يبقى الجدل قائماً بين العلمانيين والاسلاميين حول موضوع الدين والسياسة هل النسبة بينهما نسبة عموم وخصوص مطلق ام هي نسبة التباين، بمعنى ان السياسة في واد والدين في واد اخر، ولعل البعض لايعي ولايفهم ماذا تعني كلمة الدين، وربما يتصور ان الدين هو عبارة فقط عن طقوس تمارس في الجوامع والصوامع ووقت دخول الفريضة الواجبة وانتهى الامر الى هنا، والاصل في المعنى خلاف مايروج له اعلامياً لتعريف الدين. الدين في مفهونا عقيدة حياتية تعبدية وعملية يشمل الدنيا والاخرة، ولاشك ان الدنيا احدى اركانها الاساسية السياسة، والسياسة ليست حكراً على مجموعة دون اخرى، ولذلك الكلام عن استبعاد الاسلاميين السياسيين عن سدة الحكم اوعن مناصب حساسه في الدولة كلام باطل ومردود على من يتفوه باسم الديمقراطية، وكأن الاسلاميين يحرم عليهم ديمقراطيا العمل بالسياسة وهذا خلاف الايدلوجية الديمقراطية، لان الديمقراطية تكفلت بالمضمون وليس بالشكل او اللون او الاتجاه، وهذا مايعمل به في بلدان الديمقراطية كالمانيا وهولندا وامريكا،حتى الرئيس بوش الثاني ينتمي الى الكنسية وهو مؤمن بافكاردينية مسيحية بل هو يحسب من الفريق المؤمن المتدين، وهو ا لقائل انا رسول من الرب لاحرر العالم من الارهاب (الامريكي) لماذا لم تكفروا بوش سياسياً ايها العلمانيون؟ .
عندنا –نحن الشرقيين- مشكلة كبيرة في تقبل الرأي واختلاف الاراء وهذا خلل حقيقي في منظومتنا الثقافية لانها بنيت على مباني فاسدة ومابني على فاسد فهو فاسد قطعاً، وعندما نتكلم بهويتنا العقائدية نتهم بالطائفية، وعندما نتكلم بالدين ننعت بالمتطرفين، وعندما ننادي بالاحكام الاسلامية والقوانيين نوصف بالرجعيين والمتخلفين، وعندما ننصر مذهبنا يقال انتم ارهابيون ، والحقيقة ان المصلحة لدى الاخرين هي التي تسير عقولهم المهم انهم لايرضون بعملك وسلوكك.
في ماضينا وتاريخنا هناك علماء دين مراجع عملوا وفعلوا الجانب السياسي ابان مرجعيتهم الرشيدة كالسيدالشهيد الصدر الثاني ، بحيث عرف السيد الصدر بالمرجع السياسي الثائر على النظام السابق ، السيد الشهيد الصدر قبل رحيله عن هذه الامة المتعبة المتقلبة – كجو اوربا في يوم واحد- قال( رض): ان الدين بذمتكم والمذهب بمذتكم . لان السيد الصدر يعلم ان الدين هو الحاكم والسياسة هي المحكومة، وهذا الخطاب لو اعدنا صياغته في وقتنا الراهن لقالوا عن السيد الصدر رجل طائفي وليس وطنيا،والمعروف عالميا ان السيد الشهيد الصدراستشهد لانه كان معارضا للنظام الهدام من الداخل وليس من الخارج، لان السيد الشهيد كان يقول جهاد الاقوياء من الداخل والضعفاء من الخارج وهذا قول السيد قد تجلى بوضوح في ثورة تونس وثورة شباب مصر الكنانة، وعندما نقول معارضا ليس بالضرورة السيد الشهيد الصدر كان يتطلع الى الكرسي او الحكم الدنيوي(السلطة)، ولكن هدفه كان اسمى من الكرسي وابعد من تصوري، وحسب الظاهر كان يتطلع الى تغيرالمجتمع اواسلمة المجتمع وتثقيفه دينياً، وابعاد المجتمع المؤمن تدريجيا من قبضة النظام العلماني الى يد الرحمن المتمثلة بشخص السيد الشهيد الصدر،وقد انشأ السيد الصدرابان مرجعيته محاكم شرعية وفتح الحسينيات والجوامع المغلقة سياسياً، وحث الشباب المؤمن بالزحف نحو الحوزة العلمية، وحتى في الفن تدخل السيد الشهيد الصدر ولكن الفن الشرعي، اذ اول مرجع في عالم الاسلام والمسلمين يدعو الى معرض فني يجسد فيه اعمال فنية عصرية شرعية وتحت اشرافه، وهذا رد على المتخرصين والمتوهمين الذي ينعتون الاسلاميين بمحاربة الادب والفن.
لذلك نقول لاخواننا في الانسانية الذين على غير ملة الدين الذي نسلكه ان السياسة في الاسلام هي عبارة عن وسيلة وليست غاية ،والهدف منها هي ادارة شؤون العباد في البلاد كما يتطلب الامر حسب الموازين والقوانيين الالهية، وبما ان عقولنا توقفت عند باب السياسة العاهرة اصبح لزاماً على عقولنا ان تكتب في السياسية التي اصبحت على شفاه الصغار قبل الكبار.
كثر الكلام في الاونة الاخيرة عن فشل الاسلاميين السياسين في ادارة البلد ، والحقيقة هؤلاء الاسلاميون فشلوا فشلاً ذريعاً، ولكن لماذا نحمل الدين الفشل ايضا ،وهنا اتوقف عند النظرية والتطبيق، ان الذي يدعي الاسلام السياسي وهو لايعرف الله في الفقراء ولايعرف الله في حرمة النساء ولايرحم الصغير ولا الكبير،هذا هو النموذج الحقيقي لصورة المسلم المتدين كابي ذر الغفاري الذي فضل الصحراء المحرقة على بيوت الشام الخضراء؟،كلا ورب الراقصات، هؤلاء اساءوا للاسلام باستغلالهم اسم الاسلام لذلك وظفوا الدين لنهب المال العام ولخدمة مصالحهم وعوائلهم ، والفقراء للجحيم وبئس المصير، هذه الممارسة البدوية الجاهلية هي التي جعلت نكرات علمانية تعيش في غياهب الجب ان تنال من الدين وتصب جام غضبها على الاسلام تحت حجة ان الاسلام السياسي فشل في قيادة المجتمع ولايصلح للسياسية بدليل ان المتصدين حالياً فشلوا ولم يقدموا للشعب اي شيء يذكر وهم محقون ، والشيء الذي يذكر باستمرارهو السماح باقامة المأتم الحسيني والسير الى كربلاء مشياً على الاقدام ويعتبرونه انجازاً سياسي، لان في السابق كان النظام العلماني الهدام ضد الشعائر الحسينية، النتيجة ان لعنة العلمانيين تلاحق الدين لا المتديين وهنا اذكر قول الامام الحسين (ع) (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درت معائشهم واذا محصو بالبلاء قل الديانون). والبلاء في فهمي المتواضع ليس فقط المصيبة المتعارفة ايضا يشمل المنصب السياسي التنفيذي والاداري،هنا كلام الامام الحسين ( ع) واضح المعنى تصريح لاتلميح للمتدين المنافق المتلون وينطبق هذا المصطلح على الكثير من السياسيين في زماننا، بل حتى على بعض المعممين الفاشلين السارقين قوت الفقراء والمساكين،وهؤلاء ينطبق عليهم قول السيد الخميني (حرامي وتعمم) وليس المعمم لصا ، وبما ان الفطرة السليمة تدفعنا الى التدين لان التدين هو احساس وشعور بوحدانية الله وهو الذي يميت واليه معاد العباد وبالتالي مرجعنا الى الله وهناك تقام المحكمة الالهية .
يروى عن الامام علي كان يجالس الفقراء وهو امير المسلمين في مشارق الارض ومغاربها، وهو مثل نختم به المقال لان المقام لايسع الاسترسال بالتسطيروالسرد، ومربط الفرس كما يقال في مقالنا المتواضع ان الاسلامي الامام علي (ع ) كان متديناً وحكم العباد وعمر البلاد ، ولم يظلم احد بحضرته، هل نستطيع ان نسلب تدين علي عليه السلام ونقول كان علمانيا ؟كلا ،وقد سمعت من صديق لي شيوعي الفكر جمعتني به الغربة كان متأثرا بشخصية الامام علي وبعدالته وكان دائم الذكر لاقوال الامام علي(ع) بل يحفظ الكثير عن الامام علي افضل من صديقي المعم الذي اكتفى بلبس العمامة ، وبالتالي الخطاب او الدعوة ان الاسلام لايقود هي دعوة باطلة وليس لها صحة في التاريخ وهذه دعوة سياسية مفضوحة ، لان الايدلوجية الاسلامية اذا احسن استعمالها تنجح وقد نجحت في عدة اماكن. وبما انني ذكرت السيد الشهيد الصدر الثاني عندما اوصى بالدين والمذهب او اسلمة المجتمع ، هنا الفت عناية الاخوة في كتله الاحرار في مجلس النواب العراقي ان خصيمكم يوم الفصل السيد الشهيد الصدر وليس السيد مقتدى الصدر في حال اذا تخليتم عن مبادئ الاسلام او الثوابت الدينية، لانكم الان في قبال المتأسلمين والمتأمركين والعلمانين، اثبتوا تديينكم من خلال ابطال قوانيين تتقاطع مع دستور السيد مقتدى الصدر وهو القرآن. وانتبهوا حتى على سلوككم الذي يعكس شخصية السياسي الاسلامي، لان الشعب الذي انتخبكم يراقب ويحاسب فانتبهوا هذه من جهة، ومن جهة اخرى هناك من شحذ الاقلام كي يلعن السيد الشهيد الصدر في حال اذا اصبحتم كالذين سبقوكم في مجلس الحساب وليس النواب في حال اذا تخليتم عن شعاراتكم التي بالنهاية هي من اجل الفقراء والمظلومين .واخيرا اقول لمن لايؤمن بالاسلام السياسي عليك ان تراجع نفسك ستجد نفسك مؤمن بالفطرة بالاسلام ولكنك جاحد ومعاند، وامامقولتك الاسلام فشل ان يقود الحياة فهذه ايضا مقولة باطلة لان المشكلة اتضحت بالمسلمين وليس بالاسلام.
[email protected]