المشهد الاول : بمناسبة حلول موسم التزاوج الربيعي ، فقد حبل حزب الله البطاوي(بقيادة واثق البطاط ) وولد مسخا جديدا يضاف الى من سبقه من اخوانه ومشتقاته من مسوخ( هو هذا الذي كان ينقصنا ) ، وقد اطلق عايه اسم ” جيش المختار “، ولا يسعنا الا أن نهنيء الامة بهذه الولادة الغير مباركة ، اذ هكذا ولادات لا تأتي الا بشياطين جدد يحولون ربيع الناس الى خريف كئيب وهذا مابشر به والد المولود حالا – ابادة كل من يقف بوجه الحكومة الرشيدة من بعثيين وصداميين وسنة عملاء .
المشهد الثاني : مهرجان كبير في قلب بغداد يحضره رؤساء مجالس اسناد وشيوخ عشائر ونواب في البرلمان ، اقامته كتائب حزب الله – العراق . والمناسبة ليست عراقية ،بل احتفالا بـ…الثورة الايرانية ، حيث رفعتت اعلام ايران والكلمات كلها تمجد قادة تلك الدولة حتى خلت اننا في ساحة من ساحات طهران . وتضمنت الخطابات الاشادة بالمقاومة “الاسلامية” التي طردت المحتل الاميركي وحققت الوحدة الوطنية ، ولا اجادل في ذلك لكن الامر يحتاج الى دراسة تاريخية ومراجعة لسجلات المحتل لاثبات الادعاء .
المشهد الثالث : في لفتة كريمة من الحكومة وانسياقا مع الرفض الشعبي لما جاء في البيان الاول لجيش المختار، فقد ترجَت ، بسبب ندرة المعلومات وعجز قواتها الامنية المليونية ، المواطنين أن يساعدوها على العثور على المدعو واثق وتسليمه لاقرب مركز شرطة ليصار الى محاكمته أو الى عرضه على طبيب نفسي( لأن احدى الكتل السياسية اعترضت على اعتقال الموما اليه لانه حسب ما تقول … مختل عقليا )..مختل ويقود جيشا فلو كان عاقلا كيف ؟
في خضم هذه المشاهد السريالية من حقنا أن نتحسس رؤسنا لنتأكد انها في مكانها وانها مازالت تحوي ادمغة من عدمه . ومن حقنا ان نتحسس مواطىء اقدامنا لنتاكد أننا مازلنا في أرض الواقع ولسنا في ” أليس في بلاد العجائب ” ، وأن نتحسس ملابسنا وجيوبنا لأن أبليس صار ينط بيننا ويتلبسنا .
بداية ليس لهؤلاء المدعَين أن يتسموا حزب الله تشبها بالحزب اللبناني المعروف . الا أن التشبه لا يقع الا من ضعيف ، لان القوي لا يتشبَه بالضعيف ، والشبه لا يقع الا من صغير صغرت نفسه عنده .. فهو مولع بالتشبه بالكبار . فأن تشبه لا يعني أنه صار كبيرا كالأصيل . فشتان مابين النسخة المزيفة الباهتة والاصل .
فحزب الله بقيادة السيد حسن نصر الله ، وبالرغم من مآخذ الكثيرين عليه ارتباطه بايران ، الا انه حزب مقاوم استطاع طرد الاحتلال الاسرائيلي من لبنان بتضحيات الالاف من مقاتليه .. وهو الى هذا ، وبالرغم من قوته الكبيرة ، ملتزم بالتعايش السلمي مع باقي المذاهب والطوائف في لبنان ولم يشهر بندقيته بوجه اي لبناني . والسيد حسن نصر الله ، لم يطل على الناس مهددا طائفة من بلده بالابادة… رغم أن الخلافات بينه وبينها أعمق من التي لدينا …والى كل ذلك … فسياسة الحزب وقائده وطنية لبنانية وعربية خالصة .. أكثر عروبة بكثير من ” عروبة مقلديه ومن عروبة نعاج ” الخليج الذين ينفقون المليارات لهدم البلدان العربية وتمزيق نسيجها الاجتماعي سعيا نحو أهداف ذاتية وأنانية ضيقة .
حزب الله قامة عربية مقاومة طويلة في وقت صار أحناء الرأس فيه أمام أعداء الامة عادة ، وهذا رأي كل عربي مازال على ثوابته ولم تنل الطائفية من جرفه لينساق وراء الدعاوي اللامنطقية بتقسيم الامور الى لونين : أسود وأبيض ولا ألوان اخرى بينهما . لذا أشعر بالاسف حين يسمي البعض حزب الله بـ ” حزب اللات ” .واللات أحد أصنام العرب الكبرى في الجاهلية ، فأين ألمنطق في تسمية حزب له مئات آلاف وحتى ملايين الانصار والمؤيدين دحر العدوان الاسرائيلي وهو القوة الوحيدة المتبقية لمواجهة اسرائيل يعد تدمير جيوش العراق وسوريا ، بأنه حزب ألاوثان ؟ وهل من الحكمة التحالف مع أعداء الامة من صهاينة واميركان وغربيين وأنظمة خليجية فاسدة ورجعية في معاداته ؟
دعونا أذن نفصل مابين الاصل ومشتقات الاسم لئلا يتشوش الفكر ، فشتان مابين عصابات مسلحة ممولة ومدفوعة من الخارج لمحاربة شعبها وبين حزب يدافع عن شعبه ضد أعتى قوة معادية في المنطقة ( اسرائيل ) .
هذه الولادات المسخية المشوهة ، ماكانت لتولد وأن تحتفل بمهرجانات علنية يرفع فيها السلاح والرايات الاجنبية لولا ضعف الدولة . وضعف الدولة هنا ليس نقص قوتها وأسلحتها ، وانما ضعيفة بقرارها وفكرها وخلل رؤياها للامور وسياستها المنحازة لفئة دون اخرى من فئات الشعب . فلو أعلن ” مختل ” آخر من أهل الاعظمية مثلا عن تأسيس جيش ” سين” وتعهد بابادة ناس من طائفة كريمة اخرى ، ولو أقيم في الاعظمية مهرجان حاشد لتخليد الثورة السورية أو الذكرى 95 لوفاة السلطان العثماني عبد الحميد ، فهل كانت الدولة ستغض النظر وتكتفي بالطلب من المواطنين مساعتها للعثور على الموما اليه ؟
لنكن واقعيين … سبب مانراه من أزمات وأختلال العملية السياسية ، سببه ألانحياز السياسي والكيل بمكيالين عند التعامل مع فئات الشعب ، وهو أمر سهّل التعبئة الطائفية المبرمجة والعشوائية من كل الاطراف فتجاوزت كل الخطوط الحمراء . عندما لا تكون الدولة حاضنة للجميع ، تضعف وحينها تنطلق كل الشرور ، بحيث تحتاج الى جيش المختار ليدافع عنها ضد جيش عمر والى عصائب الحق ضد الجيش الحر وهكذا دواليك .
ما يجري هو تنفيس عن ثقافة اجتثاثية تجتاح العراق بل وعالمنا العربي ، وأنتقلت من المستوى الفردي الى ثقافة اجتثاث عامة . يغذي هذه الثقافة مشايخ بعمامة وبرباط ، وسياسيون قليلو الخبرة أو مؤدلجون، وموتورون طائفيون ، وعيّارون من كل مذهب ولون معروف استغلالهم مثل هذه الظروف لأغراض منفعية أو لحب الظهور والتنفيس عن مكنونات مريضة .
هذه الثقافة لا تقوم الا على الحض على الفتنة وتكفير الاخر والدعوة لقتله في وضح النهار . وكأن دين محمد لا يستقيم الا بقطع الاعناق والارزاق … والدين بكل الاحوال بريء ، فهو لم يمنح أحدا توكيلا لتصنيف الناس بين مؤمن وكافر أو حسب هوياتهم المذهبية ، وأنما هو العمى الايديولوجي والاخلاقي الذي بلغ دركا سحيقا .
فلكي تقوم دولة الاسلام – بمفهوم غلاة السنة السلفيين وغلاة الشيعة الصفويين ، لا بد من تطهيرها بالمشانق والبنادق من كل ما يمت بصلة الى الاخر المختلف بالرأي أو المذهب أو حتى الميول .. انها ثقافة الاجتثاث .
هذه ألأفكار لا تصلح لقبائل ناهيك عن دول . ظهور جيوش الميليشيات العلنية وتلك المستترة ، لا يعني في الحقيقة الا تطويع الدولة ومؤسساتها والمجتمع وثقافته وحتى التاريخ على قياس الطوائف والمذاهب .. بل وحتى قياس العشائر .. وهذا يعني طبعا ألغاءا للدولة لتحل مكانها دول الطوائف .
ختاما نقول ، عندما كانت الدولة العراقية قوية هل كان هناك من يتجرّأ ويغرد بلغة طائفية أو من يعلن تأسيس ميليشيات مسلحة علنية أو يقيم مهرجانات تهتف لدولة اجنبية . أن ألأمن والامان الذي يتمناه شعبنا لا يهبط علينا من السماء ، ولا يجب أن نلقي تبعات فقدانه على الخارج مهما كان الدور الخارجي قويا ، لأنه لا ضمان للعيش الآمن اذا كنا في الداخل متورطين بلعبة التخوين وسفك الدم . واذا بقى الحبل ممدودا على غاربه لكل دعّي ومختل وشيخ فتنة وسياسي يتصيد ويتكسّب من مياه الطائفية الآسنة بغياب الدولة أو تواطئها … فلن يبق من الدولة الا الاسم … بل وحتى هذا ألامر سنختلف عليه لاحقا وسنبقى نقول أن هناك فرقا أن تكون حزب لله رافعا للحق مدافعا عن البلد ، أوان تكون حزب لله ماحقا للحق وخربا للبلد، فهذا والله حزب الشيطان ، فأن تعيش في سبيل ألله … خير من أن تموت في سبيل ألله .