حال العراقيين اليوم اصبح كحال”قوم استهموا على سفينةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا)كما جاء في الحديث الشريف.
الكل يخرق من مكانه جزءا من البلاد دون ان يعبه بمصير السفينة والناس الذين يتواجدون فوقها منذ ان تولى الحكام الجدد السلطة عام 2003 ، لم يتميز احد منهم بالحكمة والفطنة ورجاحة عقل ليلم شمل العراقيين ويجمع كلمتهم ويوقف الانهيار المستمر للبنية الاجتماعية والسياسية للدولة ، الكل انشغل بمصالحه الشخصية واختزل الوطن في شخصه اوحزبه او طائفته او قوميته ، والنتيجة ان الفساد انتشر وتحول الى ظاهرة اجتماعية خطيرة ، وانتشرت وباء الطائفية على نطاق واسع وتشكلت ميليشيات مسلحة واصبحت لها حضور سياسي قوي وشاركت في الانتخابات وفازت بالمركز الثاني فيها وتحولت الى رقم صعب في العملية السياسية لايمكن تجاهله وقد تبادر بتشكيل الحكومة القادمة وتقود البلاد لسنوات مقبلة.
وامام هيمنة الاحزاب الشيعية على المشهد السياسي في البلاد اعترى الضعف والضمور البنية السياسية للاحزاب والحركات السنية التي آثرت الركون الى الهدوء والانزواء والتخلي عن طموحها في تشكيل اقليم سني يجمع شمل مكونها بعد حرب طائفية ذهب ضحيتها مئات الالاف ، ولم يكن الجانب الكردي بأحسن حال من السنة حيث خرج من الاستفتاء الذي اجراه عام 2017 للانفصال عن سلطة بغداد منهكا وضعيفا وخاسرا لـ(51%) من الاراضي المتنازع عليها ومن ضمنها كركوك التي اعادها الى الاقليم عام 2014 بعد طرد قوات”داعش”الارهابية منها واحرازه انتصار ساحق عليها ، ولكنه انسحب منها بسهولة لصالح القوات الحكومية وميليشيا الحشد الشعبي دون اي مقاومة على اثر انسحاب بعض الفصائل من قوات حزب الاتحاد الوطني وفق اتفاق جرى تحت الطاولة بينها وبين بغداد ، وخلت الساحة السياسية لصالح الاحزاب الشيعية التي فرضت نفسها على الجانبين”السني والكردي”باعتبارها الطرف المنتصر في الصراع الطويل الذي خاضته معهما .
وستنعكس نتائج قانون المنتصر على الحكومة المقبلة التي ستكون الغلبة المطلقة للكتل الشيعية المدعومة من ايران ، وسيعاني الكرد والسنة في السنوات الاربع القادمة مزيدا من المشاكل والازمات وسيفقدان المزيد من المكاسب السياسية ، الا اذا تدخل الطرف الامريكي ــ الذي مازال مهيمنا على المشهد العراقي ــ في الامر ووقف معهما ضد بغداد ، ولكن وفق السياسة الامريكية البرغماتية المتبعة في العراق وانحيازهم المصلحي الدائم مع بغداد ، ارى ان الامريكيين لن يفعلوا شيئا لهما وسيتغاضون عن اي اجراء عدائي تقوم به بغداد ضدهما في الايام القادمة التي ستكون بلا شك ايام صعبة جدا وغير مستقرة للطرفين على مدى الاعوام القادمة.
في خضم التجاذبات السياسية الكبيرة والاختلافات العميقة في الفهم والرؤية والمصالح وطريقة ادارة الحكم بين المكونات الثلاث الرئيسة واحزابها وزعمائها ، ستتعرض الحكومة المقبلة الى انتكاسات متتالية وازمات قد تؤدي الى شروخ في البنية الاساسية للدولة ووحدتها ، ومادام لا توجد نقاط التقاء مشتركة بين الشركاء الاساسيون ، من مفهوم الدولة والوطن والوطنية ، فالوطنية عند الشيعة هي تشكيل الحكومة الاغلبية السياسية الوطنية الابوية برعايتهم وادارتهم المباشرة ، يعني عودة الدولة الى مربعها الاول”المركزية الحديدية”وبينما تعني عند السنة حكومة شراكة وطنية على مقاسهم القديم وهيمنتهم على الشؤون الداخلية بيد من حديد باعتبارهم اهل خبرة سابقة ، لكنهم ينسون ان دورهم انتهى ولن يعودوا الى سابق عهدهم ابدا! والكرد يريدون حكومة اتحادية بحق وحقيقي وليس فقط بالاسم والشعارات الرنانة، تقر بحقوق اقليمهم الدستورية وتطبق المادة 140 كجهة تنفيذية راعية للدستور!
الكل يحلم بحكومة تحقق بعض مطالبه وفق رؤيته واجندته السياسية والطائفية والعرقية دون ان تكون ثمة ارضية مشتركة ينطلقون من خلالها ، الكل يسعى الى الحفاظ على مصلحته ولو على حساب الوطن والمواطنين !