22 نوفمبر، 2024 5:17 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. ياسر الغالي: الكتابة لا تحب أن تُرى من جهةٍ ثابتة

مع كتابات.. ياسر الغالي: الكتابة لا تحب أن تُرى من جهةٍ ثابتة

خاص: حاورته- سماح عادل

“ياسر الغالي” كاتب سوداني، مواليد مدينة الأبيِّض، خريج جامعة الخرطوم تخصص هندسة غابات، ويعمل في مكافحة الألغام ومخلفات الحرب، يكتب الشعر باللغة العربية الفصحى وبالعامية السودانية.. له كتب تحت الطباعة: (كتاب السَّابل، أنا طيرُك، الجبال كلها).

إلى الحوار:

(كتابات) متى بدأ شغفك للكتابة وكيف طورته؟

  • لا أدري تماماً، لأن من الصَّعب عليّ تحديد الشَّغف نفسه؛ فإذا قصدنا بـ “كتابة”، حدوث النَّتاج عند المنتج، أيضاً يصعب تحديده؛ أرى أن هذه الحَال في حدوث دائم ما بين “إجراءً وقائياً” ضدَّ “العزلة” والانتماء ( الذي يتدمِّر بمعانيه ليظل دائما بهكذا إِعْزَارٍ و يتمظهر في غموضه المُسْتَفِزّ)ِ؛ أما إذا كانت بمعنى الانفعال و فعل التدوين (و النادر جداً في تجليه الصادق، الأصيل والحّق)، فذلك يصير أمراً آخراً، أعتقد في اللحظة التي ترى الكتابة نفسها فيما تحاوِلُه، أي بمجرد اعتلاقي باللغة وتورطي في (الحركة التأويلية في معقدها بالجملة) حيث أضحي المحاولة، التي تصير شيئاً حين تُعْتَلَق.

(كتابات) لما اخترت الشعر كوسيلة للتعبير؟

  • لمْ أخترهُ؛ ألجأ للرسم، المعازِف وطَي الوَرَق وغيرها؛ أن ما أكتبهُ يطغي في الكَم، و ذلك لطبيعتهِ (الاسفيرية)، والمختلفة عن المنابر الأخرى فيمَا يخصم لحظة الاتصال وكل ما يوَظِفه لغيرِه.

(كتابات) تكتب شعر باللغة العربية الفصحى وبالعامية السودانية.. حدثنا عن ذلك؟

أرى أن لغة الكِتابة تتغَايَر إلى فصحَى/عَامِّية بسبب تغاير اللهجات الجغرافية، وهذا تغاير غير حقيقي، إذْ أنَّ ما يُرى كمفردَة “غريبة” قد يُرى هكذا لسبب آخر مثل زُهد القارئ (تواضع القِراءَة)، أو عاطفة الانْتِماء، وهذا تواضُع آخر للقراءة؛ الفصحى والعامِّية هي أشكال للكِتابة، ولكل شَكل أحابيله الأدبية وسحره الإبداعي؛ إذ لا أتبين مرجعاً حرفياً أو تعبيرياً بدلاً عن اللغة كلّها (الكل هنا مجازي إذا قلنا بانْخلاقه أثناء الحياة).

(كتابات) يتميز شعرك بلغة مميزة وإيقاع هادئ.. حدثنا عن ذلك؟

  • إذا كِنتِ تقصدين بـ “مميَّز” استخدام “مفردة” غير مألوفة، فللسبب البسيط الذي يُجْفِل من النَّسخ، الجَفلة غيرِ المَعقُولة، بمعنى غير المُتحَكَّم بها؛ ما قلتُ في وقتٍ سابقٍ “أن يكون المخطوط وِفق نيَّة أو انصعاقٍ بكشفٍ، سواء أن كان في المعنى أو اللغة، تستحيل الكتابة؛ الكتابة التي لا تحب أن تُرى من جهةٍ ثابتة”؛ وذلك ينطَبِق على ما وصفْتِهِ بـ “إيقاع”.

(كتابات) هل واجهتك صعوبات في النشر؟ وكيف هي حال النشر في السودان؟

  • إذا كنتِ تقصدين تكلفة “الحق الأدبي” مثل اعتراف الرَّقابة الأدبية المؤسسية، نقود الطباعة والتوزيع إلى آخره، فهذه عقبات تواجه كل الذين يودون النشْر للأسباب المعروفة، في الأطروحات التقليدية لـ “مشْرَعة” السيرَة الأدبية، والتِي تتصِل بمشاكِل أخرى يواجهها الأدب في أغلب البلدان. أمَّا ما يلي جزء السؤال، الأوَّل، لَم توَاجهني، فِعْلَاً، لأني لا أميل لهَذِهِ الـ “مَشرَعة”؛ لستُ أملُك مشروعاً أدبيَّاً، إنَّما أكتُب و لست ضد النَّشر.

(كتابات)هل يجد الكتاب في بداية طريقهم دعما لديكم؟

  • هَل تنتَظِرُ الكِتَابة دَعمَاً؟ هذا ما أتَسَاءَل عَنْه؛ لذا لا أعلَم إذا كانوا يجدون، هذا يًنْطَبِق على الرؤية الفردية للكاتِب؛ و لا أعتَقِد أنَّ لَديَّ ما أدعَمُ بِهِ كاتِباً.

(كتابات)  ما هي روافد تكوينك الفكري والثقافي والكتاب الذين أُثروا بك؟

  • هذا سؤال يصعب الإجابة عليه ببساطة، إذ أنَّ المرء يتصل بالعالَم، في مختلف درجات وعيه، ويمتلِك مواقفَهُ، ليس بمعزلٍ عن الاختلاف، إن المطالعة، تدعم تدريب الكتابة بلا شكٍ، لكنِّي لا أفهم أن “تحسِّن” بقدر ما هي “تؤثِّر” أحياناً خصْماً على الفضاء التأملِي الحر للانفعَال بالعالَم. في الوَاقع أميل لتدريب “عدم التأثُّر بكاتب”، بأن أكون قارئ من أعجَب بكتابِه. أمَّا تدريب امتلاك اللغة، المفردة، التصاريف و الجُمَل، فاجْمِلي بتصفُّح المعاجِم.

(كتابات) ما هي في رأيك الملامح التي تميز الأدب السوداني عن غيره من أدب في باقي البلدان العربية؟

  • إذا عَنَتْ “تميُّز”، اختلاف، فلابد أن يكون اختلاف الثقافة الشَّعبية والتي تخفت إذا رأينا “الأدب” هو نتاج “انفعال المَرء، بالعَالَم” فهو لا يتأثّر إقليميا فحسب، بل العالم و الوجود كَكُل؛ مرَرْت بهذا في رَكضٍ سابِقٍ خلفَ “مصير الاستعارة” حيث المكتوبة (موحية، و لها تأثيرها النَّفسي، كما يمكنها تجريد ليس فقط المفهوم من الوقت، و إنما من الانتماء نفسه، لتعدَّه للحكمة، حين تقع بين أيدي كاتب خلَّاق. بيد أنَّ الجري خلفها و استنساخها، بعيدا عن وظيفتها الأصيلة وسحرها التأثيري، قد ينسف العملية الإبداعية، شرّ نِسْفة).

 

(كتابات) في رأيك لما لا يتجاوز الأدب السوداني حدود البلاد إلا فيما ندر؟

  • لأسباب تختلف ما بين داخلي- ما يعانيه الكاتب نفسه- و خارجي رؤية الخارج للكاتب؛ لا أذيع سِرَّاً أن قلتُ أن “التصفِية” أو “فرصة النَّشر” اللتان لابد منهما إذا فكرنا بـ “حدود البلاد”، مما تفعلان،  تجنيان على الاتصال الإبداعي ككل، وهذا من مصير الأدب في لحظات التداوِين؛ ما أشرتُ إليه بـ “مِشْرِعَة” في الأسئلة السَّابقة، التي تفضَّلتِ بها. مما أحبَبتهُ في بعض أجيال الكتابة، في بلادي، هُوَ الخروج على المِشروع نفسه (بمعانيه المختلفة)، إذ لا تنحصر لحظة الإبدَاع في “رسالية” الأدب، و إنما تُختبَر لحظاتُ وجودٍ في الاتصال به؛ ذلك الخروج على (ما وصفه النقَّاد في العالم و أطلق عليه مسمى “الاستعارة الميتة”، بـ “استهلاك الدلالة” في تكرار اختبارها بالتبني والنسخ)، إلى التماثل للأكثر حرية.

(كتابات) ما هي أحلامك وطموحاتك ككاتب؟

  • أن يظل “ذلك” الاتصال يَنْصَعِق بما لم يَحدُث بَعد، في الكِتَابة؛ كَذا يكون حياً يتعدى وصفه الموضوعي، بل وأبعد من ذلك، نمط المنتج نفسه، و كذا علائقه وتوابعه من النظريات النقدية والتي تقترح “حركة ما” يُطرِؤُها الواقع الإبداعي بأزمته الملازمة، أزمة أن النَّقد لن ينوَجِد إلا في لحاقة الآبِد بالنتَاج و ليس العَكس، كما جَري أيضاً في “مصير الاستعارة”، بأنَّه مهما سبقَت أو سُبقَت اللغة، في عملية الإنتاج الأدبي و في الإبداعي، فإنها ضرورة، أو على الأقل لن نختلف على ذلك إلى هذا الحد، الذي يعطينا الحق في محاولتها، أدواتها و أحابيلها.

نصوص لياسر الغالي..

 

لأنِّي عَدمٌ يَنْهَارُ

على ذنبِي مَسْدة كتابٍ

تتهَجَّأَهُ رُضُوْضُكَ

و طُيُوفِي

رَنِينٌ سَائِلٌ في مَفَاصِلِ اليَأْسِ

عَبَثي جَدْوَايَ،

و طُعْمُكَ “اللُّوْلِيَّة”

(بينَ مَنديلٍ و حانةٍ

عَرَقِي حُروبٌ ذَوْبَانَةٍ)

فَوْقَ فراسِخِ السُّلالَةِ مِنْ شَئٍ

ما بينَ هجينٍ فِي حرْبِكَ، و وَحْدٍ في قَتْلي

كَفُّ ألهٍ تَمَادى

شارِعاً في صَوْتي

لأني سماءٌ هيمانٌ

ريشِي تحْدِيْقٌ فائحٌ

في حديدِ العِصْيَانِ

***

كان

صًوْتَاً نابضاً في الكافتيريا،

و كَانَت

أرجوحةً تترنَّحُ بين حوَاجِبِ الأحجيات

كان يلوذ بالظل

في “المحطة الوسطى”/ “إفريقيا الدنيا”،

كَانت بينَه تتمادي في التحليق،

بينما الريش محدِّقٌ في كُلِّهِ

كانا لغتانِ مسدلتانِ على وَرْطَةِ المَكانِ

بينمَا المكانُ مُستغْرِقٌ في المُمْكِن

كَانت طَليقةً كَصِّنارةٍ

و كَانَ مؤاتِيَاً كخَيْطِ

كانَت تُحْدِثُ براثِنَها في الفَقْدِ

كانَ يطفو على سِكِّينة الألَم

(بلا جَسَد يُسامِخُهَا، تأكُلُ رُوحَهُ مِن خِلاف)

كَانَت تغُوصُ هامِسةً

“أقل من نَهْرٍ / أكثر من انفلات”

كانَ يَتخيَّط، بالهَمسِ

شَارِعاً في اللَّحْمِ

و الاِنْفِلَاتِ

***

الخميس:

أَحْصى الكُمْسِاري يديهِ

للمرةِ الرَّابعة،

و احْتَفَظَ هذه المرَّة،

بقميصٍ إضافِي،

لَمْ يَعْلَم،

إن محبوبَتَهُ أحبت كثيرا،

لَونَ السَّبَابِ

على قميصِهِ الرَّمادي،

و لَم تعلم هي،

إنَّما أحبَت

الرَّمادي الأعَمّ،

الذي في عَيْنِه الثَّالِثة،

و ألصَقَهَا عَلَى البَابِ.

أحصى يدَيهِ،

لأَّنَّها اختَلَطَتْ

بِهَوَاجِس الرُّكَّاب.

الأربِعاء:

لا زالَت، علِيْهَا

آثارُ أسنَانِ البنْتِ

ذات اللَّهَب الكَسُول،

و تَضْحَك

هذا – عادة – ما يَجعلكَ

تتحسَّس كيس السُّعُوْط،

أو تهِم بكَلام

تُنسيكَ إيَّاه،

بلُوزتُهَا الثَرثارة.

السَّبْت:

تتعَلَّم فيهِ

الأكاذيْبُ بَراءَتَهَا

و العَالَمُ عَدَمَهُ

و تَتَعلَّم الكُمْسَارِيَّة

أن الأحْلَى هوَ

الأصْدَف

الاسْبِعَاء:

سيقول بائِعِ المَناشِفِ:

أَنا المَخرجْ

مَحَطَةُ الوَقُوْد:

هُمُ الحَياةَ فِي زُهْدِهَا الغَشيْمِ

و يَشْرَبُوني

أتِنَيْه:

هَا

الكَنَبَة:

هَذا الفتى،

تَرَك علَيَّ أطالِسَاً مَجْنونةً

و البِنْتُ ماءً عَزِيْزاً

النِّشِيْشِيْبَة:

ضَحِكٌ متكلِّسٌ

على شِفاهِ “الجَزِيْرَة”

مِيْدَان جأكسُون:

كُنتُ أعْلَمُ

أنَّ يَوْماً مَا

سَيَنْشَف الأمْر

و أعْبُرُ

***

مراتب للأنسِ لمَّا تُسَمَّ بعد

المحاولة التي حين يدركها الوَحل، تصير شكلاً

الفِهرسُ: نبرة، تقود إلى محلِّها على فراغ الغابة الحبيسة بين يدي النَّاهِب.

هي – طبعاُ-.الكِتاب

الحاشية: مختبئة نكايةً، لا خوفاً، لجموحٍ،  في خيال الفَّخ.

المداخل و الأبواب: أيضاً مُحتجبة، لاختلال في الاسم.

ثمَّة متاهة، نافذة، و بعض تقدير

تقدير ثانٍ

مرصَدٌ مٌلتَبِسُ

مُقادٌ

بسطوةِ السِّر الأعظَمِ

لِلمَتَاهَةِ

في تداوينِ الشَّكْلِ

ضياعُهُ البَّهي

اضطرابُ جُجَّةٍ

في شقاءِها

إذا مسَّها النَّقاء

بالخسوف الكُلِّيّ،

قَضَتْ، فأكتمَل

تقديرٌ  لا يُبصَرُ

في رعدةِ الحَدْث

مُخطِئً ذاتَهُ

مُصيباً الغوايةَ

التي تَحُفُّ العَدَدْ

“الوهلةُ من خلْقِها

المادةُ للخلودِ”

سرٌ مُطفأٌ

يمدّ اختلاقاً، ما

تقدير آخر، هو المحاولة، التي حين يدركها الوَحل، تصير شكلاً!

الكلُّ صوتٌ هنا

ما لكلمةٍ من سطوةٍ

أنا معناك

يا إمام العرَق

ضحكك المشتط

وردتك السريّة

تمنحُ الأناقةَ الممنوعةَ

قصدَك اللقاءِ

انتباهُكَ

–  قيلولة العابرين –

انتباهُ التي جالستَها مرّةً

– قلتَ:

 

“غنِّي”-

نثرت من ردائِها

شتائمَ حلوة

للكون الأزلي

.. .. ..

انسخني

انسخِ المكانَ

لا تبالي ثرثراتي

ستنسخُ بدورِها

الكمالَ الصَّامتَ

في الطفولةِ، المطلقة

لا على شئٍ

لا على عثرة اللغة

التصايُحُ الأكبرُ، لمادَّتِك

يا مريدَها الأمين

النَّص

برهةُ الإغواءِ

فجاءةُ الشيخوخة

سمِّها رسالةً،

سمِّها ريحاً،

سؤال طيَرانٍ

لأغصانٍ تختزل شكلَها للمودَّة

و المودةُ مخطئةٌ

في اختزالِ الغصونِ

لو غفا الوقت برهةً

لانعتقت الألوان عن أسمائها

و المحنة عن ذاكرتِها

نحن عنَّا

عن اعتراف

السنين

في غفوة الوقتِ

مراتب للأنس لمَّا تُسَمَّ بعد

تُثْقِلُ أحباراً بكماءَ

يدلقُها “القصدُ المرتجفُ

اللَّاهثُ للكمال”

يروِّجُ البريقُ ما يروِّج

في نبرةِ الودِّ

حشرجاتُ الزَّمانِ الدؤوب

تروَّجُ الدروبُ

في غمرة السَّيْل

إلى كل جهةٍ تدحرجت

مجازاتٌ،

أكوابٌ،

إدّعاءاتٌ،

مواكبٌ،

اهتراءات

أيام، أيام

إلى مقام العويل

يرٍوَّجُ السؤالُ

في الذي يرٍوَّجُ فيه

ابتعاث الأَحابيلِ

كَّلّك وقتُ، مخاتلُ

كلُّك أرضٌ

مُخَيَّرَةٌ في رواجِها

كُلِّي صوتُ

للرَّواج الأسير

أحدنا على الآخر

يشافِهُ في الصَّمت

حدوثاً أخيرْ

لا زعم لليلٍ

سوى الصّوت

دوِّيُ الكلام، لا كيفهِ

 

كلما أنجز البنّاؤون أغنية

تجفل الأشكال

من رنين الهندسة

التي إذْ تسَّلقُ شَعرَها

حين ينفخه الهواء

تدرك سرّ العدم

لا واثقة من المعنى

و لا منَّا

كنافذةٍ

تصغي للمشاحنات العنيدة

للعناد

الذي لم يروّض بعد بالأمل

خفيفاً

في فسيح اليأس

“أرقُّ آدمي، له نفخةٌ واحدةٌ

– يستِرْسَلُ الغيبُ

مخفياً أقلامهُ

مبتسما، للعدَم-

في إصغائهِ للسِّحْرٍ

 

آلّتْ ملائكةُ التَّوَهانِ

لشكلِ الذي يُريد

لكن هذيان الدمِ إلى الدمِ

لا حاجة له لاشتكال اللغة

في جدال العُجْم

حبٌّ مستترٌ”

ياه، يا إله!

الذي سوّى الخصيصةَ

ثم أتلفها

بالبريق الطيني

مَرصَدٌ مُلنَبِسٌ

لكلِ إشارةٍ

في وَحْدةِ

العاصفة.

*  “كِتابِ السَّابل”

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة