19 ديسمبر، 2024 5:54 ص

لا تجعلوا القضاء العراقي قضاء شريح

لا تجعلوا القضاء العراقي قضاء شريح

القضاء هو النور في النفق المظلم، الذي ينظر اليه العراقيين، فحاولوا ابقاءه مستقلاً وابعدوه عن التسيس والتحزب، والا كان كقضاء شُريح قاضي قضاة الكوفة، الذي أفتى بجواز قتل الامام الحسين ابن علي ابن ابي طالب عليهما السلام، بقوله “الحسين خرج عن حده فاقتلوه بسيف جده”، ولا يخفى عليكم ما حدث من جراء تلك الفتوى، من قتل وسبي على آل الرسول محمد الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم، تلك الفتوى التي كانت احد أسباب تفرقة الامة الاسلامية، لكونها سبباً في الهجوم على بيت الله وهتك حرمته, واحراق الكعبة, وإراقة الدماء, وانتهاك الأعراض, وافتضاض البواكر, والى ما لا نهاية من الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، جرى ذلك كون القضاء كان اداة بيد الدّولة الأموية.

اليوم الخشية ذاتها من تسيس القضاء لأبعاده عن الحيادية والاستقلال، لتسلط بعض الاحزاب على تلك المؤسسة، بالإضافة الى وفرة المال السياسي الذي بإمكانه ان يغير مجرى الأمور بالاتجاه العكسي، وحرفها عن الطريق الصحيح فإقحام المؤسسة القضائية في عمل مفوضية الانتخابات خطر كبير يخشى منه.

مفوضية الانتخابات, وقانون الانتخابات, وصفقة شراء اجهزة العد والفرز الاليكتروني وتسريع النتائج، كل ذلك تم التصويت عليه بالأمس من قبل البرلمان الحالي، الذي صوت اليوم بإقحام تلك المؤسسة في عمل مفوضية الانتخابات، من خلال جلسة يعتقد كثيراً من المتابعين بعدم دستوريتها وشرعيتها، لصنع ثغرة جديد للولوج من خلالها الى العملية السياسية من جديد.

الشارع العراقي غدا متخوف بشكل ملحوظ، وبدأ يفقد ثقته في كل شيء، ولَم يبقى أمامه الا القضاء الذي يُخشى عليه من الانجرار خلف الإرادات الحزبية والسياسية، فقرار البرلمان هو عبارة عن سَنْ سُنَّةً سيئة، يسري وزرها الى جميع البرلمانات القادمة، لاستغلالهم لها في كل عملية انتخابات جديدة، لا تأتي بما يتناسب مع اهواء ومصالح الخاسرين.

الخاسرون اللذين أنفقوا المليارات من المال السياسي على دعايتهم الانتخابية، لا يستطيعون الاقتناع بأنهم خارج اللعبة الجديدة، وان الشعب العراقي قال قولته فيهم، فنبذهم وعاقبهم جراء فشلهم على مدى الأربعة عشر عام المنصرمة، فيحاولون جاهدين للعودة بأية صورة او ثمن، ليكونوا من ضمن صفوف الفريق البرلماني الجديد.

الدعوة الى ابعاد القضاء العراقي عن الصراعات السياسية والحزبية، لا تعني ان عملية الانتخابات نزيهة وخالية من التزوير او التلاعب بنتائجها، لكن عدم وجود ضمانات حقيقية تمنع حدوث خروقات جديدة، تجعل البلاد على حافة الهاوية، وتفتح الباب على مصراعيه امام صراعات جديدة، بين الرابحين والخاسرين الأوائل، والرابحون والخاسرون الجدد، ليعلق السياسيين في دعاوى وطعون جديدة لدى المحكمة الاتحادية، حينها لا يمكن ان تنتهي بسهولة، كي تدخل المحكمة الاتحادية في دوامة الصراعات الحزبية، فلعل النتائج الحالية اقل خسائر من النتائج القادمة، التي لا يستطيع أحداً التكهن بها.

من حرق الصناديق خِشيةً من العد والفرز اليدوي، يمكنه حرق العراق من اجل تغيير عدد بسيط في مقاعد النيابية، وهذا سيجر البلاد الى حروب داخلية، لا تنطفئ نيرانها الا بعد فوات الاوان، فمن دعا الى عدم إقحام المؤسسة القضائية في عمل مفوضية الانتخابات، والقبول بالنتائج الحالية، يدرك جيداً ما ستؤول اليه الامور في قادم الأيام، فصلتم مفوضية الانتخابات على مقاساتكم اقبلوا بنتائجها وابتعدوا عن اثارة الفوضى والتشكيك، كي تمضي تلك العملية العرجاء على ما هي عليه اليوم، افضل من ان تقعد لعدة سنين عدة، يمكنها ان تجر الويلات على الشعب العراقي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات