بمناسبة ذكرى أستشهاد فيلسوف القرن العشرين صاحب نظرية التوالد الذاتي في المعرفة البشرية في 9|4 | 1980
قلت في كتاباتي ومحاضراتي وأكرر :لو أن صدام حسين لم يمارس جرما في العراق سوى قتل العالم والمرجع وألاب المتربع على عرش ريادة تفسير المعرفة البشرية بعد أرسطو محمد باقر الصدر ,لكانت جريمة صدام حسين تلك لاتعادلها جريمة مع أحترامنا لكل الشهداء وألابرياء الذين راحوا في طريق ألآبادة السايكوباثية التي تجسدت في شخصية صدام حسين الذي لايستحق ثمن الورق الذي تكتب عليه هذه الكلمات .
وللذين لايعرفون محمد باقر الصدر جيدا من الجيل الجديد أقول لهم عندما صدر كتاب “ألاسس المنطقية للآستقراء ” في نهاية السبعينيات عن دار التعارف في بيروت , سأل فيلسوف مصر زكي نجيب محمود سؤالا وجهه للسيد بواسطة بعض طلبة الدراسات العليا العراقيين من الذين كانوا يدرسون في مصر , قائلا في سؤاله : لمن كتبت هذا الكتاب ؟
فأجاب السيد محمد باقر الصدر :” حتى يبدأ الغرب يأخذ منا ولا نبقى نأخذ من الغرب “؟
وقبل أن أتحدث عن المهمة الفكرية ألابداعية التي قام بها السيد محمد باقر الصدر في دراسة نظرية ألاحتمال لتكون محطة علمية تأخذ من الرياضيات وألاحصاء وسائلها وأدواتها لتعمل توأمة مع علم ألاصول من خلال مباحث العلم ألاجمالي وهوالعلم بشيئ غير محدد تحديدا كاملا “- ألاسس المنطقية للآستقراء – ص 174 – والسيد الصدر أخذ العلم ألاجمالي بكل أطرافة “المتنافية وغير المتنافية “وعلى ضوء ذلك وضع تعريفا جديدا للآحتمال ” وهو ألاحتمال الذي يكون دائما عضوا في مجموعة ألآحتمالات التي تتمثل في علم من العلوم ألاجمالية ,وقيمته تساوي دائما ناتج قسمة رقم اليقين على عدد أعضاء مجموعة ألآطراف التي تتمثل في ذلك العلم ألاجمالي ” – نفس المصدر ص 177 –
والملاحظة التي أريد تثبيتها قبل الحديث عن نظرية ألاحتمال التي تنطوي على الكثير من التعقيد الذي لايتيح المجال لغير المتخصصين من ولوج أفاقها المعرفية , ولذلك سأحاول جاهدا تبسيط المعاني والمفاهيم التي تزخر بها نظرية ألاحتمال لاسيما في الجانب الفلسفي المتعلق بألاستقراء ونتائجه التي تعتبر من فتوحات هذا العبقري ” محمد باقر الصدر ” الذي لم تعطه وزارة الثقافة العراقية حقه بما يجعل كل من مر على هذه الوزارة مسؤولا من 2003 والى اليوم 2013 قد مارس تقصيرا متعمدا أوغير متعمد لعدم ألاهتمام بهذه الشخصية الفذة ذات الحضور العالمي من خلال “نظرية التوالد الذاتي في المعرفة ” وهي النظرية التي تقدمت على نظرية أرسطو المعروفة ” نظرية التوالد الموضوعي ” حتى أصبح المذهب الذاتي هو السباق لآستثمار ” التعميمات ألاستقرائية ” لآثبات الصانع وهو” الله “دون الحاجة لدليل ” العلة والمعلول ” والسبب والسببية ” التي شاعت في ألابحاث الفلسفية ومنها كتاب “فلسفتنا ” للشهيد محمد باقر الصدر .
ومثلما نذكر بتقصير وزارة الثقافة العراقية الذي يغلب عليه جانب التقصير غير المتعمد , لآن التعمد بأقصاء فكر الشهيد محمد باقر الصدر يقترب من الخيانة الوطنية ,لآن الشهيد أصبح أبا للمعرفة البشرية بعد أن كان أرسطو يتربع على هذا العرش لآلاف من السنين .
كذلك نذكر بتقصير مكتبات ألامانات العامة للعتبات المقدسة التي شرعت بأفتتاح مكتبات لها وهوعمل ثقافي جيد , ولكن وكما أخبرني الثقات من الشباب العراقي المثقف أن مكتبات العتبات المقدسة لم تضع في حسبانها أقتناء كتب الشهيد محمد باقر الصدر ومؤلفاته التي تشكل دائرة معارف وهي ” فلسفتنا , وأقتصادنا , والبنك أللاربوي في ألاسلام ,وألاسس المنطقية للآستقراء ,والتفسير الموضوعي ,وغايةالفكر في علم أصول الفقه ,والفتاوى الواضحة , وألاسلام يقودالحياة , وفدك في التاريخ الذي واجهني في مقدمة الكتب التي تعرضها مكتبة “برلين “عند زيارتي لها في الثمانينات , فهل يعقل أن تحرص مكتبة برلين على أقتناء وعرض كتب السيد الصدر ولا تحرص مكتبات العتبات المقدسة على عرض كتب السيد محمد باقر الصدر ؟ سؤال برسم من يعنيهم ألامر.
وتبقى وزارة التربية ووزارة التعليم العالي والجامعات العراقية ووزارة الشباب والرياضة” التي كانت تواقة بشخص وزيرها ألاستاذ المهندس جاسم محمد جعفر للآهتمام بفكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر ولكن بعض كادر الوزارة لم يكن مؤهلا لتحمل مسؤولية المشروع الفكري للسيد الصدر مثلما لم يكن بعض كادر الوزارة مؤهلا للتعامل مع الشباب بتطلعاته التي يضج بها عصر تغيير الحياة بالعلم وهو تأسيس أسلامي قرأني ” أنهم فتية أمنوابربهم “و تتحمل كل تلك ألاطراف قسطا من التقصير تجاه الفكر التأسيسي الذي طرحه السيد محمد باقر الصدر في مؤلفاته العملاقة , وأذا كنا قد ذكرنا هذه ألاطراف التي نرجو أن لايكون تقصيرها متعمدا ,فأن ألاحزاب العراقية ولاسيما الدينية منها تتحمل مسؤولية كبيرة لايمكن تبرير التقصير فيها ,وحتى الذين بادروا الى عقد الندوات والمؤتمرات التي دعيت لآلقاء محاضرات فيها ومنها محاضرة ” فلسفة ألاعتقاد عند الشهيدالصدر “في مكتب الشهيدالصدر الثقافي في بغداد ,ومحاضرة “نظرية التوالدالذاتي عندالشهيد الصدر في المؤتمر الثقافي الذي عقده مكتب الشهيدالصدر في النجف ألاشهر ,ألا أن هذه النشاطات المشكورة ظلت محدودة ولم تأسس لمشروع معرفي يوظف أفكار ونظريات السيد الصدر العابرة للطائفية والجغرافية السياسية الى موائد ثقافية تجتمع حولها العقول والنفوس التي تريد خيرا للعراق والعالم .
وأعتذر من القراء والمتابعين سلفا عن عدم ألاستفاضة بشرح كل ما يرتبط بنظرية ألاحتمال لآن هذا يحتاج الى دراسة موسعة ليس هنا مكانها ,وللذين يبدون شغفا في التعرف على “نظرية ألاحتمال ” لاسيما من طلبة علوم الجامعة الدينية والحوزة في النجف ألاشرف الذين طلبوا مني تدريسهم “نظرية ألاحتمال ” وكان طلبهم عزيزا عندي , ولكن كثرة ألارتباطات والمهام البحثية والعلمية التي نعطيها جل أهتماماتنا جعلتنا غير قادرين على تلبية رغبتهم في وقتها .
يعتبر السيد الصدر أن الدليل ألاستقرائي في مرحلته ألاولى يكون ” أستنباطيا ” وهذا يعني أنه يسير وفق “نظرية التوالد الموضوعي “لآرسطو , حيث لاتوجد أي قفزة من الخاص الى العام , أو أي ثغرة عقلية , ويؤكد السيد الصدر على أن البحث في هذه المرحلة لايصل الى معرفة يقينية , وأنما تصل الى أكبر درجة من ألاحتمال ,ثم نصل الى درجة من العلم في المرحلة الثانية من الدليل ألاستقرائي – ألاسس المنطقية للآستقراء ص 135-
والحديث عن ألاحتمال يكثر في أحاديث الناس , مثل أن نقول : ماهو أحتمال نتائج العملية السياسية في العراق ؟ وما هو أحتمال نتائج التظاهرات ألاحتجاجية التي تنتشر في بعض المحافظات ؟ وهذا قريب من قولنا ماهو أحتمال رمي قطعة من النقود عشوائيا في أن يظهر أحد وجهيها على ألارض ؟
والسيد الصدر في دراسته لنظرية ألاحتمال تناول ثلاث نقاط هي:-
دراسة المبادئ والبديهيات التي تفترضها نظرية ألاحتمال من عمليات حسابية من جمع وضرب .
دراسة قواعد حساب ألاحتمالات , أي القواعد التي تحدد طرائق جمع ألاحتمالات وضربها .
العودة الى ألاحتمال نفسه ,حيث يفسره تفسيرا منطقيا يفي بالبديهيات التي أستعرضها في النقطة الثانية .
ثم أنتقل السيد الصدر لشرح بديهيات نظرية ألاحتمال ,كما لخصها “برتراند رسل ” في كتابه المعرفة ألانسانية , وذلك نقلا عن ألاستاذ ” س . دي . برود ” وهي ست بديهيات سوف لن أدخل القارئ بتفاصيلها , ولكن من المفيد أن يعرف القارئ معنى بديهية “ألاتصال “وبديهية “ألانفصال ” فالطالب المتفوق في المنطق أو الرياضيات أوفيهما معا تتحق بديهية “ألاتصال ” وتفوقه بأحدهما يحقق بديهية ” ألانفصال ” ,فعندما نريد تفسير نظريةألاحتمال يجب أن نعطيه مفهوما تصدق عليه البديهيات الستة , مع معرفة أن القيم الحقيقية للآعداد في حساب ألاحتمال هي من ” صفر الى الواحد ” وألاعداد الحقيقية هي “ألاعداد الكسرية فقط بما فيها ألاعداد الصحيحة التي تعتبر أعدادا كسرية لآمكان تحويلها الى كسور دون ألاعداد الحقيقية غير الكسرية كالجذر التربيعي لآثنين أو لثلاثة أو لخمسة ,أو النسبة الثابتة في حساب مساحة الدائرة – ألاسس المنطقية – ص 139-
ثم درس السيد الصدر حساب ألاحتمال في كل من :-
قاعدة الجمع في ألاحتمالات المتنافية , ولآن أجتماع الحادثتين غير محتمل في النتائج المتنافية ,فيكون أحتمال أحدى الحادثتين يساوي مجموع ألاحتمالين .
مجموع ألاحتمالات في المجموعة المتكاملة يساوي واحدا
قاعدة الجمع في ألاحتمالات غير المتنافية .
قاعدة الضرب في ألاحتمالات المشروطة ” كل أحتمال يتأثر بأفتراض صدق أحتمال أخر يسمى أحتمالا “مشروطا ” .
قاعدة الضرب في ألاحتمالات المستقلة “مثل أحتمال نجاح خالد في الرياضيات ,ونجاح زيد في المنطق ,تسمى أحتمالات ” مستقلة ” .
مبدأ ألاحتمال العكسي : وهوأحتمال تفوق طالب في الرياضيات على أساس الظروف العامة ,وأفتراض تفوقه في المنطق يساوي أحتمال تفوقه في الرياضيات على أساس الظروف العامة مضروبا في أحتمال تفوقه في المنطق على أساس الظروف العامة وأفتراض تفوقه في الرياضيات ,هذه المعادلة تسمى ” مبدأ ألاحتمال العكسي ” ثم درس السيد الصدر نظرية التوزيع ” برنولي ” وهي تتعرض لدراسة قيمة تكرار الحادثة ,وهذا التكرار يحدده ألاحتمال ألاكبر قيمة – ألاسس المنطقية – ص 155-
ثم قام السيدالصدر بعدذلك بتفسير ألاحتمال ,فهويعرف ألاحتمال بأنه :” نسبة الحالات الموافقة للحادثة المطلوبة والتي يرمزلها بحرف ” ر “مثلا , ثم درس المشاكل التي تعترض التعريف الرئيس للآحتمال وهي :-
1-المشكلة ألاولى : وهي أن بديهيات نظرية ألاحتمال غير كافية لتبرير ألاحتمال .
2- المشكلة الثانية :وهي التفسير المتقدم للتساوي بين الحالات ,والتفسير غير ممكن بين علاقة ألاحتمال وعلاقة ألامكان .
ثم درس السيد تعريف ألاحتمال على أساس التكرار ذاهبا الى أن ” نظرية التكرار المتناهي ” تفي ببديهيات ألاحتمال المتقدمة وتخلصه من ألاعتراضات التي أثارها السيد ضدالتعريف السابق .
ثم أستعرض السيد مفهوم “ألاحتمال الواقعي وألاحتمال ألافتراضي ” وأعتبر الشك الحقيقي هوألاحتمال الواقعي , واليقين المتخذ صورة الشك أسم “ألاحتمال ألافتراضي ”
وقد أوضح ذلك بمثل العراقي : حينما نأخذ عراقيا معينا ولا ندري هل هو ذكي أم لا فنقول :من المحتمل بدرجة كذا أن يكون ذكيا ,وعندما نقلب الصورة ونفترض عراقيا فنقول أذا كان ألانسان عراقيا فمن المحتمل بدرجة كذا أن يكون ذكيا .
ثم حاول السيد الصدر أن يقدم تعريفا جديدا للآحتمال ,وذلك من خلال العلم ألاجمالي بقسميه المتنافي وغير المتنافي كما بينا سابقا
ثم عمل السيد الصدر على تذليل الصعوبات التي يمكن أن يواجهها التعريف من خلال :الطريقة ألاولى ,والطريقة الثانية التي تقوم على مصادرة بأعتبارها من بديهيات ألاحتمال .
ثم أستعرض السيد الصدر بديهيات أضافية للتعريف الجديد على الشكل ألاتي :-
الضرب والحكومة بين العلوم ألاجمالية .
العوامل المثبتة في الحكومة كالنافية .
ثم أستعرض الفرضيات التي تفي ببديهية الحكومة :-
الفرضية ألاولى :حيث تكون الصفة لازمة .
الفرضية الثانية :حيث تكون الصفة غير لازمة .
ثم درس الحكومة في ألاسباب والمسببات في أربعة نقاط .
ثم درس كل من :-
أنطباق الحكومة على الواقع .
العلوم ألاجمالية الحملية والشرطية
العلوم الشرطية ذات الواقع المحدد .
ثم أنتهى السيد الى تلخيص دراسة نظرية ألاحتمال على ضوء تعريفه الخاص للآحتمال ,وخرج بنتائج مهمة منها :-
أن ألاحتمال يقوم دائما على أساس علم أجمالي .
أن نظرية ألاحتمال على أساس التعريف الذي قدمه تشتمل بألاضافة بديهيات الحساب ألاولية على خمس بديهيات أضافية هي :-
العلم ألاجمالي ينقسم بالتساوي على مجموعة ألاطراف .
أن التقسيم أما أن يكون فرعيا أو أصليا .
قيام أحدى القيمتين حاكمة على ألاخرى .
التقييد المصطنع للكلي بالعلم ألاجمالي في قوة عدم التقييد.
العلم ألاجمالي الشرطي الذي يتحدث عن جزء غير محدد في الواقع , لايصلح أن يكون أساسا لتنمية ألاحتمال .
هذه هي نظرية ألاحتمال التي سوف يقوم السيد الصدر بتفسير الدليل ألاستقرائي ,وبيان التعميمات ألاستقرائية التي بواسطتها يقدم السيد الصدر دليلا جديدا على أثبات الصانع وهو”الله ” من خلال ألاستدلال العلمي الذي يقول : أن العلم وألايمان مرتبطان في أساسهما المنطقي ألاستقرائي , وهذا ألاستدلال على أثبات الصانع بمظاهر الحكمة هوالذي جعل القرأن الكريم كما يقول السيد الصدر يركز على هذا ألاستدلال من بين ألوان ألاستدلال المتنوعة على أثبات الصانع تأكيدا على الطابع التجريبي وألاستقرائي للدليل على أثبات الصانع .
وفي ذكرى أستشهاد السيد الصدر حامل لواء العلم على يد مجرم العصر حامل لواء الجهل صدام حسين , أحببت أن تكون هذه المشاركة المتواضعة وفاء لصاحب الذكرى الذي تخلف الكثير ممن ينتسبون اليه عن أعطائه حقه الذي يتناسب وموقعه الريادي من نظرية المعرفة البشرية التي أصبحت منجزا مسجلا بأسمه تعرفه مراكز البحوث العالمية , أما الذين يلوذون بالصمت تجاه هذه الذكرى يضيفون لآنفسهم دليلا جديدا من أدلة الجهل وألانانية المفرطة بالعزلة التي تبتعد عن حتمية علاقة ألارض بالسماء ؟
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]