9 مارس، 2024 2:07 ص
Search
Close this search box.

أثر الصراع السياسي في جنوب السودان على دول الجوار بالتطبيق على حالة السودان

Facebook
Twitter
LinkedIn

إعداد الباحثة : نورهان عبد الحليم

الأهمية العلمية للدراسة:

يمثل جنوب السودان نقطة تقاطع مصالح بين الولايات المتحدة و بعض الدول الأوروبية و الصين ، بالنسبة إلى الولايات المتحدة يمثل جنوب السودان أهمية خاصة من الناحية الجيوستراتيجية خاصة بعد إنشاء القيادة العسكرية لأفريقيا أفريكوم بالإضافة إلى أهميتها الاقتصادية التي تكمن في منابع النفط و التي تسعى إلى السيطرة عليه و إن تدهور الأوضاع في هذه الدولة سيكون له تداعيات سلبية على مصالح و مخططات واشنطن في المنطقة برمتها ، وأيضا تمثل جنوب السودان أهمية خاصة و كبيرة بالنسبة للصين التي تعتبر من أهم االشركاء التجاريين لجنوب السودان و التي تؤمن من خلالها 5% من احتياجاتها النفطية و أيضا تخوفات دول الجوار من انكماش حركة التجارة مع جنوب السودان و تردي الأوضاع الاقتصادية و الأمنية لهذه الدول و تخوفهم من نقل الصراع إليهم و عودة العمالة التابعة لها هربا من الحرب و التخوف من نشاطات الجماعات الارهابية و خاصة جيش الرب للمقاومة مستغلا حالة الخوف في جنوب السودان و بالنسبة لمصر فإنها تمثل العمق الاستراتيجي لمصر خاصة في الملف المائي و التخوف من تدهور الأوضاع و انزلاق إلى حرب أهلية شاملة دون إحراز تقدم في ملف التعاون المائي مع جنوب السودان مثلما حدث من قبل عندما توقف العمل في مشروع جونجلي عام 1983 .

 

المشكلة البحثية :

 

أدت التوترات السياسية بين القادة الرئيسيين في السلطة و الانقسامات و الصراعات الإثنية إلى مخاوف م انزلاق جنوب السودان إلى حرب أهلية تستعصي على الحل السياسي ، و امتدت المخاوف إلى دول الجوار الجغرافي ، التي اعتراها القلق من التداعيات السلبية للصراع على استقرارها السياسي و الأمني خاصة أن الجنوب يشترك في حدود طولها 5400 كم مع ست دول أخرى هي السودان ، و إثيوبيا ، و كينيا ، و أوغندا ، و الكنغو الديمقراطية ، و افريقيا الوسطى و هو ما يزيد من مخاطر عدم الاستقرار فيها ، في ظل تدفق موجات اللاجئين من جنوب السودان إليها ، و تأثر حركة التجارة على الإقليم برمته .

 

و من هذا المنطلق كان لزاما على هذه الدراسة أن تطرح تساؤلا رئيسيا و هو:

 

إلى أي مدى أثر الصراع السياسي في جنوب السودان على دول الجوار بالتطبيق على حالة السودان؟

 

و للإجابة على التساؤل الرئيسي للدراسة ، يتطلب ذلك وجود عدة أسئلة فرعية منها :

 

ما هي طبيعة الصراع في جنوب السودان؟

ما هي تداعيات الصراع في جنوب السودان على دول الجوار؟

هل للنفط دور في تصاعد الصراع في جنوب السودان؟

ما هو موقف المجتمع الدولي إزاء الوضع في جنوب السودان؟

 

مقـــدمـــة:

 

جمهورية جنوب السودان هي إحدى دول القارة الإفريقية.حيث خرجت إلى حيز الوجود رسميا في التاسع من يوليو 2011 بعد انفصالها عن السودان ، بموجب الاستفتاء الذي جرى في التاسع من يناير 2011 ، و أعلنت النتيجة في 7 فبراير 2011 ، لتقرير مصير أبناء جنوب السودان لصالح الانفصال بنسبة تزيد قليلا عن 98% و تكوين دولة مستقلة ، و جرى هذا الاستفتاء باعتباره استحقاقا لاتفاقية السلام الشامل بين حكومة السودان و الحركة الشعبية لتحرير السودان ، التي وقعت في التاسع من يناير 2005 في نيروبي ، و تولت الحركة الشعبية لتحرير السودان مقاليد لحكم فيها ، بعد ما تحولت من حركة تمرد مسلحة إلى حزب سياسي ، وتحول جناحها العسكري “الجيش الشعبي لتحرير السودان” إلى القوات المسلحة لجنوب السودان ، فيما يتولى سلفاكير ميارديت رئاسة الدولة ، بينما تولى رياك مشار منصب نائب الرئيس . و بالرغم من توالي الاعتراف بجمهورية جنوب السودان ، و تبادل التمثيل الدبلوماسي معها. و انضمامها إلى العديد من المنظمات الدولية و الإقليمية ، و على رأسها الأمم المتحدة و الاتحاد الافريقي و الهيئة الحكومية للتنمية في شرق افريقيا (إيجاد) و تلقيها لأنواع مختلفة من المساعدات الاقتصادية و العسكرية و الإنسانية إلا أن جنوب السودان ظلت تعاني من عدم الاستقرار السياسي و الأمني و الانشقاقات بين الأجنحة المكونة للحزب الحاكم ، و تزايد نشاط التنظيمات المسلحة المناوئة للنظام و استمرار الاقتتال بين الجماعات الأثنية (1) ، و تفاقم الأزمات الاقتصادية و الإنسانية ، لكن أبرز هذه المؤشرات تمثلت في الاشتباكات التي وقعت داخل قوات الحرس الرئاسي في جنوب السودان إثر خلافات داخل الحركة الشعبية (الحزب الحاكم في البلاد) بين جناحي الرئيس سلفاكير ميارديت و نائبه المقال د.رياك مشار في ديسمبر 2013 لكن الاشتباكات تحولت إلى مواجهات واسعة النطاق ، فأضحت هذه الدولة الوليدة ذات التكوين الهش و التي لم تكن قد استكملت بعد بناء نظامها الدستوري و هياكل الحكم فيها على شفا حرب أهلية بما تشكله من مخاطر جمة على الإقليم برمته و خاصة السودان.

 

(1)يضم جنوب السودان خليطا من الجماعات الاثنية.أكبرها المجموعات النيلية التي تمثل 65% من مجموع السكان ، و التي تضم الجماعات و القبائل ذات النفوذ السياسي الأكبر ، فقبائل الدينكا تمثل 40% من الجموعة النيلية و هي القبيلة التي ينتمي إليها الرئيس سلفاكير . و تأتي قبائل النوير في المرتبة الثانية بنسبة 20% و هي القبائل التي ينتمي إليها نائب الرئيس المقال رياك مشار . ثم تأتي قبائل الشلك بنسبة 5% و هي القبائل التي ينتمي إليها كل من باقان أموم ، و لام أكول أجاوين .

 

المبحث الأول: طبيعة الصراع في جنوب السودان

 

المطلب الأول: البيئة و العوامل التي أدت لاندلاع العنف

 

أولا:بيئة الصراع في جنوب السودان :

 

سعى أبناء جنوب السودان نحو الانفصال عن الدولة السودانية اعتقادا منهم في أن الدولة المستقلة هي الالية الأنسب للتحرر بكل أبعاده دون أن يأخذوا في الحسبان المخاطر و التحديات التي يمكن أن تترتب على الانفصال ، في ظل الانشقاقات بين التيارات السياسية الجنوبية ، و الاقتتال بين الجماعات الإثنية و الإفتقار إلى البنية الإقتصادية التي تؤهل الجنوب لكي يكون دولة مستقرة و ناهضة ، فضلا عن هشاشة الدولة و رخاوتها.(1)

 

إذ تعاني الدولة الوليدة من تفشي الصراع و فشل جهود التنمية و انتشار الفقر و سوء الأوضاع ، و ذلك نتيجة لسوء إدارة الحكم ، و عدم قدرة الحكومة على تحمل مسؤولياتها و تبني سياسات تقوم على عدم المساواة و الإقصاء السياسي و الإقتصادي و هو ما يشبه الوضع في جنوب السودان قبيل اندلاع الحرب.(2)

 

إن الأزمات الداخلية في الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش (3)  هي قديمة منذ قدم المؤسسة نفسها .(4)

 

(1) د.أيمنشبانة،<<افاقالتسويةالسياسيةفيجنوبالسودان>>،فيالسياسةالدولية (القاهرة: مركزالأهرامللدراساتالسياسية،ع 204 ،ابريل 2016).

 

(2) د.حمديعبدالرحمنحسن،<<الدولةالهشةوالتحولالديمقراطيفيأفريقيا>>،مجلةالديمقراطية: مؤسسةالأهرام،ع 56،أكتوبر 2014(

 

(3)كان هذا الجيش هو العنصر السياسي و كان قادته هم الزعماء السياسيين للحركة الشعبية حيث يعد العامل الحقيقي لمشروع الراحل جون جارانج ، حيث كان يسميه السودان الجديد لكن تكمن المشكلات في انقسامه العرقي ما بين الدينكا و النوير . انظر د.أماني الطويل ، << تعقيدات الصراع في جنوب السودان>> ، في السياسة الدولية  ( القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية، المجلد 49 ، العدد 197 ، يوليو 2014) ص 135

(4)THE SUDD INSTITUTE, research titled: post – conflict prospects, 3 Aug. 2014.

http.//www.suddinstitute.org

 

حيث للحركة الشعبية تاريخ طويل من الصراعات و التي تمثلت في الاضطرابات السياسية حيث خاضت الحركة الشعبية صراعا مع حركة (أنانيا-3)(1) التي ينتمي جل قياداتها إلى النوير ، حتى تمكنت من القضاء على الحركة و تصفية معظم قياداتها ، و بالتالي كانت المعركة الأولى للحركة الشعبية ضد عناصر جنوبية و ليس ضد نظام جعفر نميري الذي يحكم السودان انذاك .(2)

 

و انتهت هذه الصراعات بتصفية بعض أطرافها و تعزيز قبضة المنتصر فقد اعدم جون جارنج زغيم الحركة الشعبية الراحل كل زملاؤه من المؤسسين للحركة و التمرد الذي انطلق عام 1983 ، و لم يبق منهم إلا الرئيس سلفاكير الذي دخل معه في اشتباك سياسي من قبل كاد يقضي عليه قبيل توقيع نيفاشا في يناير 2005 ، و كان رياك مشار الذي تمرد عليه اليوم الوسيط في التسوية التي أبقت سلفاكير نائبا لجون جارنج فحصل في المقابل على منصب رئيس جنوب السودان و قاد مشار الأنشقاق الكبير الذي شطر الحركة في العام 1991 .(3)

 

فتصدر قيادة فصيل الناصر برفقة لام اكول ، و فصيل توريث بقيادة جارنج . تلى ذلك معارك ضاربة ذهبت ضحيتها الالاف من المتطرفين و انشقاقات عديدة داخل كل تيار نتيجة لتصادم الرؤى بشأن مستقبل الجنوب ، و التنافس على القيادة .(4)

 

(1) الأنانيا هي تكوين عسكري قبلي يختلف كليا عن أوضاع التنظيمات المسلحة العادية من حيث أنها تكوين قبلي و لقد أنشئت هذه الحركة المسلحة على شكل ألوية مستقلة عن بعضها البعض ، فلا ترابط بينها في الأفضية و لا في المناطق المختلفة في جنوب السودان ، و أن كانوا قد حملوا جميعا تعريفا واحدا و هو الانانيا و معناها السم القاتل ، و كان الهدف منها مقاتلة بقية السودانيين الوحداويين و بمعنى أدق قتال المؤمنين بوحدة السودانيين ، و كان كل من يرغب في ذلك عليه أن يتجه إلى الغابات لينضم إلى حركة الأنانيا ، و توجد في كل من أعالي النيل و بحر الغزال . توحدت حركات الأنانيا تحت إمرة العقيد المتمرد ( جوزيف لاغو ) و بالرغم من أنه عند بداية تكوبن الحركات العسكرية الجنوبية المتمردة لم يك واردا على الإطلاق اسم أنانيا فقد قدم عدة اقتراحات لتسميات مختلفة . جيش أزانيا إلا أنه استقر في نهاية الأمر على اسم الأنانيا .

 

(2) د.أيمن شبانة ، <<الحرب الأهلية و مستقبل الدولة في جنوب السودان >>، مجلة الشروق الأفريقية (القاهرة: معهد البحوث و الدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة ، المجلد الثالث ، العدد الثاني عشر ، أكتوبر 2015) ص 27 .

(3) انظر: بحوث و دراسات ، <<جنوب السودان : صراع بالسلاح على السلطة>> ، مجلة قراءات أفريقية .

(4) د.أيمن شبانة ، مرجع سبق ذكره ، ص 37 .

 

لكن إلتأمت الحركة مرة أخرى و قبيل توقيع بروتوكول ماشكوس عام 2002 و بعد توقيع اتفاق نيفاشا في يناير 2005، ازدادت حدة الانقسامات بين الحركة الشعبية و الأحزاب الجنوبية خاصة أن الإتفاق تضمن ترتيبات تتعلق بتقسيم الثروة و السلطة بين شمال و جنوب السودان.(1) فانشق عنها لام اكول بعد ما عرف بانقلاب الناصر و تشكيله الحركة الشعبية لتحرير السودان – التغيير الديمقراطي ، فأغلبها من النوير لكنها ضمت أيضا كاربينوكوانين أحد مؤسسي الحركة الشعبية و سلفاكير الدينكا في مقابل الحركة الشعبية بزعامة الدينكاوي ، جارنج ، و الشيلكي باجان أموم، لتنفجر حرب أهلية جنوبية – جنوبية بين الحركتين و بين القبيلتين الرئيسيتين ، الدينكا مشايعة لـ جارانج و النوير انحيازا لـ مشارا .(2)

 

و دار صراع طويل بين الفصائل الجنوبية نتيجة هذا الاختلاف في شكل و طبيعة الدولة فاق في ضحاياه ما نتج عن الحرب بين الشمال و الجنوب ، إلا أنه بعد سنوات من الخلاف مع جارنج عقد مشار اتفاق مع الحكومة السودانية عام 1997،تمت بموجبه تنصيبه مساعد للرئيس السوداني عمر البشير و مسؤولا عن أقاليم جنوب السودان ، و استفادت منه الحكومة السودانية في صراعها مع الحركة الشعبية، كما استعانت بـ مشار في تأمين حقول اانفط بالجنوب لسيطرة قبيلتهم ،جغرافيا على مناطق النفط .(2) غير أن مشار عاد مرة أخرى إلى جارنج مع بداية الألفية الجديدة و أصبح أحد نوابه ، و بعد موت جارنج اختير نائبا للرئيس الحالي لجنوب السودان سلفاكير.إلا أن طبيعة التكوين الاجتماعي و الدور الذي استأثرت به جماعة الدينكا في جنوب السودان ونتيجة لذلك تجدد الصراع في جنوب السودان.(3)

 

(1) د.أيمن شبانة ، <<الحرب الأهلية و مستقبل الدولة في جنوب السودان >> ،  مجلة الشؤون الأفريقية ( القاهرة:معهد البحوث والدراسات الأفريقية ، جامعة القاهرة ، المجلد (3) ، العدد (12) ، أكتوبر 2015 ) ص 38 .

 

(2) بدر حسن شافعي، << خارطة صراع جنوب السودان و سيناريوهات المستقبل >> ،(دبي: معهد العربية للدراسات ، يناير 2014)

(3) د.نادية عبدالفتاح ، التقرير الاستراتيجي الافريقي ( القاهرة: مركز البحوث و الدراسات الافريقية ، جامعة القاهرة، الاصدارات 2012-2013 ) ص 38 .

 

ثانيا: اندلاع الصراع في جنوب السودان:

 

كان للصراع على السلطة بين رئيس جنوب السودان سلفاكير و نائبه السابق رياك مشار ، الذي أصبح الان زعيم المعارضة المسلحة ،سببا في حدوث مواجهات مسلحة عنيفة في شهر ديسمبر 2013 و لكن تحولت الاشتباكات سريعا إلى مواجهات واسعة النطاق.

 

حيث الصراع الدائر في جنوب السودان هو صراع على السلطة يغذيه إرث الانقسامات و الصراعات الإثنية ، عانى أهلها قبل الانفصال عن السودان من سياسات الاقصاء و التهميش من النظم الحاكمة في الخرطوم و لم تكن هناك اَليات طوعية لإدماجهم في الدولة و خلق هوية مشتركة فيما بينهم ، لذا ظل الصراع هو المشهد الأبرز في العلاقات بين الجنوبيين .

 

و ازداد الوضع تأزما عندما أعلن مشار و باجان أموم في أبريل 2013 عزمهما على الترشح في الانتخابات الرئاسية التي كان المزمع اجرائها خلال عام 2015 ، و هو ما أثار حفيظة الرئيس سلفاكير حيث أطاح الرئيس سلفاكير بكل من رياك مشار و جميع الأعضاء في أكبر تغيير وزاري شهده جنوب السودان منذ استقلاله في يوليو 2013 و في مقدمتهم باجان أموم الأمين العام للحركة الشعبية عقب تصريحات علنية انتقد فيها أموم اَداء الحكومة ، و ربيكا جارنج أرملة جون جارنج مؤسس الحركة الشعبية لتحرير السودان ، و غيرهم من المعارضين كما أحيل عدد من قيادات الشرطة إلى التقاعد . بينما تم اسناد معظم المناصب الحيوية إلى عناصر من الدينكا بحر الغزال و دينكا أعالي النيل .(1)

 

(1) و من العناصر التي تنتمي إلى دينكا بحر الغزال كل من وزير الدفاع كوال ميانق و رئيس أركان القوات المسلحة ، و ثلالثة من نواب رئيس الأركان الأربعة و وزير الداخلية إليو أيانق ، و وزير الخارجية برنابا ماريال بنيامين، و وزير العدل نسيجوى دنغ، و وزيرة الدولة بالمالية و التجارة و التخطيط الاقتصادي مريم ياك ، و وزيرة الدولة بالبترول و التعدين و البيئة إليزابيث جيمس بول ، و وزير الزراعة و السياحة و الثروة الحيوانية مشار دنيق ، و الوزير أوان رياك المبعوث الخاص لرئيس جنوب السودان إلى أمريكا ، و المتحدث باسم رئيس الجمهورية انتوني ديك ،إضافة ألى بعض عناصر من الدينكا أعالي النيل و منهم وزير الإعلام مايكل ماكوي، و وزير الصحة رياك فاي كوك.

 

كما أقيل رياك مشار من منصبه كنائب للرئيس ليتم تعيين جيمس واني المقرب من سلفاكير بدلا منه ، حيث ينتمي واني إلى قبيلة الباريا الاستوائية حيث بدى أنه تهميش لجماعة النوير ، كما أقيل  أموم من أمانة الحركة الشعبية و أحيل للتحقيق بتهمتي العصيان و سوء الإدارة ، و أقيلت ربيكا جارنج بعد تضامنها مع المعارضة.

 

و أظهرت هذه التغييرات معارضة قوية داخل مجلس التحرير للحركة الشعبية و الذي يعد بمثابة هيئة الشورى داخل الحركة. مما دفع سلفاكير إلى الشروع و حل المجلس .(1) و انتقل الصراع إلى المواجهة السافرة في منتصف ديسمبر 2013 ، حيث دعى مشار إلى التظاهر ضده و اسقاطه مما أدى إلى اشتباكات مسلحة بين قوات الحرس الجمهوري التي تدين بالولاء لمشار ، و العناصر الحوالية للرئيس فوقع الاَلاف من الضحايا بين قتيل و جريح و تدفق الاَلاف من النازحين .

 

تسارعت وتيرة العنف لتمتد إلى معظم ولايات جنوب السودان(2) . حيث انضمت ميليشيات تابعة للدينكا إلى صف الرئيس ، بينما تضامنت بعض ميليشيان النوير مع رياك مشار , متخذة من الصراع السياسي مدخلا لتصفية قضايا إثنية قديمة وهو مازاد من خطورة الأوضاع ، و في ظل تنامي احتمالات توقف انتاج النفط هو ما يشكل ضربة جديدة لاقتصاد البلاد.

 

(1) كان هذا المجلس اَنذاك يتكون من 19 عضوا ، منهم 10 أعضاء مواليين لـ مشار و 9 أعضاء يؤيدون سلفاكير ، و هو ما جعل سلفاكير يسعى لحله ، بدعوى مرور 5 سنوات على انعقاد المؤتمر العام .

 

(2) كان اقليم جنوب السودان يتكون في السابق من 3 أقاليم فرعية هي : الاستوائي ، و بحر الغزال ، و أعالي النيل .و لدى الانفصال كانت دولة جنوب السودان تتكون من 10 ولايات هي : غرب الاستوائية ، شرق الاستوايئة، وسط الاستوائية ، شمال بحر الغزال، غرب بحر الغزال ، البحيرات ، و اراب ، الوحدة ،و أعالي النيل.

 

المطلب الثاني:المواقف الإقليمية و الدولية من الصراع و المسارات المحتملة للصراع

 

أولا:المواقف الاقليمية و الدولية من الصراع :

 

1-المواقف الاقليمية :

 

مع اندلاع الصراع ازدادت المخاوف من امتداد تداعيات الحرب إلى دول الجوار، خاصة أن جنوب السودان تشترك في حدود طولها 5400 كم مع 6 دول أخرى هي السودان و اثيوبيا و كينيا و أوغندا و الكونغو الديمقراطية و أفريقيا الوسطى ، وهو ما يزيد من مخاطر عدم الاستقرار فيها ، في ظل التدفق المحتمل للاجئين من جنوب السودان إليها ، و كذا تأثر حركة التجارة في الإقليم ، بالإضافة إلى بعض المسائل الأخرى التي ترتبط بحسابات خاصة لكل دولة على حدى .

 

تعاملت الأطراف الخارجية مع الصراع في جنوب السودان باعتباره صراعا على السلطة بين القوى السياسية في جنوب السودان ، خاصة في ظل وجود نوع من توازن القوى بين فريقي سلفاكير و مشار سواء من حيث التسليح أو حجم القوات أو التحالفات الداخلية و الخارجية ، لذا اتخذت معظم الأطراف الإقليمية و الدولية موقف الحياد بين أطراف الصراع .

 

على المستوى الإقليمي أدان الاتحاد الافريقي العنف المتزايد بجنوب السودان .كما شكل الاتحاد الافريقي لجنة تحقيق برئاسة الرئيس النيجيري السابق أولو سيغون أوبا سانغو ، و كلفها بالتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان في النزاع .و التي شملت الجرائم ، عمليات القتل المستهدف بسبب العرق و التعذيب و الاغتصاب و اجتياح بانتيو عاصمة ولاية الوحدة و ذبح مئات المدنيين المختبئين في المستشفيات و المساجد و الكنائس لكن الاتحاد الافريقي لم يستطع نشر نتائج لجنة التحقيق حتى لا يتسبب في ارباك المحادثات ، و دعى إلى إنشاء محكمة مختلطة من مسؤولين دوليين و مسؤولين من جنوب السودان و قضاة للتحقيق في القضايا الأكثر خطورة.(1)

 

و لم يستطع الاتحاد الافريقي من خلال الجهود المبذولة أن يؤثر على طرفي الصراع . لذا تم تحويل الصراع إلى المنظمة الاقليمية المعنية وهي منظمة ايجاد حيث تتمتع بدعم مادي و سياسي من مجموعة اصدقاء ايجاد ، و في مقدمتهم الولايات المتحدة

 

(1) شبكة الانباء الانسانية – ايرين ، تقرير بعنوان : تأجيل السلام في جنوب السودان يعني غياب العدالة لضحايا الحرب ، 6 مارس 2015 .

 

تسعى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد) و هي منظمة إقليمية تعمل في شمال شرق افريقيا . لاقناع جانبي النزاع في جنوب السودان بتنفيذ التزامات متعددة بوقف اطلاق النار وبدء عملية السلام في محاولة لانهاء الأزمة في جنوب السودان حيث تخوفت دول المنظمة من تأثيراته الوخيمة على قطاع النفط و الأوضاع الانسانية في جنوب السودان ، و امتداد تداعياته إلى دول الجوار.(1)

 

و لذا أسرعت دول الهيئة الحكومية للتنمية في القرن الافريقي (إيجاد) بإيفاد بعثة تضم وزراء خارجيتها إلى جنوب السودان بهدف التوفيق بين أطراف الصراع ، و ارسال قوة لحفظ السلام في جنوب السودان في ابريل 2014 .

 

و بالنسبة لدول الجوار الجغرافي و الاقليمي فقد دعا السودان و كذلك تحالف المعارضة في السودان الشمالي إلى وقف القتال و التفاوض السلمي . كما استقبلت اللاجئين من جنوب السودان على أراضيها.(2)

 

كذلك أبدى السودان دعما لـ سلفاكير ضد مشار ، بغرض الحفاظ على تدفق نفط الجنوب عبر أراضيه و الذي يمثل أحد المصادر الرئيسية للدخل السوداني ، و لمواجهة الاضطرابات الداخلية الناجمة عن تدهور الحالة الاقتصادية ، فضلا عن رغبة البشير في اضعاف الحركة الشعبية المناوأة لحكمه .(3)

 

(1) شبكة الانباء الانسانية – ايرين ، تقرير بعنوان : البحث عن بدائل لجهود الإيجاد في جنوب السودان ، 23 يونيو 2014.

 

(2) د.أيمن شبانة ، التقرير الاستراتيجي الافريقي (القاهرة:مركز البحوث و الدراسات الافريقية ، جامعة القاهرة ، الاصدار التاسع ، 2012-2013 ) ص 56 .

(3) مصطفى سعد ، << جنوب السودان و صراع المصالح الاقليمية و الدولية >> ، جريدة الحياة ، لندن ، 25 فبراير 2014 .

 

و فيما يتعلق بـ أوغندا ، فقد قامت أوغندا بإرسال قواتها إلى جوبا لتأمين المطار و البنية التحتية ، و تمكنت من إجلاء الاَلاف من مواطنيها و غيرهم من الأجانب الذين يمثلون أكبر الجاليات الأجنبية في جنوب السودان كما سارعت أوغندا بإرسال قواتها المسلحة إلى جنوب السودان في مهمة أراد الرئيس الأوغندي يري موسفيني من خلالها إنقاذ حليفه سلفاكير و ملاحقة عناصر جيش الرب للمقاومة التابعة في جنوب السودان .(1) حيث أبدت قلقها من أن جيش الرب للمقاومة قد يعيد تنظيم نفسه في جنوب السودان على غرار ما فعله في أفريقيا الوسطى و جمهورية الكنغو الديمقراطية ، و توجد علاقات وطيدة بين الرئيسين موسفيني و سلفاكير ، و وجود اتفاقات للتعاون الدفاعي بين البلدين ، وتعد أوغندا شريكا تجاريا هاما لدولة جنوب السودان حيث تصدر إليها البضائع من القهوة و الأحذية إلى المركبات و الصلب و لعل ذلك يفسر عدم قدرتها على طرح مبادرات تسوية و الاكتفاء بحضور جولات التفاوض في إطار إيجاد.(2)

 

و فيما يتعلق بـ ‘ثيوبيا فقد استضافت أديس أبابا جهود الوساطة التي قامت بها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد) و كان أول من دعا أوغندا إلى سحب قواتها ، حيث لا تريد أثيوبيا أن ترى فوضى في جنوب السودان على حدودها الغربية خاصة في ظل تعقد الأوضاع على حدودها الشرقية في الصومال خاصة و أن كثيرا من سكان منطقة غامبيلا على الحدود الغربية لإثيوبيا ينتمون إلى نفس العرقية النوير التي ينتمي إليها العديد من أنصار مشار مما يثير تخوفها من تقديم بعض الإثيوبيين الدعم لمتمردي جنوب السودان أو الانضمام إليهم في القتال و من ثم انتقاله إلى الداخل الإثيوبي بالإضافة إلى رغبتها في توثيق العلاقات مع الصومال و جوبا دون الاختراق من جانب اريتريا حيث تتخوف إثيوبيا من أن ترضخ اريتريا لاغراء تسليح المتمردين التابعين لـ مشار خاصة و أن الأمم المتحدة فرضت عقوبات على اريتريا بسبب دعمها للمتمردين في الصومال.(3)

 

(1) شبكة الأنباء الإنسانية – ايرين ، تقرير بعنوان: المصالح الاقليمية على المحك في أزمة جنوب السودان ، 19 مارس 2014.

 

(2) Abraham A.Awolich,THE SUDD INISTITUTE , The Question of Ugandan Troops in south Sudan, WEEKLY REVIEW,4March ,2014.

 

(3) د.أيمن شبانة ،<<الحرب الأهلية و مستقبل الدولة في جنوب السودان >> ، مجلة الشؤون الافريقية ، (القاهرة:معهد البحوث و الدراسات الافريقية ،جامعة القاهرة ، الجلد(3) ، العدد (12) ، أكتوبر 2015) ص 54 .

 

و فيما يتعلق بـ كينيا فقد كانت من المتضررين من الصراع ، لكنها فضلت المشاركة في جهود الوساطة نظرا لوجودها في الصومال 2011 لمواجهة حركة الشباب المجاهدين ضمن بعثة أميصوم حيث يساورها مخاوف من إطالة عدم الاستقرار في جنوب السودان فضلا عن دخول اللاجئين الفارين عبر حدودها ، و يستثمر الكينيون في مجالات الخدمات المصرفية و التأمين و الطيران و البناء والضيافة و المعلومات و الاتصال و النقل و التجارة والتجزئة ، و أيضا عرضت كينيا على جوبا توفير طريق بديل لصادراتها النفطية و بناء طرق و سكك حديدية و خطوط أنابيب من أجل تغذية الميناء الجديد لامو على المحيط الهندي .(1)

 

و فيما يتعلق بـ مصر فقد كثفت تحركاتها الدبلوماسية مع جنوب السودان حيث دعت إلى التسوية بين الأطراف المتنازعة بجنوب السودان و عرضت المشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لاستعادة الاستقرار في جوبا و عرضت مصر اتفاقيات لتعزيز قدرات الجيش بجنوب السودان .(2)

 

(1) شبكة الأنباء الإنسانية-ايرين ، تقرير بعنوان المصالح الاقليمية على المحك في أزمة جنوب السودان ، 19 مارس 2014 .

 

(2) مرجع سبق ذكره ، ص 56 .

 

و بالنسبة للولايات المتحدة ، فقد بادرت بإرسال 45 عنصرا من مشاة البحرية الأمريكية إلى جنوب السودان بهدف إجلاء الرعايا الأمريكيين و الغربيين . كما حذر رئيسها باراك أوباما من اللجوء لإلى تغيير النظام في جنوب السودان من خلال القوة المسلحة و هددت واشنطن بوقف المساعدات الأمريكية إلى جنوب السودان .(1)

 

و طالبت الولايات المتحدة بحدوث تغيير حقيقي يسمح بمشاركة كافة الأحزاب السياسية الجنوبية و المتمردين و المجموعات الإثنية الأخرى في إدارة شؤون الجنوب ، و يمكن تفسير هذا الموقف الأمريكي بالسعي إلى تحقيق الاستقرار في جنوب السودان و بأي ثمن حيث تمثل جنوب السودان مكانة مهمة في الاستراتيجية الأمريكية تجاه أفريقيا من حيث موقعها الجغرافي و الجيوسياسي و مواردها الاقتصادية و على رأسها النفط خاصة في خلال النفوذ المتزايد للصين في جنوب السودان ، لذلك سعت الولايات المتحدة في تأسيس قاعدة عسكرية (AFRICOM) في مدينة بانتيو الغنية بالنفط حيث تحاول الولايات المتحدة العمل على استبدال الاستثمارات الصينية بالأمريكية خاصة و أن الشركات الأمريكية مثل كونتننتال و شيفرون و صن أويل كان لها سبق التنقيب عن النفط في جنوب السودان قبل أن تنسحب منه .(2)

 

(1) د.صبحي قنصوة ، و د.نادية عبدالفتاح(محرران) ، التقرير الاستراتيجي الأفريقي (القاهرة:مركز البحوث و الدراسات الافريقية ،جامعة القاهرة ، الاصدار التاسع،2012،2013 ).

 

(2) صلاح خليل ،<<أبعاد المواقف الدولية من الصراع في جنوب السودان >>،ملف الأهرام الاستراتيجي (القاهرة: مركز الأهرام و الدراسات الاستراتيجية ، 3 مارس 2015 ) .

 

و بالنسبة للصين، فهي تعتير من أهم الشركاء التجاريين لجنوب السودان و التي تؤمن من خلالها 5 % على الأقل من احتياجاتها النفطية حيث دعت الصين إلى وقف فوري للصراع في جنوب السودان ، و تعتبر الصين مستثمر كبير في صناعة النفط بجنوب السودان و قامت بإرسال قوات حفظ سلام في إطار مهمة تابعة للأمم المتحدة لحماية المدنيين و هي مكونة من 700 جندي .(1)

 

و ينصب اهتمام الصين في الجانب الاقتصادي دون الدخول في المعتركات السياسية ، خاصة الصراعات الداخلية .(2) و تدعو الصين إلى ممارسة المزيد من الضغط على طرفي النزاع للوصول إلى حل يعيد السلام و الاستقرار للجنوب .

 

أما دول الاتحاد الأوروبي ، فقد كانت أقل تفاعلا مع الصراع حيث تركزت جهودها في مساعي تسوية الصراع بين الحكومة و المتمردين و قام الاتحاد الأوروبي بإرسال مبعوث خاص من أجل إيجاد حل سياسي للصراع القبلي و طالب بالوقف الفوري لإطلاق النار ، و رغم أن فرنسا لها تأثير قوي في أفريقيا إلا أنها لم تتدخل في جنوب السودان و قام الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات ضد عدد من القيادات الجنوبية للضغط عليها من أجل القبول بالتسوية السلمية.(3)

 

و فيما يتعلق بالموقف الروسي ، دعت كافة الأطراف إلى الوقف الفوري للعدائيات العسكرية و البدء في حوار سياسي و أكدت دعمها لجهود الاتحاد الافريقي و ترى أن فشل المفاوضات يربح باتساع رقعة الصراعات القبطية في منطقة القرن الافريقي .(4)

 

(1) عبدالله عبيد حسن ، <<وساطة صينية في جنوب السودان >> ، جريدة الاتحاد 15 يناير 2015 .

 

(2) تحرص الصين على تقديم نفسها إلى الأفارقة باعتبارها أكبر دولة نامية في العالم و تؤكد دوما أنها لا تلزم الدول الأفريقية بشروط سياسية معينة لدى التعامل مع الصين سوى الالتزام بسياسة صين واحدة ، في ظل عداء الصين التارخي لتايوان.

 

(3) صلاح خليل ، << أبعاد المواقف الدولية من الصراع في جنوب السودان >> ، HORN OF AFRICA ,March 3, 2015 .

 

(4) نفسه.

 

2-المواقف الدولية :

 

على المستوى ، أصدرت الأمم المحدة بيانات تطال فيها الطرفين بالتوصل إلى حل سياسي محذرة من اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق و أدانت أعمال العنف المرتبطة به خاصة مذبحة البانتيو و طالبت بإجراء تحقيق مفصل في هذه الأفعال البشعة و معاقبة مرتكبيها و حذرت الأمم المتحدة الأطراف المتحاربة من تقصيرها في حماية المدنيين و احترام التفاقيات الدولية ، و لم تفرض الأمم المتحدة حظر شامل على صادرات التسلح على أطراف النزاع. (1)

 

(1) هيومن رايتس ووتش، تقرير بعنوان : جنوب السودان : فظاعات واسعة النطاق في هجمة حكومية، 22 يوليو 2015

 

https//www.hrw.org/ar/news/2015/7/22

 

ثانيا: المسارات المحتملة للصراع:

 

يمكن الحديث عن ثلاثة مسارات يحتمل أن يتخذها هذا الصراع ، و هي التسوية السلمية ، و تقسيم دولة الجنوب بين الخصمين ، و الانخراط في حرب أهلية شاملة.

 

المسار الأول ( التسوية السلمية ) :

 

تعتبر ظاهرة الانشقاقات السياسية في الدول الوليدة من الأمور المألوفة ، و ذلك بفعل عوامل عديدة ، أبرزها الافتقار إلى خبرة إدارة الدولة ، و عدم تبلور مؤسسات الحكم و الأحزاب السياسية.بالإضافة إلى كون الصراع بين الجانبين لم يصل لحد التعقد الذي يجعله عصيا على التسوية.فضلا عن أن دول الجوار ليس من مصلحتها استمرار الصراع في الجنوب فهي تتخوف من تدفق اللاجئين من جنوب السودان و كذلك تأثر حركة التجارة في الإقليم و تهديد مصالحها الاقتصادية و وصول الاشتباكات إليها و الصراعات الإثنية بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى غرس مخالبها في منابع النفط و لن تقبل بتدهور الأوضاع خوفا على مصالحها و مخططاتها في المنطقة بالإضافة إلى أن الصين من أهم الشركاء التجاريين لجنوب السودان و التي تؤمن من خلالها 5 % من احتياجاتها النفطية ، و لذلك فمن المتوقع أن تواصل الهيئة الحكومية للتنمية في القرن الافريقي (إيجاد) جهود الوساطة ، المدعومة دوليا و إقليميا و التي بدأتها بزيارة وزراء خارجيتها إلى جوبا و انعقاد قمتها في نيروبي لكي تمهد الطريق اتجاه إجراء المفاوضات المباشرة التي اتفق على اجرائها في أديس أبابا و لذلك فإن نجاح المفاوضات يتطلب ضرورة وقف إطلاق النار و مناقشة الملفات الشائكة التي تتعلق بالأسس الدستورية لدولة، و تقاسم السلطة و لذلك اقترح لام أكول وزير الخارجية السابق بقاء سلفاكير في السلطة مع تشكيل حكومة وحدة وطنية و وضع قواعد عادلة لتوزيع السلطة و الثروة .(1)

 

(1) د.صبحي قنصوة ، د.نادية عبدالفتاح (محرران) م.س.ذ ص 56 – 57 .

 

أما المسار الثاني (التقسيم) :

 

يتطلب وجود نوع من التوازن القوي بين الخصمين خاصة في ظل تباين المصالح بين دول إيجاد بشأن طبيعة التسوية ، حيث يتبادل الطرفان السيطرة على المدن الاستراتيجية و مقدرات الدولة خاصة الثروة النفطية التي يقع معظمها في مناطق النوير مما يتيح لهما الإمكانيات المادية التي تغطي نفقات القتال ، و من ثم فقد تبادل الخصمان بوجود خروقات عديدة لوقف إطلاق النار بين أطراف الصراع . حيث أنه من غير المتوقع أن يستمر هذا الصراع ، حيث يجب الوصول إلى التسوية عبر مائدة تفاوض من خلال وسطاء دوليين و إقليميين قادرين على تنفيذ ما يتم التوصل إليه من اتفاقات ، خاصة أن استمرار الصراع قد يؤدي إلى استنزاف القدرات العسكرية و المالية و البشرية لأطراف الصراع و تحميل الشعب أوضاع إنسانية متردية .(1)

 

 

 

(1) د.أيمن شبانة ، مرجع سبق ذكره ص ص 77-78  .

 

المسار الثالث (الحرب الأهلية الشاملة):

 

ربما يتحقق هذا المسار إذا استمر بتباين المواقف السياسية و تعقد التسوية السلمية ، بالتزامن مع تكون شبكة من التحالفات الإثنية المؤيدة لهذا الطرف أو ذلك ، مما يؤدي إلى اتساع نطاق المواجهات الأمنية لتغطي ربوع البلاد ، فنصبح أمام حالة تشبه حرب الكل ضد الكل ، و مما يعزز هذا الاحتمال أن جماعة النوير ، لتي ينتمي إليها مشار ، تعتقد أنها تخوض هذا الصراع دفاعا عن كيانها المادي و مستقبلها السياسي فـ النوير لم ينسوا أبدا ضحاياهم الذين سقطوا على يد الدينكا حيث ترفض الهزيمة و ترفض الحصول على تعويضات مادية عندما يتعلق الأمر بكرامتها مما ينذر بفوضى من القتال كما أنها لا تريد لـ سلفاكير الذي ينتمي للدينكا أن يهيمن على الحزب الحاكم ، و في ظل التقارير التي تكشف احتمال تدخل ميليشيات تابعة لجماعة النوير الإثيوبية لنصرة جماعات النوير في جنوب السودان و هو ما يعيد إلى الأذهان حالة الصراع في الكنغو و كذلك الصراع في رواندا عام 1994 و الذي شهد أكبر عملية إبادة جماعية في التاريخ الإفريقي . في المقابل فإن القوات الأوغندية لا تزال في جنوب السودان ، رغم أنها أعلنت أكثر من مرة أنها بصدد الانسحاب من البلاد ، لإتاحة الفرصة لتنفيذ اتفاق تقاسم السلطة و في حال حدوث هذا السيناريو الكارثي ، فإن قائمة الخاسرين ستضم أطراف عديدة ، أولها شعب جنوب السودان الذي أصبح الوقود لذلك الصراع السياسي الإثني حيث تنتظره أوضاع سيئة و تدهور الاقتصاد و البنية الاجتماعية و هروب الاستثمارات الأجنبية و سوف تطال أيضا دول الجوار الجغرافي و الإقليمي حيث ستتكبد السودان خسائر سياسية و اقتصادية و أمنية و تدفق اللاجئين و توقف إنتاج النفط و أيضا تطال دول أخرى مثل كينيا و أثيوبيا و أوغندا.(1)

 

(1) د.أيمن شبانة <<جنوب السودان أي مستقبل>> ، جريدة الخليج ، 2 يناير 2014.

 

المبحث الثاني : تداعيات الصراع على دول الجوار

 

المطلب الأول: التداعيات على دول الجوار

 

أولا: التداعيات السياسية و الاقتصادية :

 

ازدادت المخاوف من انزلاق جنوب السودان إلى حرب أهلية تستعصي على الحل السياسي . و امتدت المخاوف إلى دول الجوار الجغرافي ، التي اعتراها القلق من التداعيات السلبية للصراع على استقرارها السياسي و الأمني ، خاصة أن الجنوب يشترك في حدود طولها 5400 كم مع ست دول أخرى هي السودان و أثيوبيا و كينيا و أوغندا و الكنغو الديمقراطية و أفريقيا الوسطى و هو ما يزيد من مخاطر عدم الاستقرار فيها و يتوقع أن تتأزم هذه الدول اقتصاديا بفعل انكماش حركة التجارة مع جنوب السودان و عودة العمالة التابعة لها هربا من الحرب ، كما يمكن أن يشهد شمال غرب أوغندا نشاطا متزايدا لجيش الرب للمقاومة مستغلا حالة الفوضى في جنوب السودان و بالنسبة لمصر فلن يكون بمقدورها إحراز أي تقدم في ملف التعاون المائي مع جنوب السودان مثلما حدث من قبل عندما توقف العمل بمشروع قناة جونجلي عام 1983 و هروب الاستثمارات الأجنبية .(1)

 

و تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه خلال شهر واحد بلغ النازحين إلى دول الجوار نحو 86 ألف شخص ، منهم نحو 47 ألف في أوغندا حيث يعاني اللاجئون من حالة ازدحام شديد في مركز دزيابي للعبور في شمال أوغندا . بالإضافة إلى مشاكل تتعلق بالنظافة و الغذاء و نقص المياه ، وبلغ عدد اللاجئين في أثيوبيا أكثر من 20 ألفا و 9 اَلاف في كينيا ، و 10 اَلاف إلى ولايتين جنوب و غرب كردفان.(2)

 

(1) د.صبحي قنصوة ، د.نادية عبدالفتاح (محرران) مرجع سبق ذكره ص ص 55-56 .

 

(2) بلال عبدالله ، << التداعيات الإقليمية للصراع الداخلي في جنوب السودان >> مجلة السياسة الدولية (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية ، 21 يناير 2014 ) .

 

ثانيا: التداعيات الأمنية لدول الجوار :

 

هناك تخوف لدى دول الجوار من أن استمرار الصراع في جنوب السودان يؤدي إلى انتشار عدوى الحروب الأهلية إليها و بالأخص في منطقة البحيرات العظمى لسهولة انتشار الحروب الأهلية سواء بحكم التداخل و التشابك الإثني بين مجتمعات هذه الدول مثل جماعات النوير في أثيوبيا و صلتها بالنوير في السودان.(1)

 

المطلب الثاني: تداعيات الصراع على السودان

 

أولا: التداعيات الاقتصادية:

 

جدير بالذكر أن السودان قد خسر الكثير من جراء انفصال الجنوب خاصة فيما يتعلق بالثروة النفطية حيث كانت تقع أغلب الثروة النفطية في أراضي الجنوب و نظرا لكون جنوب السودان دولة حبيسة لا تطل على أية سواحل فإن هذا قد جعل السودان هو المنفذ الوحيد لتصدير نفط جنوب السودان .و أصبحت رسوم مرور النفط من الجنوب عبر أراضي السودان تمثل موردا مهما للخزانة السودانية.

 

حيث أدى الصراع الدائر في جنوب السودان إلى تدهور الاقتصاد السوداني حيث تجاوزت الديون الخارجية للسودان 40 مليار دولار و بلغ حجم التضخم نحو 45% مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة و أزمة وقود و نقص السلع و استمرار وقف صادرات النفط حيث فقدت السودان مازيد عن 70% من عائدات النفط و تراجعت قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار بنسبة 13% في عام 2012 مما أدى إلى تردي الاقتصاد و عجز الموازنة و رفع دعم المحروقات مما أدى إلى ارتفاع في الأسعار و اندلاع مظاهرات احتجاجية واسعة في سبتمبر 2013.(2)

 

(1) بلال عبدالله . المرجع السابق .

 

(2) د.نادية عبدالفتاح << تطورات الأوضاع السياسية في السودان>> ، التقرير الاستراتيجي الافريقي (القاهرة: معهد البحوث و الدراسات الافريقية ، الاصدار التاسع ، 2012-2013 ) ص ص 36-37 .

 

ثانيا: التداعيات السياسية :

 

أوجد الصراع على السلطة في جنوب السودان تحديا أمام النظام الحاكم في السودان ، نتيجة فشله في لعب دور تسوية الصراع بين الأطراف المتصارعة في الجنوب ، كما خلف الصراع اَلاف القتلى مما أدى إلى نزوح أكثر من 900 ألف شخص وفقا لتقارير الأمم المتحدة و أيضا أدى الصراع على حقول النفط بولاية الوحدة و أعالي النيل إلى نزوح العديد من المواطنين الجنوبيين مما يحمل حكومة السودان أعباء مالية و إدارية و أمنية حيث استقبلت ولايات النيل الأبيض و جنوب كردفان جموع الفارين من الصراع ، كما شهدت الساحة السياسية السودانية دعوات لحراك شعبي واسع حيث دعت المعارضة للاحتجاج و المطالبة بإلغاء الدستور .(1)

 

 

 

(1) د.نادية عبدالفتاح . مرجع سبق ذكره ص 36 ، ص 39 .

 

خــــاتــــــمـــة:

 

على ضوء التناول السابق للصراع السياسي في جنوب السودان ، تبدواحتمالات تحقق السيناريوهات الثلاثة قائمة. لكن المسار الثاني التقسيم هو الأقرب إلى التحقق ، خاصة إذا نظرنا إلى التحفظات الكثيرة التي ذكرها أطراف الصراع على اتفاق تقاسم السلطة ، و بالتالي صعوبة إنفاذ هذا الاتفاق و تجدد القتال ، و لذا من المتصور أن تستمر حالة عدم الاستقرار في جنوب السودان و صعوبة تأسيس دولة مستقرة حيث تشهد البلاد حالة عسكرة شديدة ، بينما التسوية السلمية تتطلب جهودا متواصلة لخلق هوية وطنية مشتركة تجمعهم ، و تعزيز قيم المشاركة و عدم الاقصاء السياسي و الاقتصادي ، و الالتزام بالدستور و القانون و تقاسم السلطة و و من خلال ذلك يمكن للجميع المشاركة في بناء الدولة و في ظل وجود دستور سوف يتمتع جميع المواطنين بالحقوق و الواجبات الدستورية ، لأنه إذا استمر غياب هوية وطنية جامعة بين أبناء الجنوب و سياسات الاقتصاد فلن تعرف جنوب السودان معنى الدولة مستقبلا .

 

و في هذا السياق فإن استمرار الصراع الراهن في جنوب السودان يفتح الباب واسعا أمام تساؤلات عديدة حول قدرة الجنوبيين على تأسيس دولة مستقرة بعد المخاض العسير لتأسيسها . و يعني ذلك أن اسم جنوب السودان سيظل مقرونا بالصراعات و الحروب الأهلية بشكل مستمر حيث تظل احتمالات العنف السياسي و الإثني تتزايد في حين يتضمن بناء الدولة الوصول إلى حالة السلام الإيجابي أو المستدام و لعل الوصول إلى هذه الغاية يصعب تحقيقها خاصة أن الصراع في جنوب السودان لن يحسم في ميادين القتال خاصة في ظل أبعاده السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و من ثم يجب على النظام الحاكم في دولة الجنوب الاسراع في تحقيق المصالح الوطنية بين أبناء الشعب و هذا يتعين على الساسة في جنوب السودان أن يستوعبوا دروس الماضي ، و أن يأخذوا بنمط تقاسم السلطة مما يتيح للجميع المشاركة في بناء الدولة و الوصول إلى المواقع القيادية .

 

كما يتعين على المجتمع الدولي أيضا تقديم كافة عناصر الدعم و عدم الاكتفاء بمعارضة تغيير السلطة بالقوة و التحذير من الانزلاق إلى الحرب الأهلية ، خاصة و أن تحقيق الاستقرار في جنوب السودان ربما يمر بعملية طويلة الأمد و مكلفة ماليا .

 

قــائـــمة الـــــمـراجـع :

 

أولا: المراجع باللغة العربية

 

أولا: الكتب

 

1- د.إبراهيم نصرالدين ، دراسات في النظم السياسية الأفريقية (القاهرة: دار اكتشاف ، ط 1 ، 2010 ) .

 

ثانيا: المقالات

 

1- مصطفى سعد ، << جنوب السودان و صراع المصالح الاقليمية و الدولية >> ، جريدة الحياة ، لندن ، 25 فبراير 2014 .

 

2- عبدالله عبيد حسن ، <<وساطة صينية في جنوب السودان >> ، جريدة الاتحاد 15 يناير 2015 .

 

3- د.أيمن شبانة <<جنوب السودان أي مستقبل>> ، جريدة الخليج ، 2 يناير 2014.

 

4- مكي معمري ، << المجاعة و القتال يهيمنان على المشهد في جنوب السودان ، جريدة الإمارات اليوم ، 26 أكتوبر 2015 .

 

5- د.أيمن شبانة << جنوب السودان .. قبل أن تسقط الدولة >> ، جريدة الشعب ، 10 أبريل 2014 .

 

6- د.حمدي عبدالرحمن ، << سياسات التدخل الخارجي في أفريقيا .. قضية جنوب السودان (نموذجا)>> ، مجمع الأفارقة ، 28 أكتوبر 2014 .

 

7- بدر حسن شافعي ، << خارطة صراع جنوب السودان و سيناريوهات المستقبل >> ، (دبي: معهد العربية للدراسات ، يناير 2014 ) .

 

ثالثا: الكتب السنوية و التقارير الاستراتيجية السنوية

 

1- د.صبحي قنصوة ، و د.نادية عبدالفتاح(محرران) ، التقرير الاستراتيجي الأفريقي (القاهرة:مركز البحوث و الدراسات الافريقية ،جامعة القاهرة ، الاصدار التاسع،2012،2013 ).

 

2- د.إجلال رأفت و اَخرون <<انفصال جنوب السودان: المخاطر و الفرص>> ، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات ، ط 1 ، يوليو 2012 ).

 

رابعا: الدوريات

 

1- د.أيمن شبانة ، <<اَفاق التسوية السياسية في جنوب السودان>> ، في السياسة الدولية ( القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية ، ع 204 ، ابريل 2016 ) .

 

2- سامي صبري عبدالقوي ، << أزمة الشمال تحديات ما بعد انفصال الجنوب في السودان ، في السياسة الدولية ( القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية ، المجلد (46) ، العدد (186) ، أكتوبر 2014) .

 

3- د.أماني الطويل ، << القابلية للتصعيد:تعقيدات الصراع في جنوب السودان>> ، في السياسة الدولية ( القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية ، المجلد (49) ، العدد (197) ، يوليو 2014.

 

4- بلال عبدالله ، << التداعيات الإقليمية للصراع الداخلي في جنوب السودان >>

المصدر/ مركز الراصد للبحوث والعلوم

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب