7 أبريل، 2024 12:56 ص
Search
Close this search box.

رواية تحت الشبكة.. رحلة كاتب لفهم نفسه وفهم الحياة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “تحت الشبكة” للكاتبة البريطانية “إيريس مردوخ” كانت أول رواية لها، ونشرت في 1954 ، وتدور حول رحلة كاتب لاكتشاف معاني كثيرة في حياته، حيث يغلب عليها الطابع الفلسفي واكتشاف قيم أخلاقية.

الشخصيات..

جيمس دوناجيو: هو البطل، كاتب كسول لا يحب أن يعمل، يقوم بعمل ترجمات لكاتب فرنسي شهير عوضا عن تركيزه في كتابات أدبية خاصة به، ولا يهتم بإيجاد وظيفة ثابتة له مما يجعله دوما في عوز إلى المال، يعيش مع امرأة في بيتها دون دفع الإيجار، ولا يهتم سوى بنفسه لكنه في الرواية سوف يتحول وتحدث تغييرات كثيرة في شخصيته وسلوكه، يناديه أصحابه ب”جيك”.

فين: شاب أيرلندي، وهو رفيق البطل، يعيش معه تلك الحياة الصعبة، ويكون بمثابة تابع له، لكنه في النهاية يقرر العودة إلى بلده والاستقرار فيها.

ديفيد: صديق آخر للبطل، يهتم بالفلسفة ويعيش حياة مستقرة نسبيا، ويعيش معه البطل أحيانا حين لا يجد مأوى، ويساعده في الأزمات التي تحدث له.

مجدالين: فتاة جميلة كان يعيش معها البطل وطردته بعد أن استولت على إحدى المخطوطات، التي ترجم فيها رواية لكاتب فرنسي شهير يدعى “جان بيير”، لتتزوج من رجل ثري، ثم بعد أن يتركها لأجل امرأة أخرى تحاول العودة ل”جيك” وتعرض عليه وظيفة تدر عليه دخلا كبيرا لكنه يرفض.

السيدة تينكهام: سيدة بريطانية تفتح محلا لبيع الكتب والصحف، صديقة للجميع، وكاتمة أسرارهم، تسمعهم باهتمام ومحبة كأم، يلجأ إليها “جيك” دوما لترك أشياءه الهامة لديها حين يتعثر وجود منزل له.

هوجو بلفاندر: صديق ل”جيك”، رجل مختلف له أفكار متميزة أبهرت “جيك” منذ بداية صداقتهم، حتى أنه ألف كتابا تضمن محاوراتهما معا، وأحس بالذنب لأنه سرق أفكار “هوجو” فاختفى من حياته وتركه تماما، لكنه بعد ذلك يكتشف أن “هوجو” حين قرأ الكتاب لم يعتبر ما فعله “جيك” سرقه، وإنما تنقيح لبعض محاوراتهما ولم يأخذ منه موقف، و”هوجو” شاب غني يعمل في أكثر من عمل يدر عليه ربحا كثيرا، صناعة الألعاب النارية وصناعة السينما، لكنه يترك الأعمال باستمرار لأنه لا يحب الثراء ويكره العمل الخاص، ويريد فقط أن يعمل بيديه، ويتخلى عن أمواله لأصدقائه ويرحل ليعمل صانع ساعات في نهاية الرواية.

آنا كونتين: فتاة أحبها “جيك”، تعمل مغنية، لكنها لم تحبه وكانت تفضل أن تحتفظ بأكثر من عاشق لها في نفس الوقت، ورغم ذلك ظل “جيك” يحبها طويلا حتى بعد أن تركها سنوات عدة، حيث عاد للبحث عنها، ثم يكتشف في النهاية أنها لم تحبه وإنما أحبت صديقه “هوجو” بجنون، وظلت تلاحقه وهو يهرب منها.

سادي: أخت “آنا”، وهي ممثلة سينمائية شهيرة أحبت “جيك” لكنه لم يكن يعلم ذلك إلا في النهاية، وأحبها “هوجو” بجنون، لكنها في كل الأحوال كانت تفضل المال والشهرة على كل شيء، ودبرت مع رجل آخر يدعى “سامي” خدعة لسرقة مخطوطة “جيك” وبيعها لسينمائي أمريكي شهير.

سامي: رجل ثري لا يعبأ إلا بكسب المال، أغوى “مجدالين” في البداية وأخذ منها مخطوطة “جيك” ثم تركها ليرتبط ب”سادي” ويرتبان مكيدة لبيع مخطوطة “جيك”، لكنه يفشل في النهاية، حيث تلجأ “مجدالين” لرجل ثري يشتري كل أعمال “جان بيير” ليحولها إلى أفلام سينمائية..

ليفتي: شاب يساري ينتمي لجماعة اشتراكية، يسعى دوما لنشر أفكاره وسط تجمعات من الناس، ويتعرض لملاحقات الشرطة لكنه مبدئي، يتعرف على “جيك” وتنشأ بينهما صداقة، كما يصبح صديقا ل”هوجو” الذي يتبرع له ببعض أمواله.

الراوي..

الراوي هو البطل “جيك” الذي يحكي عن نفسه وأفكاره، وفهمه لما يدور من حوله، ويحكي عن الأحداث التي تتصاعد من وجهة نظره هو، ومن خلال تأثيرها عليه.

السرد..

يتميز السرد بثراء، حيث تهتم الكاتبة بكل شيء، بوصف الأماكن بالتفصيل، ووصف ملامح الشخصيات ودواخلهم أيضا وسلوكهم وأفكارهم على لسان الراوي، ووصف إحساس البطل بدقة، اعتمادا على أفكاره التي تتحول وتتغير دوما نتيجة لفهم ما يدور من حوله، فتشعر أنك تشاهد البطل يتحرك أمامك، الرواية تقع في 360 صفحة من القطع المتوسط، تعتمد على بعض التشويق لكنها بالأساس تعتمد على أفكار ومبادئ أخلاقية يتمسك بها البطل كثيرا، وقد يتخلى عنها في بعض الأحيان، لكنه في المجمل يتصرف كرجل له مبادئ وأفكار سامية.

عالم الثراء والسعي وراء المال..

رغم أن الكاتب كسول ولا يحب أن يعمل ولا يهتم بالثراء والبحث المضني عن المال، إلا أن حوله بعض الناس ممن يفعلون ذلك، مثل “سادي” التي تصبح نجمة سينمائية مشهورة، ولا تهتم إلا بمزيد من الثراء والشهرة، وكذلك “مجدالين” التي تستغل دوما جمالها لتصبح مشهورة هي أيضا، وتحاول التعرف على الرجال الأثرياء لكي يساعدوها في ذلك، وليس لديها أية موانع أخلاقية في ذلك، بل تطلب من “جيك” أن يبقى بجانبها لأنها تحبه، عارضة عليه وظيفة كاتب سيناريو بمرتب شهري كبير، رغم أنها تصاحب رجلا عجوزا ثريا يعدها بأن يفتح شركة للإنتاج السينمائي لأجلها، كذلك “آنا” التي تبدو أقل جشعا من “سادي” و”مجدالين” لكنها رغم ذلك تبحث عن الشهرة، فقد تحولت من مغنية تغني أغاني شعبية في بريطانيا إلى مغنية شهيرة في فرنسا، تذاع أغانيها في الإذاعة، وقيل أنها ستسافر إلى هوليوود لتصبح ممثلة هناك.

و”سامي” الذي يكسب المال بسهولة كبيرة نتيجة المضاربات في سباق الخيل، وطرق أخرى في حين أن “جيك” يجهد في عمل ترجمات حتى يحصل على قروش قليلة، ورغم كل هؤلاء الناس من حول “جيك” نجده لا يعبأ بالمال كثيرا، فهو يعيش حياة حرة، يعيش هنا وهناك، يهتم بالأفكار الفلسفية السامية والمميزة، لذا حين تعرف على “هوجو” انبهر به وخشي أن يتحول لتابع له لأن شخصية “هوجو” تبتلع شخصيته، وحين أحب ظل وفيا لحبه ل”آنا”، رغم أنه هجرها منذ سنوات، أو بالأحرى هي التي هجرته، حين لم تهتم بحبه لها، وأشعرته بوجود آخرين في حياتها، لكنه عاد ليبحث عنها بشغف شديد، ولم يجدها طوال الرواية سوى مرة واحدة، وفقد شغفه بها حين اكتشف أنها تحب “هوجو” بجنون.

وتحول “جيك” بعد عدة مغامرات، واختار أن يعمل في وظيفة ثابتة ممرض في إحدى المستشفيات، ورغم أنها مهنة سيئة بالنسبة لكاتب مثقف إلا أنه واظب فيها وجاهد ليحتفظ بها، إلى أن وجد “هوجو” بالصدفة في المستشفى وساعده على الهروب منها، لكنه عاد وعمل بنفس الوظيفة مرة أخرى.

وهناك شخصيات أخرى مثل “ليفتي” الاشتراكي المبدئي، و”هوجو” الذي يرفض أمواله وثرائه، و”ديفيد” الذي يهتم بالفلسفة، و”فين” كل هؤلاء لا يهتمون بالمال وإنما يعيشون حياتهم وفق مبادئهم وأفكارهم الخاصة.

بريطانيا في الخمسينات..

ميزة الرواية أيضا أنها تنقل أجواء بريطانيا في الخمسينات، وتحديدا لندن التي تدور فيها معظم أحداث الرواية، حيث يشعر القارئ أنه يتجول مع البطل في شوارع لندن في الخمسينات، وحانتها وبيوت بعض الشخصيات، مع الوصف الدقيق لكل شيء وكأنه وصف سينمائي، بريطانيا التي كانت سيدة العالم وكانت في طريقها للأفول، وصعود نجم أمريكا والذي تمثل في الرواية في صعود نجم هوليود، وسعي بعض الشخصيات إلى السفر إلى هناك للحصول على الشهرة والثراء.

في بعض الأحيان نجد وصف لبيوت الأثرياء، الذين يستعينون بمنتجات المستعمرات التي تحكمها بريطانيا، ستائر دمشقية، وسجاجيد أفغانية.. إلخ، ووكل مظاهر البذخ الذي يمثل بريطانيا، تلك الدولة الرأسمالية التي نهبت خيرات الدول الأخرى، كما يعرض البطل لأفكار “ليفتي” حول الاشتراكية الانجليزية في ذلك الوقت، في محاولة منه لإقناع “جيك” بها والذي نكتشف أنه انتمى فترة لجماعة شيوعية لكنه لم يستمر.الرواية متميزة ورغم مرور وقت طويل على إصدارها إلا أنها تظل جذابة للقارئ المهتم.

الكاتبة..  

تعتبر الكاتبة “إيريس مردوخ” من أهم الكتاب البريطانيين في القرن العشرين. وهي من الكتاب الذين اتصفوا بغزارة الإنتاج، إذ أصدرت ست وعشرين رواية وأربعة كتب عن الفلسفة وخمس مسرحيات وديوان قصائد ومجموعة من المقالات القيمة، وذلك قبل إصابتها بمرض الزهايمر في منتصف التسعينات.

ولدت “إيريس مردوخ” في دبلن عاصمة أيرلندا في 1919، وهي الابنة الوحيدة لأب انجليزي خدم في الحرب العالمية الأولى كفارس ثم عمل موظفا حكوميا، وأم أيرلندية تدربت على الغناء الأوبرالي قبل زواجها. وساهم حب الوالدين للفن والأدب في رعاية موهبة “إيريس” الأدبية منذ الطفولة حيث بدأت الكتابة حينما كانت في التاسعة من عمرها.

في مرحلة طفولتها انتقلت العائلة إلى لندن، وتفوقت “إيريس” في دراستها للآداب الكلاسيكية، وانضمت لفترة وجيزة إلى الحزب الشيوعي الذي سرعان ما أثار خيبتها. كما عملت بعد تخرجها مع هيئة الأمم المتحدة في كل من مخيم اللاجئين في بلجيكا ثم النمسا ضمن برنامج إعادة التأهيل.

وحينما وجدت نفسها عاطلة عن العمل بعد ذلك قررت في عام 1947 دراسة الفلسفة في كامبردج بإشراف الفيلسوف الكبير”لودفيغ ويتغنستاين”، والتي قد ساهمت في صقل موهبتها كمفكرة أو روائية.

عرفت “إيريس” برواياتها التي تتناول جوانب الخير والشر والعلاقات الجنسية ونظم الأخلاقيات وقوة التجربة اللاواعية في حياتنا البشرية، وقد اختيرت روايتها الأولى المعنونة (تحت الشبكة) في عام 1998 كواحدة من أفضل مئة رواية إنكليزية في القرن العشرين، كما صنفتها مجلة التايمز في المرتبة (12) من قائمة تضم (50) من أعظم الكاتبات البريطانيات منذ عام 1945 .

نالت “إيريس” الكثير من الجوائز، إضافة لجائزة البوكر، فازت بجائزة جيمس تيت التذكارية عن (الأمير الأسود). وكانت أيضا عضوة في الجمعية الأمريكية للفنون والآداب والجمعية الأمريكية للفنون والعلوم .

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب