إعداد/ مصطفى صلاح
تفاؤل حذر يسيطر على القيادة الإسرائيلية فيما يتعلق بإمكانية الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وعلى الرغم من التلميحات الإسرائيلية من جانب وزير الاستخبارات الإسرائيلية “يسرائيل كاتز”، بأنه لا يوجد تخمين عام حول هذا الأمر، إلا أن هناك العديد من المسئولين الإسرائيليين الذي أكدوا على ذلك، حيث تم عرض هذا الاتفاق على الإدارة الأمريكية بكافة مستوياتها بما في ذلك محادثة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها في الثمن من مايو/ أيار 2018، وأن هذا الأمر على مائدة الأمريكيين والإسرائيليين معًا.(1)
تصعيد إسرائيلي إيراني
كان إعلان الجيش الإسرائيلي في 10 فبراير/ شباط 2018م، اسقاطه طائره إيرانية بدون طيار، مؤشرًا على حالة التصعيد بين إيران وإسرائيل، وهو ما يؤكد أن العديد من القوى التي تتصارع فوق الأراضي السورية يمكن أن تتقاطع وتسهم في اندلاع مواجهة كبيرة في الداخل السوري.
وعليه قامت إسرائيل بقصف العديد من المناطق والمواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، حيث استهدفت مطار التيفور العسكري في 9 أبريل/ نيسان 2018م، والذي أدى إلى مقتل أفراد الحرس الثوري الإيراني، في حين أصابت نيران من داخل سوريا مقاتلة أف 16 إسرائيلية وأسقطتها، بعد أن قصفت أهدافًا إيرانية في سوريا.
كما توالت الدعوات الإسرائيلية للمجتمع الدولي بالتصدي لمساعي إيران في المنطقة، وزعزعة الاستقرار، في إعلان منها عزمها منع إيران من إقامة قواعد عسكرية أخرى يمكن من خلالها تهديد إسرائيل ومهاجمتها، من خلال محاولة ترسيخ وجودها العسكري في سوريا أو بناء مصانع للصواريخ في لبنان.(2)
إسرائيل وحماس
على الجانب الآخر، قد يقوم نتانياهو ببعض الترتيبات الداخلية أو مع حماس في قطاع غزة، بعض تلك الإجراءات قد يقلل الضغط على حماس، في مقابل تعهد حماس بوقف كامل لإطلاق الصواريخ وحفر الانفاق التي من خلالها يهاجمون إسرائيل وعودة جثث الضحايا الإسرائيليين والمدنيين الذين تحتجزهم حماس.
يأتي ذلك على خلفية إدراك نتنياهو أن موجات الفلسطينيين التي تفرض السياج على طول واجهته الجنوبية تجعل من الصعب على الإدارة الأمريكية أن تواصل دعمها الكامل والصارم لإسرائيل. ردًا على ذلك، ترغب حكومة نتنياهو في قطع شوط طويل باتجاه ترامب من أجل الحصول على دعم دائم وشامل على طول الجبهة الشمالية، التي تعتبر حسب نتنياهو، جبهة إسرائيل الحقيقية والتي تشمل مرتفعات الجولان.
مرتفعات الجولان.. عمق استراتيجي
ظهرت هذه الفكرة بداية مع “زفي هاوسر” الذي كان يعمل سكرتيرًا لرئيس الوزراء نتانياهو في الفترة من 2009 إلى 2013، وكانت رؤيته تتمثل في أن مرتفعات الجولان تمثل 1% فقط من الأراضي السورية وتسيطر إسرائيل على هذه المنطقة منذ أكثر من 50 عامًا، وبالفعل تم تطبيق القانون الإسرائيلي على مرتفعات الجولان لمدة 36 عامًا منذ 1981، ويعتقد “هاوسر”، بأن سيطرة الإسرائيليين على الجولان لأبد وأن يكون الخيار الوحيد بل الخيار الأفضل من سيطرة تنظيم داعش أو إيران.
وعلى ذلك أقترح “هاوسر” هذه الفكرة خلال العامين الأخيرين من إدارة الرئيس الأمريكي السايق باراك أوباما، وعبر عن ذلك الفريق الأمني بقيادة الجنرال “جون ألين” بالعمل مع نظرائهم الإسرائيليين لتوضيح المصالح الأمنية لإسرائيل ، قبل صياغة “خطة أمنية” أمريكية، كما اقترح “هاوسر” أن عملهم يجب ألا يتوقف عند الجزء الجنوبي من مرتفعات الجولان حيث تتلاقى حدود إسرائيل وسوريا والأردن، لكنها تتجه شمالًا؛ حيث تعتبر هضبة الجولان مصلحة استراتيجية إسرائيلية من الدرجة الأولى.
في وقت لاحق، وبعد أن وقعت القوى العالمية على الاتفاقية النووية مع إيران، اقترح البعض على نتنياهو أن يضع حدًا لحملته الشخصية ضد الاتفاق ويصل إلى “صفقة” مع الأمريكيين بدلًا من ذلك على أن يكون أحد مكونات هذه الصفقة هو اعتراف أمريكي بضم إسرائيل مرتفعات الجولان.
الانسحاب الأمريكي وفرص الاتفاق
بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني مؤخرًا، كان من المنطقي والضروري بالنسبة لإسرائيل أن تركز على صفقة الجولان ومحاصرة إيران في سوريا، خاصة وأن الهجمات الإيرانية على إسرائيل كانت تركز بشكل أساسي على مرتفعات الجولان، وعلى الأقل يمثل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي فرصة ذهبية لإسرائيل والتي من غير المرجح أن تكرر نفسها مرة أخرى، لقد ألغى ترامب الاتفاق النووي، رغم أن إيران كانت دقيقة في الوفاء بجزءها من الاتفاق، وهو أمر لم يسبق له مثيل. ولهذا السبب سيكون من الممكن توقع شراكة ترامب مع إسرائيل حول قضية الجولان.
ويرى “ريتا كاتز” وهو سياسي إسرائيلي يعمل حاليًا عضو في الكنيست عن حزب الليكود ومنصب وزير النقل ووزير الاستخبارات والطاقة الذرية، في مقابلة مع رويترز في 23 مايو/ أيار 2018، أن هناك فرصة جيدة بأن يعترف الأمريكيون بجولان إسرائيل كأراضي إسرائيلية ، وأن هذا سيكون ردًا قويًا على إيران وجهودها لإقامة جبهة ضد إسرائيل في سوريا. وبحسب كاتز، فإن مثل هذه الخطوة من شأنها “معاقبة” العدوان الإيراني وإرسال رسالة واضحة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، الذي سمح لإيران بتحويل بلاده إلى قاعدة لعمليات ضد إسرائيل. كل هذا من شأنه أن يعزز قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها.
كما أن الرئيس ترامب يدرك أهمية العمق الاستراتيجي فيما يتعلق بإسرائيل، وإن مرتفعات الجولان هي عمق استراتيجي حيوي في الاشتباك الأخير مع القوات الإيرانية حول مرتفعات الجولان، حيث أطلقوا 32 صاروخًا على إسرائيل، لكن أربعة منهم فقط سقطوا فعليًا في الأراضي الإسرائيلية والذين تم إسقاطهم بواسطة نظام، الدفاع العسكري المضاد للصواريخ Iron Dome، في حين معظم الآخرين سقطوا في الأراضي السورية. فماذا كان سيحدث لو تم إطلاق هذه الصواريخ من هضبة الجولان بالقرب من بحيرة طبريا على البلدات والقرى الإسرائيلية في الجليل.
وعلى ذلك، تأمل إسرائيل في الحصول على اعتراف أميركي وفق استنادها إلى حقيقة أن سيطرة إسرائيل على مرتفعات الجولان لا تنطوي على احتلال شعب آخر كما يحدث في الضفة الغربية أو كما حدث في غزة مع ملايين الفلسطينيين، حيث تعتقد إسرائيل أن الوضع الحالي في سوريا والجمع بين الظروف الحالية هو لصالحها ويخدم أهدافها المتمثلة في اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان.
الموقف الإيراني
تعتمد قدرة إيران على البقاء قرب حدود الجولان إلى حدّ كبير على روسيا، التي توفّر غطاء جويًا وقدرًا من الردع لإسرائيل. لكن، وكما يبدو الآن، إذا لم يرغب الروس بأن تهدّد إيران إسرائيل من الجولان، ستجد الجمهورية الإسلامية صعوبة جمّة في البقاء هناك.
على الجانب الإسرائيلي، فإن تل أبيب عازمة على منع إيران من استنساخ تجربتها في جنوب لبنان مع حزب الله في الجنوب السوري، بالنسبة لروسيا، فإن بقاء النظام السوري معتمدًا عليها يصب في مصلحتها وقدرتها على تحريك الأمور فيما تراه يناسبها، وليس وجود إيران الحليف القوي للنظام السوري، مما قد يدفع إيران إلى عدم البقاء بعيدًا عن تلك الحدود، لكن سياسة القوة والتوازن العسكري يشيران إلى أنه سيتمّ إبعادها بالفعل، سواء من جانب روسيا أو جانب إسرائيل أو كليهما.(3)
وتتمثل الأهداف الإيرانية الرئيسية في سوريا الاحتفاظ بموقع عسكري متقدم ضد إسرائيل، وأن التخلي أو إبعاد إيران عن منطقة الجولان سيمثل انتكاسة قوية لطهران، خاصة في ظل توقيع الاتفاق الروسي الإسرائيلي حول إبقاء إيران وحلفائها بعيدًا عن الجولان.
إن هذا الأمر لا يغيّر حسابات طهران طويلة المدى والمتعلّقة بقيمة استثماراتها الاستراتيجية في سوريا، فإيران تعرف حق المعرفة أن رياح المصالح الروسية والإسرائيلية والأميركية والسورية تجري بما لاتشتهيه سفنها. ومع أنها ستحترم قواعد اللعبة الجديدة في المدى القصير، إلا أنها ستواصل لعبة النفس الطويل وترسّخ وجودها أكثر فأكثر بسياستها البراجماتية.
إجمالًا: يشهد الجنوب السوري صراعًا حادًا بين إيران وإسرائيل في فرض إمكانية السيطرة على هذه المنطقة، فالنسبة لإيران تمثل هذه المنطقة بمثابة ورقة ضغط كبرى على إسرائيل بسبب قربها الجغرافي من إسرائيل والتي من خلالها تمثل تهديد مباشر لأمن واستقرار إسرائيل أهم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
بالنسبة لإسرائيل، فإنها لا تريد استنساخ تجربة حزب الله في الجنوب اللبناني، الذي يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها وتعمل على تعزيز تواجدها في مرتفعات الجولان بالتعاون مع روسيا والتي تمتلك خيوط اللعبة داخل سوريا وبدعم من الولايات المتحدة.
المراجع:
)1) Ben Caspit, Israel pushes US to recognize Golan Heights sovereignty, 28 may 2018, https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2018/05/israel-syrian-iran-us-donald-trump-benjamin-netanyahu.html
(2) مصطفى صلاح، مستقبل سوريا في ظل التصعيد العسكري الإيراني الإسرائيلي، المركز العربي للبحوث والدراسات، بتاريخ 24/أبريل/2018م، على الرابط: http://www.acrseg.org/40711
(3) مايكل يونج، هل ستقبل إيران بإبعادها عن حدود الجولان في سورية؟، معهد كارنيجي، 7 يونيو 2018، على الرابط: https://carnegie-mec.org/diwan/76549