17 نوفمبر، 2024 5:18 م
Search
Close this search box.

رنا جعفر ياسين : اللوحة والقصيدة وجهان للشعر في تجربتي

رنا جعفر ياسين : اللوحة والقصيدة وجهان للشعر في تجربتي

الشاعرة العراقية تقتحم عوالم جديدة كانت محظورة سابقا على مخيلتها التي ملأتها ويلات الحروب بالنكب والفقد والخذلان.
 
“للغواية قواميسها.. ولك احتمالات البياض” عنوان الديوان الذي صدر حديثًا للشاعرة والإعلامية والفنانة التشكيلية العراقية رنا جعفر ياسين، وهو الإصدار السابع للشاعرة في مسيرتها الأدبية، هذه المسيرة المتميزة بخصوصية رؤاها وعنفوان تجليات موضوعاتها، وحمل غلاف الديوان الصادر عن دار الأدهم للنشر والتوزيع بالقاهرة لوحة من الحبر من الأعمال التشكيلية للشاعرة.
ويضم الديوان 22 قصيدة، منها “أغويك.. وأقصدني”، “عبأتها خلف جدار الجسد”، “بشدة.. حتى أمتزج بك”، “مثل زغب سيئ الطباع”، “فصول ساخنة”، “مأوى ثرثار لا يصلح للنوم”، وقصائد أخرى، تتجلى فيها شفافية اللغة والرؤية. يقع الكتاب في 120 صفحة من القطع المتوسط , واستهلت القصائد بمفتتح جاء في أول الكتاب وهو النص الذي وضعته الشاعرة على الغلاف الخلفي للمجموعة الشعرية كتعريف بفضاءات النصوص التي كتبتها:
لا تتعجَّبْ ..
الكونُ حليفُكَ
الاشاراتُ تعاويذُكَ التي لا تندمل
إلتحمْ واعتنقها
ما لكَ غيرُ انشراحة المعنى
ومنكَ الاعجاز
تفتحُ السماءُ لكَ أوعيتَها
حَلِّقْ
توَّحدْ
تقدَّسْ.

الديوان يخوض في عوالم مختلفة عن تجارب رنا جعفر ياسين الشعرية السابقة، حيث خرجت فيه من رداء الحرب إلى الكوني والصوفي والذاتي الأنثوي، وبأبعاد نتلمس فيها حس الثورة على كل ما هو كائن وافتراضي في هذا العالم الذي تعيشه الشاعرة.
تقول رنا في قصيدة “بشدة؛ حتى أمتزج بكَ”:
ألعنُ الهواءَ
أخفي تفاحي
لا أمتدُّ
وحينما يخرجونَ
أغمضُ عينيًّ عن القادمين.
يلمسونني بنظراتهم
أتدنًّسُ
وبقتامة ملامحي أغتسلُ
أقطع أنفاسهم
فتمتصني أضلاعك.. تستنشقني
أغفلُ عنهم
ينطفئونَ
ويلتهبُ جنونكَ.

ومن أجواء مجموعتها الجديدة نطلع على هذا المقطع أيضا عن قصيدة “بنكهة دعابة لا تشيخ”: 
   
الماءُ ابنُ السؤال
لا يتمايلُ حينما أداهمهُ بتفاصيلَ لم تتلوَّن
هو مُستوحشٌ كندبةٍ
كتبوا به نواحَ الترابِ بينَ الحياةِ وما بعدَ الحياة..
واقفةٌ..
أسرّحُ كفيّ نحو شمس لا تفترُ
تضاؤلٌ وانخداع.. لا اكتراثُ بهِ
الاندلاع فقط
ما التحليقُ إلا بجرعةٍ تليقُ
وتنهشُ قليلاً
أتبخَّرُ، أقصدُ الأعالي لبَصمِ الغيوم.
الماءُ وريثُ نفسه
والهواءُ حفيدُ الأجساد
كلٌّ ينطقُ بما يَتضخّمُ منهُ.
وقد أكدت الشاعرة أن لديوانها هذا خصوصية كبيرة “لأنني اقتحم عوالم جديدة كانت محظورة سابقا على مخيلتي التي ملأتها ويلات الحروب بالنكب والفقد والخذلان، أردت أن أبحث عن بواعث القوة في الروح ومنها أردت الاتصال بالكون، كان الكون هنا مسرحي الكبير الذي تجولت فيه وتفحصت عناصره، كنت أتساءل واضع إجابات افتراضية تقودني للطريق”.
وأضافت “الغواية التي قصدتها في العنوان هنا أردتها بمعناها المعرفي بالإضافة إلى معناها الحسي, يبدو هذا جليا في مفتتح الكتاب وأيضا في القصيدة الأولى “أغويكَ وأقصدني”. الغواية هي المحفز للبحث عما نبتغي وهي المحرك نحو أحلامنا واقترابنا من عوالمنا التي ننشدها، تثير لمعاناً خاصة في أعيننا وابتسامة ذكية، هي بالنسبة لي بداية الطريق لكل شيء”.
ورأت الشاعرة أن اللوحة والقصيدة وجهان للشعر في تجربتها، يرتبطان ببعضهما دائما، وغالبا ما يقود أحدهما للآخر، وقالت “التشكيل يغنيني بالصور والعلاقات بين الكتلة والفراغ /الجملة الشعرية بكثافتها والبياض الصمت، يسهم في رسم المشهد. القصيدة تقودني للتكثيف وإزالة الترهلات والزيادات/ المركزية في العمل التشكيلي وتخليصه من الإضافات الزائدة، أيضا المفردات في الكتابة تتحول عندي في اللوحة إلى تعريفات بصرية تشكل بنية اللوحة”.
وحول الحضور الطاغي لحالة الجسد رغم غير وجوده كصورة ولفظ أوضحت الشاعرة “الحذف شكل جزءا كبيرا من النص في (للغواية قواميسها ولك احتمالات البياض)، أيضا هناك إضمار على طول القصائد. لم أقصد الجسد بمعناه الجسماني بقدر ما له من معنى في كتلة الأشياء وماديتها ومحاولة أنسنتها وبث الروح فيها، كل عناصر الكون كانت بالنسبة لي حية وحاولت التواصل معها، أردت أن أكون الجزء في كلِّ الكون، ومن ثم الاتحاد به. الآخر كان آخرين كثر، بشراً وأشياءَ أو رغبات”.

أحدث المقالات