة الجديدة لكنها أغلقت، وفصل عن وظيفته، واعتقل بسبب مواقفه الوطنية. فسافر إلى الكويت ثم البحرين ثم القاهرة. وزار الاتحاد السوفييتي ما بين عامي 1959 و1964، واشتغل أستاذاً في جامعة موسكو، ثم باحثاً علمياً في معهد شعوب آسيا، وزار معظم أقطار أوروبا الشرقية والغربية. وفي سنة 1963أسقطت عنه الجنسية العراقية، ورجع إلى القاهرة 1964 وأقام فيها إلى عام 1970.

وفي الفترة (1980-1989) أقام “عبد الوهّاب البياتي”  في إسبانيا, وهذه الفترة يمكن تسميتها المرحلة الأسبانية في شعره, صار وكأنه أحد الأدباء الأسبان البارزين, إذ أصبح معروفا على مستوى رسمي وشعبي واسع, وترجمت دواوينه إلى الإسبانية. وقد جمع حوله كتابًا ومثقفين عربًا وأسبان ومن أميركا اللاتينية خلال تلك السنوات التي لاذ خلالها بشبه صمت شعري كان العامل الأول فيها الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988، إذ لم يكن يشارك الرأي في ضرورة قيام تلك الحرب التي أضعفت البلدين.

وربطته علاقة صداقة مع عدد كبير من مثقفي إسبانيا خلال إقامته في مدريد، ومن أبرزهم الشاعر “رفائيل ألبرتي”، “فدريكو غارثيا لوركا” وعضو جيل الـ 27 الشعري، وقد خصه بإحدى قصائده، والقاص والشاعر “أنطونيو غالا”.

في سنة 1991 توجه “عبد الوهّاب البياتي” إلى الأردن ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبيل حرب الخليج الثانية بسبب وفاة ابنته “ناديه” التي تسكن في كاليفورنيا، حيث أقام فيه 3 أشهر أو أكثر، بعدها توجه للسكن في عمان الأردن، ثم غادرها إلى دمشق وأقام فيها حتى وفاته عام 1999.

مراحل شعره..

يقسم “عبد الوهاب البياتي” المرحلة الأولى من حياته الشعرية إلى ثلاثة أقسام:

1ـ الثوري اللامنتمي في «أباريق مهشمة»، وهو يحفل بنماذج مثل «الجواب» و«المتمرد» و«سيزيف» و«مسافر بلا حقائب».

2ـ الثوري المنتمي في دواوين «المجد للأطفال والزيتون» (1956) و«أشعار في المنفى» (1957) و«عشرون قصيدة من برلين» (1959) و«كلمات لا تموت» (1960)، إضافة إلى ديواني «عيون الكلاب الميتة» (1969) و«يوميات سياسي محترف» (1970)، لأن قصائدهما تتعلق بتاريخ المرحلة الأولى. وهي أشعار تنتمي إلى تيار الواقعية الاشتراكية. وفي هاتين المرحلتين توجهت القصائد توجها لاشعورياً إلى صياغة نموذج بدئي هو الشاعرـ الفارس ـ القتيل ـ العائد.

3ـ المتصوف الثائر: وفيها خرج من مرحلة القناع التي سيطر عليها الحلاج والمعري في التصوف العقلي، ودخل في مرحلة وحدة الوجود التي طبعها ابن عربي بطابعه ومفرداته، حيث نجد توتراً بيناً بين الظاهر والباطن في التصوف القلبي. كذلك فإن الرحيل إلى مدن البحر قام بديلاً من الانتظار ومعاناته في المرحلة السابقة. الدواوين التي تنضوي تحت هذه المرحلة: «قصائد حب على بوابات العالم السبع» (1972)، و«كتاب البحر» (1973)، و«سيرة ذاتية لسارق النار» (1975)، و«قمر شيراز» (1976)، و«صوت السنوات الضوئية» (1979)، و«مملكة السنبلة» (1979- 1985)، و«حب تحت المطر».

أما المرحلة الثانية من حياته الشعرية فهي مرحلة الصوفي العاشق، وهي مرحلة الفناء. فقد توفيت نادية ابنته الكبرى، وتهدم العراق وطنه، وألفى نفسه وحيداً بلا أمل ولا مال ولا أهل. فألقى الشاعر بنفسه في الجريان حيث تسيل الحياة إلى غير غاية، ويلتقي فيها الموت والعشق والانتظار والتطلع الدائم إلى تحرر الإنسان وإقامة مدينة الله على الأرض دواوين هذه المرحلة «بستان عائشة» (1989)، و«كتاب المراثي» (1995)، و«البحر أسمعه يتنهد» (1998)، و«بكائية إلى حافظ الشيرازي»، و«تحولات عائشة» (1999).

ترجمت قصائد “عبد الوهاب البياتي” إلى معظم لغات العالم، وخاصة الإسبانية التي ترجم إليها ثمانية من دواوينه، كما ترجمت إلى اليونانية والإنكليزية والألمانية والفرنسية وغيرها.

شاعر عالمي..

يقول عنه الكاتب “كريم مروَّة” في مقاله له: ” عبد الوهاب البياتى شاعر كبير. تجاوز في شهرته كشاعر وطنه العراق إلى أرجاء العالم العربي كافة. وانتقل منها إلى العالم. وصار في فترة زمنية قصيرة شاعراً عالمياً.. وكان هو أول من أعلن للملأ بلوغه مستوى العالمية عبر كتاباته وفى رسائله إلى أصدقائه، وذلك في نرجسية مفرطة صارت، مع الزمن، سمة أساسية من سمات شخصيته. لكننا نظلم البياتى إذا لم نشر إلى أن عالميته كشاعر كانت قد دخلت حيز التحقق باعتراف كبار معاصريه من شعراء القرن العشرين، الذين كتبوا في تقدير شعره ما لا يحتمل الشك أو الجدل. وأقتطف، هنا، بضع كلمات قالها في البياتى صديقه الشاعر الكبير “ناظم حكمت”: عندما نتذكَّر القصائد الجيدة، تخطر عادة في مخيلتك أبيات الشعراء الكلاسيكيين لمختلف الشعوب ومختلف العصور. أما الآن فإني لا أعنى هذه القصائد، وإنما أعنى قصائد شعراء عصرنا. مما يبعث على السرور أن تفتح ديوان شاعر شاب جديد معاصر وتتعرَّف بأشعاره، خاصة إذا كانت نظرته إلى الحقيقة تتفق ونظرتك. إني أريد التحدث عن الفن الرائع عند واحد من معاصري، وأعنى به عبد الوهاب البياتى الشاعر العراقي. لقد تعرفت إلى أشعار هذا الشاعر عن طريق اللغة الروسية. لقد أحببت كل الحب في أشعار البياتى متانة الحبكة والتآلف بين مختلف المعاني والمواضيع «الذاتية» مع المواضيع الوطنية والإنسانية العامة. وإني لأحب في هذا الشاعر عفويته وبساطته وصراحته وقابليته المدهشة على تركيز المعاني وبلورتها في قصائده”.

فرض الحصار..

في حوار مع “عبد الوهاب البياتي” أجراه معه “نور الدين بالطيب” يقول عن طفولته وقد تجاوز الستين: “طفولتي هي الوحيدة الباقية لأني نسيت بغداد سنة 1958 إذ تحولت إلى فندق كبير من الدرجة الثالثة، أقيمت بالقرب منه مدن من الصفيح تجمع فيها الفقراء من كل حدب وصوب، وخاصة من محافظة العمارة والناصرية وأنا هنا استشهد بصديقي عبد الرحمان مجيد الربيعي الذي يعرف هذه المأساة. أي أن الهاجس الذي عبّرت عنه في قصيدتي «من مذكرات رجل مجنون» كان قد تحقق بعد 1958 فلقد تركت المزارع والحقول والقرى، وهب أكثر أبنائها إلى السكنى في بغداد كأجراء وعمال هامشيين أو ما يسمون بلغة السياسة البروليتاريا الرثة، ولهذا فإنني عندما عدت للوطن بعد تغيير 1958 شعرت أن ما يسمى بالثورة ستصاب في مقتلها، أي أن الكمين الاحتياطي الذي كان ينصب للتأمين في العراق كان قد أعد، خرجت للتجول في شوارع بغداد بعد عودتي رأيت وجوها وأناسا كان ينبغي لهم أن يظلوا في قراهم ومدنهم البعيدة ليظلوا حراسا للوطن، تغيير 1958 كان تجريدا للوطن من حراسه الأمناء الذين كان من الممكن أن يتمردوا ويرفضوا ويقولوا لا. وإذا كانت المجاعة المفروضة على العراق الآن قد بدأت سنة 1995 فإن هذا الحصار فرض منذ 1958 لكننا كنا سذجا. لأن هناك مؤامرة ضد العالم العربي اشترك فيها بعض أبنائه ثم نحروا تاريخ أمة كاملة”.

وعن الحداثة الشعرية التي كان من روّادها وأين وصلت يقول: “الحداثة تصنع نفسها… ليست نظرية أو ادعاء من يقول أنا ملك الجنون وهو سمسار ومحتال لا علاقة له بأي شيء لقد روّجت أكاذيب لأبناء الأقليات العرقية ومن يناصرونهم بالرغم من أن الأمة العربية تحتضن وتتسع أي أن هناك انشقاقا في حصن طراودة منذ عصر المغول ولا أقول العصر الصليبي إن هؤلاء الذين نراهم ليسوا أبناء العصر إنهم أحفاد المغول أي أنهم لا ينتمون إلى أي عرق إنساني حقيقي، إن الهجوم على العروبة والإسلام من قبلهم يبلغ حد الخرافة “.

الأمل الوجودي..

وعن رؤيته للمستقبل العربي يؤكد “عبد الوهاب البياتي”: “أنا أتوقع انهيارا أوروبيا وأمريكيا، هما مقبلتان على انهيار لن يتعدى 20 عاما من بطالة ودعارة ومخدرات وأعتقد أن القدر سينقذ الفقراء من هذه المحنة.. إنني ضد التفاؤل الشعري والتاريخي، ولكنني مع الأمل الوجودي، أي أن البشر كانوا يصنعون المعجزات في كل الهزائم. الأمة العربية منيت بهزائم ولكنها ستنهض وسيكون مصير بعض الشعراء مثل مصير “مهيار الديلمي” الذي مدح أعداء لغته التي يكتب بها وكان هو الظاهرة الوحيدة في الشعر العربي”.

القصيدة رهن التجربة..

وفي حوار ثان أجراه معه “د.علي حداد”  يقول “عبد الوهاب البياتي” عن الإيقاع في قصائده الأخيرة: “السبب أنني أضع مفاتيح للقصيدة سواء كانت عمودية أو قصيدة تفعيلة، لا أترك القصيدة هكذا سائبة. المهم (التقنية) هناك شعر بدون (تقنية) تقرأوه فلا تدري ماذا يريد الشاعر أن يقول، أنا عندي (تقفية) مركزة جداً، من بداية الكلمة في القصيدة وإلى أن تنتهي. فلابد من أوتاد، ومن وضع علامات، لكي أحصر التجربة ولا أخرج عنها. وبذلك تكون تقنية القصيدة خاصة بي تماماً. أتذكر أول قصيدة كتبتها في هذه المرحلة (شهوة الحياة) ونشرتها في جريدة (الحياة) لم أكتبها بصيغة (صدر وعجز) الكثير من قراء شعري أعجبوا بها جداً، حتى الذين يكتبون نثراً. واعتقدوا أنها قصيدة تفعيلة، وهي قصيدة عمودية محكمة جداً. وعندما مات الشاعر (بلند الحيدري) أردت أن لا أكتب القصيدة إزاء موت معين إذ لابد من الكلام عن الموت (المطلق)، وهو ما لا تسمح به الأشكال الشعرية الأخرى مثلما تكون الحال في الشعر العمودي. أنا اعتقد أن الشعر العمودي ليس هو المنتهى وليس هو البداية، ولكنه ليس خارج الكتابة الشعرية أبدا.. ربما بعد ألف سنة- لو عشت- قد أكتب قصيدة عمودية أيضا لأن طبيعة التجربة تفرض علي هذا الأسلوب. وهكذا أنا في قصائدي الأخرى بجانب قصيدتي عن (بلند) و(الجواهري) وقصيدتي عن (محمد شمسي) لقد كتبت بلغة لا تنتمي إلى العصور القديمة ولا الحديثة، بلغة العصور- أي- اللغة العربية المصفاة.. وقد تجد (صورة امرئ القيس) وهو يتحدث عن الليل الذي أرخى سدوله. ولكن الصورة المستخدمة كانت جديدة بحيث أن الذي لا يعرف امرؤ القيس يتصور أنه يقرأ شيئاً مختلفاً تماماً، وليست هناك حالة إلى امرئ القيس على الإطلاق”.

وعن موقفه من قصيدة النثر يوضح: “حتى لا أثير خلافات أو ما شابه اعتقد أن الإبداع هو الأصل. ما قرأته حتى الآن فيما تسمى (قصيدة النثر) الإبداع فيه قليل جداً. لنرجع إلى (جبران) و(ابن عربي) و(أبي حيان التوحيدي) والمعري في نثره، سنجد أنهم كانوا عظماء وكتبوا نثرا عظيماً. أنا لست ضد أي شكل من أشكال التعبير الأدبي، ولكني أطالب بالإبداع الحقيقي. هناك شعر عمودي سقيم، وشعر تفعيلة سقيم، وكذلك قصيدة نثرية سقيمة.

وعن سؤال كيف تفسر انشداد القراء والمثقفين والباحثين إلى تجربة رواد الشعر الحر وجيلهم أكثر من الأجيال اللاحقة؟ يجيب “عبد الوهاب البياتي”: “هناك فروق كثيرة بين من نسميهم (الرواد) لكن القراء انتصروا لحركة الشعر الجديد من دون تمييز. إن الشعر في كل العصور يحتاج إلى ذلك القارئ أو (المتلقي) الذي يتمتع بطاقة روحية أو جهاز التقاط مثل (الشاعر) المبدع. وبدون ذلك فكأنه يقرأ حروفاً وكلمات، هذه هي المسألة والقضية التي يواجهها الشعر الجيد أحيانا. تجد المتنبي في عصره وكذلك المعري وسواهم قد جوبهوا بنقاد ضعاف لم يفهموا تجربتهم أو أنهم فهموها بحدود ضيقة أو بحسب النقد الدارج، أي التقليدي في عصرهم.. برأيي الشعر الرائج جداً في المجتمع سياسياً أو اجتماعياً أو ما شابه، لأن الذين يقرأونه لا يقرأونه على أنه شعر بل على أنه يدخلهم إلى مناطق محركة بالنسبة بهم كقراء”.

النقد عمل إبداعي..

وعن النقد الحديث وهل أنصفه يقول: “بالنسبة لي فالنقد عمل إبداعي وفكري وثقافي، الناقد يقترب من الشاعر، ويتحاور معه أو يحاور جانباً من الشاعر أو من مشكلة الشعر. هناك مفاهيم للنقد بعضها ذاتي كما نشاهد مثلا أن ناقداً ما يكتب عن شاعر ما وكأنه وحيد زمانه، وقد يكون هناك من هو أفضل منه. هناك نقد (انطباعي) وهناك نقد تدخل فيه العلوم الإنسانية المختلفة ويعتمد عليها. وهنا نقد (المدارس الحديثة). أنا شخصيا أقرأ ما يكتب عني وأتقبله باعتباره يدل على محبة، ولا استطيع أن أحكم عليه. وإنما (على قدر أهل العزم تأتي العزائم). ولا يمكن أن احمل أي ناقد أكثر من طاقته أو ثقافته. وأنا استفيد من النقد، فبعض النقاد يضيئون جوانب من شعري، موجودة لكني لم أفكر فيها كمبدع. هناك نقد قد يكون ايجابياً، ولكن يشتط في البعد بما يقول. وهناك نقد يأتي على شكل عموميات يمكن أن تقال عن أي شعر أو أي شاعر. إذن هناك تنوع في الاتجاهات النقدية أنا احترمه. لست ضد الاتجاهات الحديثة، وإن كانت هناك مبالغة فيها”.

وفاته..

توفى “عبد الوهاب البياتي” في 1999

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة