لكي لا نكون كمن يختبأ خلف اصبعه، نقولها بكل صراحة كنا نتوقع ونتأمل إنتخاب المطران لويس ساكو بطريركا على كنيسة بابل على الكلدان. بعد استقالة البطريرك مار عمنانوئيل دلي. التقيت بالصديق الجنرال ميشيل القس دنو مسؤول السابق للعلاقات والإعلام في مطرانية الكلدان في بيروت. وكان ترشيحنا وترجيحنا وأمنيتنا أن ينتخب المطران لويس ساكو بطريركا على كنيستنا الكلدانية. ولا اكشف سرا اذا قلت لعشرات ممن سألوني عن رأي بهذا الموضوع. فقلتها جهارا ارشح واتوقع المطران لويس ساكو بطريركنا الجديد. رغم اجابة البعض أن هذا مستحل فقلت سيفرضه الفاتيكان.
كان توقعنا لاسباب موضوعية أفرزها الواقع السياسي والتاريخي منها:
أولا: المطران لويس ساكو يتشارك مع غبطة الكاردينال مار بشارة الراعي في نظرته الى الواقع السياسي والإجتماعي الحرج الذي تمر به المنطقة ولكلا الرجلين نظرة مشتركة في العيش المشترك مع اخوتنا المسلمين. ويدعوان الى فتح باب الحوار والتقارب على مصراعيه، من أجل فهم وقبول الآخر بصيغة مختلفة عن واقع الحال الذي استمر لقرون. واليوم مصير ووجود مسيحيي الشرق مرتبط ببعضهم الى أبعد حدود. بالأمس تأملنا وتوقعنا لمار بشارة الراعي كاردينالا على الكنيسة المارونية. كما تأملنا، وتوقعنا اليوم لمار لويس ساكو.
ثانيا: تمر منطقة الشرق الأوسط بمرحلة مخاض مشابه الى حدٍ ما بسنة 1912 التي غيرت الخريطة السياسية والعقائدية والديموغرافية في الشرق الأوسط واوربا معا. وإن كانت بأمس مصالح الفاتيكان وتوجهاتها تنسجم وسياسة الحلفاء في حينة. فاليوم نظرة الفاتيكان ورؤيتها تتناقض بل وتتقاطع مع نظرة الدول الغربية حول الوجود المسيحي في الشرق الأوسط.
ثالثا: أيقن الفاتيكان جيدا أنه أخطأ كثيرا عندما سار مع ميول وتوجهات دول اوربا الغربية وأميركا في سياساتها ومخططاتها للعالم بشكل عام وللشرق الاوسط بشكل خاص. فهذه الدول وحكوماتها لم تكن يوما من الأيام تبالي بإلانتماء الديني للفرد أين ما كان. فهمها الأول والأخير كان السيطرة على منابع أكبر احتياطي من البترول في العالم. ولتكن مسيحية الشرق قربان لهذه الهدف. أبتدأ السيناريو في العراق وأمتد الى مصر عبر سوريا ولبنان المقبلين على التغير الذي لا يحمد عقباه.
رابعا: تجاهر بعض دول اوروبا الغربية ومنها فرنسا، في الدعوة لتشجيع مسيحيي الشرق الأوسط للهجرة الى اوربا. لكي لا يتحولوا الى حجرة عثرة أمام ما يخطط له الغرب من الأجندة لشرق الأوسط، وخاصة لجانب تعاطف بعض المسيحيين في أوربا مع معاناة مسيحيي الشرق الأوسط والحرج أمام منظمات المجتمع المدني ذات الطابع الإنساني. فكان هذا الرأي الصريح ناقوس الخطر الذي انتبه له الفاتيكان. من أجل تصحيح موقفه من هذه القضية التي ينظر اليها كجغرافيا إيمانية، وليست قضية تحكمها مصالح اقتصادية حكومية.
خامسا: منذ قرون لم يشهد الفاتيكان مثل هذا الافتراق في نظرته الى الواقع المسيحي في العالم والشرق الأسط مع نظرة حكومات اوربا الغربية وأميركا. بل لأول مرة ربما في تاريخ الفاتيكان تنسجم رؤيته مع رؤية روسيا الى وضع المسيحيين في الشرق الأوسط تحديدا. في احترام خصوصية المسيحية الشرقية. الى جانب تشجيعها ومساعدتها في الحفاظ على وجودها في موطنها الأصلي. ومحاولة ايجاد سبل حمايتها، وديمومتها.
وهنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه. هل سيكون البطريرك ساكو المنقذ لوجودنا ومسيحيتنا وهويتنا في هذه المرحلة؟؟. الجواب بكل بساطة لا.
بل دوره سيكون كدور المفتاح الذي قد يتمكن من فتح بعض الأبواب الموصدة بل والمتحجرة في عقول أبناء أمتنا، وكنائسنا، وما يسمى بأحزابنا السياسية.
إن عرفنا كيف نثّمر ونفّعل إمكانيات هذا الرجل في هذه المرحلة. فقد نجتاز هذا المنعطف السياسي الحرج الذي يمر به الشرق الأوسط بأقل الخسائر. بل قد نتمكن من الحصول على مكتسبات كنا نحلم بها، منها سياسية واقتصادية وادارية.
فاليوم لدينا ثلاثة بطاركة لديهم رؤية واضحة ومشتركة لأمور السياسة، وينبذون المخطط الغربي لإفراغ الشرق الأوسط من المسيحيين. ويتزعمون ثلاثة كنائس مهمة ورئيسية لشعبنا. مار بشارة الراعي على الكنيسة السريانية المارونية، ومار اغناطيوس يونان على الكنيسة السريانية الكاثوليكية. ومار لويس ساكو على الكنيسة السريانية الكلدانية. (سميت الكنائس الثلاث سريانية لغاية في نفس يعقوب كما يقول المثل).
ولكن الأمر الأهم هو أن كل فرد من أبناء أمتنا عليه أن يسأل نفسه ما هو واجبي الذي لم أقم به وعليّ تنفيذه؟
وكلنا مقصرون بواجباتنا لجانب أمتنا وقضيتنا القومية، ولكن الساعة حانت لنحاسب أنفسنا. ونكون ادوات تشترك في تغيير مصير ومستقبل هذه الأمة نحو الأفضل.
[email protected]