17 نوفمبر، 2024 3:21 م
Search
Close this search box.

جواد البولاني … حديث في السياسة وبنية الدولة وهموم الوطن والمواطن

جواد البولاني … حديث في السياسة وبنية الدولة وهموم الوطن والمواطن

في زيارة للسيد جواد البولاني لم تكن معدة لاجراء حوار صحفي ، وانما كانت للسلام والتحية وتبريك بأنطلاق تيار بدأنا الذي اسسه وانتخب امينا عاما له ، قلت له مازلت مصرا على جهادك السياسي ، وقد استخدمت كلمة الجهاد بمعانيها المتعددة لانني اعرفه جيدا بأن توجهاته السياسية لم تأتي من التنظيرات والادلجة العقائدية كما يحلو لبعض السياسيين ان يتحدثوا بها وهم لايعرفون حتى معانيها واهدافها ، وانما تعامل مع السياسة من خلال عفتها وقيمها الانسانية والوجدانية والاجتماعية التي اراد من خلال ذلك ان ينصر ويخدم  ويتفانى من اجل الوطن والشعب بكل الوسائل المتاحة له لا لشيئ الا ارضاءا لقدره العراقي وانتمائه الوطني وقدسية الشرف السياسي الذي غاب عن معظم السياسيين ، وتعليقا على ذلك قال : استخدامك لمفردة الجهاد تحمل دلالات عديدة فغالبا ماتقترن هذه الكلمة بتحقيق النصر من خلال القوة او من خلال اتزان العقل والحكمة والحوار المعمق ، وانا شخصيا لااؤمن بالقوة على الاطلاق ،  لأن الصبر والتواصل والتضحية والايثار هي التي تكون فضاءات الامل كي نتمنى اولا ومن ثم نسعى لتحقيق الاماني وفق المفردات التي ذكرتها لصناعة المنجز ثانيا ، وهنا اريد ان اوضح ماذا نعني بالمنجز ؟ اقول عندما امتهنت العمل السياسي لم يدر في خلدي الا ان اكون جزءا من شعب ، وجزءا اخرا من وطن ، وشكلت هذه الثنائية قضية كبرى في حياتي سوف لن احيد عنها مطلقا ، فالمنجز هنا لايمكن ان يتحقق الا بعد ان نجيب على العديد من الاسئلة التي تجبرنا تلك الاجابات على ان نحولها الى فعل والتزام وموقف ، قلت له مستدركا وماهي تلك الاسئلة ؟ وهل يمكنها ان تشكل خارطة طريق جديدة تنسجم مع المرحلة الحالية ويمكن ان تؤسس لمرحلة قادمة مبنية على اساس النضوج وخلق علاقات تكاملية تلغي الارتداديات والتشكك والاتجاهات التكتية ، قال : نعم وبالتأكيد … انا اؤمن ان اي عمل نريد له النجاح والتكامل لابد ان يبدأ بطرح الاسئلة ، وبدون اجابات مقنعة وموضوعية ومدروسة فبالنأكيد ستتحقق منجزات عرجاء وترقيعية لاتنفع بقدر ماتضر ، ومن بين الاسئلة التي يمكن ان تؤسس لخارطة طريق جديدة هو اولا ان نبدأ بأنفسنا كسياسيين مستعرضين تجربة العشر سنوات التي مضت ونسأل ماذا حققنا للوطن والشعب ؟ وهل كنا بمستوى طموح الشعب ؟ وهل احترمنا القيمة الوطنية ، وهل كنا بمستوى المسؤولية ؟ وهل تحسسنا اخطائنا في محاولة للانطلاق مجددا بفكر مصحح ووجدان متيقض ؟ وللاسف اقول لم يتحقق ما كن نحلم ويحلم به شعبنا الوفي ، وبأعتباري واحد من ساسة العراق اقول انني اعمل الان وضمن برنامج تيار بدأنا على منهج التصحيح الا انني اقول وبكل صراحة من ان البعض وانا واحد منهم قد وقع ضحية عدم تفهم وادراك منظومة القيم  لقيمة الاصلاح ، ذلك ان هناك مواقف عديدة تدفع بهذه الاتجاه وكنت خلال الفترة الماضية حتى عندما كنت وزيرا للداخلية اسبح عكس التيار وبجهاد حقيقي من اجل التصحيح ، زلكنني كنت افكر حينها بسفينة النجاة وكيفية توجيه شراعها نحو بر الامان ، السؤال الاخر هو كيف يمكن لنا ان نؤسس مباديء ومرتكزات لبنية مجتمعية خلاقة تحترم القوانين والانظمة ، وتؤثر ايجابيا في السلوك الاجتماعي والنظم الخلقية واالبناء النفسي في محاولة لاعادة تركيبة المجتمع بما ينسجم ومتطلبات المرحلة في حدود انتشاله من حيز الفقر والظلم والمعاناة ، لانني اجزم بأن كل العمل السياسي في العراق ومنذ سقوط النظام ولحد الان لم يولي اهمية لهذه الجوانب لأنه اتجه الى الشخصنة والذاتية وتحقيق المكاسب ونسى القضية الكبرى والاساسية التي تشكل محور السياسي في العمل الا وهو الشعب ، اما المهمة الثالثة فهي التي تتعلق بكيفية بناء الدولة  … قاطعته قائلا … ماذا تعني ببناء الدولة ؟ هل الامر متعلق بالاعمار والخدمات والبنى التحتية وانجاز المشاريع … ام ان هناك غير ذلك ؟ … تواصل قائلا : لا ليس هذا هو ماعنيت ، انما قصدت قبل الشروع بتحقيق المنجز هو العمل على بناء الدولة المدنية الحديثة وتأسيس مؤسساتها وفق الاتجاهات العلمية والتخطيطية واساليب التطور الحضاري والانساني ، الدولة لم تطور نفسها على الاطلاق ، ولم تأتي بالجديد الذي يتلائم مع تطورات العصر والعلم ، بل انها سارت على ذات المنهج الذي تم تأسيسه في النظام السابق ، وكأنها عاجزة عن خلق البديل الافضل الذي ينسجم بل ويهيء الارضية الخصبة لترسيخ المنهج الديمقراطي والاستحقاقات الشعبية وتعميق الشعور بالقيمة الوطنية والانتماء العراقي ، وهذا لايمكن ان يتحقق الا من خلال اتخاذ سلسلة من الاجراءات الفورية والتي يمكن ان اصفها بالاصلاحية التحديثية والتي تتعلق بترشيد بنية الدولة والحكومة التي ترهل ادائها من كثرة الدوائر والمؤسسات الزائدة ، واعادة النظر في القيادات الوظيفية التي هيمنت على كل مؤسسات الدولة دون كفاءة او قدرة ادارية وانما جاءت بفعل المحاصصة الحزبية البغيضة التي كانت ومازالت تنهش بجسد الدولة لانها اتت بكوادر لم تفهم وتقدر قيمة ومعنى المنجز ، بل الاكثر من ذلك فأن هذه الكوادر قد اسست وانتجت سلوكا متميزا للفساد وسوء الاداء والتخطيط برزت من خلالهما البيروقراطية والروتين كمنجزات سعى البعض لتحقيقها للتغطية على كل اساليب الفساد والرشوة والابتذال ، وهنا قاطعته متسائلا : وأين فعل الكتل السياسية من كل ذلك ؟ استكمل قائلا : كذلك فأن قادة الكتل السياسية يتحملون مسؤولية كبيرة في بناء الدولة ، ذلك ان ترشيح القيادات ابتداءا من نواب رئيس الوزراء والوزراء الى ادنى الدرجات الوظيفية ينبغي ان يخضع الى معايير القدرة والتخصص والكفاءة وقبل ذلك النزاهة ، وأن يبتعدوا عن المحاباة والصداقات والولاءات الحزبية ، ولايفوتني ان اذكر ان هناك بعض الاطراف السياسية قد خضعت لاجندات اقليمية وجوارية حاولت ان تهيء مناخات ملائمة لاشعال الفتنة الطائفية وتكرس للفئوية بل حاولت كذلك ان تشضي الانتماء القومي وتؤسس قواعد للعداءات للدفع بأتجاه التناحرات والكراهيات للقضاء كليا على مباديء واسس التعايش السلمي بين كل فئات المجتمع العراقي ، ولعلك تسأل لماذا يحصل كل ذلك ؟ اقول … ان الفشل والافلاس السياسي لابد لهما ان ينتجا اساليب تأتي بمثابة ردة الفعل العكسية التي تواجه نجاحات البعض … او دعني اعرفها بطروحات البعض التي يحاولون من خلالها ان يدفعوا بأتجاه تنمية ودعم المشروع الوطني بكل صدق وامانة ، ومن جانب اخر فأن هذه الاساليب انما هي سادية سياسية تنتهجها الاطراف المتشددة التي لاتؤمن الا بعقيدتها ولاتفهم اي معنى للحوار الديمقراطي الذي يمكن ان يقود الى العديد من التنازلات اكراما للوطن والشعب ، والا كيف نفسر عذابات الشعب امام سعادة البعض من السياسيين الذين ينعمون بالمكاسب والامتيازات وهم يتفرجون على تلك العذابات دون ان يحركوا ساكنا بل يحاول البعض الاخر ان يزيد من تلك العذابات بأساليب مبتكرة يمكن شراء افكارها من المتمرسين في هذا المجال ، اليس هذه هي السادية بعينها !! . قلت له : نعم انها بالفعل سادية سياسية وهو تعبير دقيق وغير مطروق لكنه بالفعل ينطبق على التجربة السياسية العراقية التي انفردت بكل تفاصيلها المعقدة واللاواقعية والمفككة عن باقي التجارب السياسية القريبة من الواقع العراقي ، واسترسل بالقول :  وهنا لابد من الاشارة الا ان منهج الانتخابات سواء على مستوى الانتخابات المحلية او النيابية لابد ان يخضع الى صيغة التنافس الشريف وان لاتمرر الاسماء وفق المحاصصات او الولاءات لأن ذلك يعني ان الذين يسعون بهذا الاتجاه انما يؤسسون اساسا خاطئا ومدمرا لبنية الدولة ، وهذا احد اهم الاسباب التي ادت الى تفكك الدولة ، نقطة اخيرة وددت الاشارة اليها وهي التي تتعلق بأداء السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية ، فهذه السلطات قد تشابهت في عدة صفات منها المزاجية والانحيازية والتسيسية ، وكل هذه الصفات تنج ادائا لايخدم المصلحة الوطنية والشعبية ، بل غالبا ماولد ردات فعل شعبية ربما كانت هي السبب في انطلاق التظاهرات الشعبية ، نحن بحاجة الى فريق قيادي وطني ينسلخ عن ذاته امام مسؤليته تجاه الشعب ،  وينسلخ عن حزبه عندما يمارس دوره الوظيفي ، على ان يكون ملف الشعب حاضرا على مكتبه يتحسسه ويتفاعل معه ويحترمه قبل ان يتخذ اي قرار في اطار واجبه .
هذه بعض مفردات الحديث مع البولاني الذي كما ذكرت لم يكن مخططا له ان يكون حوارا صحفيا ، لكن ماورد فيه من اراء وافكار مهة وصريحة وواعية اجبرتني ان اكتبها اسهاما في ابراز الرؤى والتصورات التي يمكن ان تؤسس مرتكزات في العملية الاصلاحية التحديثية كما سماها البولاني . 

أحدث المقالات