سبق وان كتبت مقالة تحت عنوان ((ما اقل المُعَمّمُين وكثرة الِمعَمْمّين الذين يخدعونا)) وبعد نشرها في الصحافة واخذها حيزا من اهتمام القراء لاحظت عدم ارتياح في وجوه الكثير من المعممين رغم انني عممت السلبية بالوصفية لا بالشخصية بل خصصت الجانب الايجابي في العمامة الملتزمة بنهج المرجعية الرشيدة والتي تهتدي بهداها , في مقال اخر منشور على مواقع الانترنيت.
ان ما قلته قبل اشهر في المقالين , اصبح اليوم متوافقا مع توجيه لسماحة السيد (آية الله) محمد رضا السيستاني (دامت بركاته) إلى طلبة الحوزة العلمية في ختام بحثه الفقهي قبل العطلة الرمضانية والتي سنضع امامكم ابرز عبارات من كلامه القيم .
اكد سماحته على الدور المهم لسلوك رجال الحوزة العلمية في حفظ العقائد الحقّة في نفوس الناس، فلا بُدَّ أن نتجنّب في تصرفاتنا وسلوكنا كل ما يمكن أن يساهم في ابتعاد الناس عن الدين والمذهب , فإنهم يتوقّعون أن يجدوا في أعمالنا وسلوكنا بعضَ الشّبه بما ننقله إليهم عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام من الزهد والورع ومواساة الفقراء وإعانة المظلومين ونحو ذلك، ويريدون منا أن تُصدِّق أعمالُنا أقوالَنا، فإن لم يجدوا ذلك ضَعُف موقع الدين في نفوسهم , ثم تطرق سماحته الى ظاهرة توجه اعداد متزايدة من الشباب نحو الأفكار المناهضة للدين الحنيف والعقيدة الصحيحة، وقد بين سماحته ان السبب الرئيس في ذلك هو سوء أداء من ادّعوا التّديّن، وتسلموا المناصب والمواقع، وفشلوا في أداء مهامّهم، بل أفسدوا فساداً كبيراً , وعطف سماحته على ان ان بعض رجال الدين يبنون بيوتاً فخمة أو يركبون سيّارات فارهة أو يشترون أمتعة وبضائع راقية بمشهدٍ ومرأى من الطبقات المحرومة من المجتمع، يكون لذلك تأثير بالغ السّوء على موقع الدين في نفوس الناس وليس على موقع رجل الدين فقط، كي يهون الأمر بعض الشيء , وحذر سماحته من انسياق بعض الطلبة الشباب وراء الزّواج المؤقت ، لما في هذا من الضرر البالغ جدا على سمعة الحوزة العلمية لدى الآخرين،
واخيرا خير سماحته الطلبة بين العمل الحوزوي الذي يتطلب القدرة على تحمل المتاعب والمصاعب , ومن لمن يقدر على ذلك من ضبط نفسه والصمود أمام المغريات، عليه أن يسلك طريقا آخر في هذه الحياة.
نقول : ان توجهات السيد محمد رضا السيستاني (دامت بركاته) الجريئة والنقدية بشان طرح سلبيات بعض طلبة الحوزة العلمية والاهتمام في صلاح العمل الحوزوي لاقت قبول وترحيب اوساط ثقافية ومكونات مجتمعية لانها وضعت اليد على الجرح وستكون باذن الله هي لمسة شفاء فيما بعد , ففي وقت ان اغلب العراقين الشرفاء متشبثون بخشبة المرجعية الدينية العليا لكي لا يغرقوا في بحر الفتن الطائفية والاخفاقات الحكومية , نجد رجال دين معممين ينتمون للحوزة بالعنوان ويخالفونها بالمضمون , اثروا ويعيشون حياة السلاطين , حتى ان الناس تتساءل عن مصدر اموال هؤلاء لشراء بيوت وعقارات وامتلاك احدث السيارات والزواج لاكثر من مرة , فهؤلاء ليسوا من الاطباء اصحاب العيادات وليسوا من المهندسين المقاولين وليسوا من المزارعين الكبار والتجار…حتى ان الناس اصبحت تقول همسا كل الطبقات الاجتماعية في العراق فيها فقراء الا السياسين ورجال الدين المعممين , فهم خالفوا قدويّتهم وأسويّتهم للتحلي بحياة التّواضع وجشوبة العيش ولم يبتعدوا عن الدّعة والارستقراطيّة , فلا يهمهم سمعة المرجعية بل الذي يهمهم مصالحهم ومكاسبهم المادية .
ان الترويج للزواج المؤقت اصبح ظاهرة كبيرة لا يمكن اخفاءها في الاوساط الشعبية التي تعاني ضنك العيش ويستغل جهل وسذاجة الناس البسطاء وتقديسهم للعمامة دون معرفة من يلبسها , فكيف بعد هذا لا ينحرف الشباب لعناصر التجهيل والخرافة في الشعائر الحسينية ثم الى الالحاد وتعاطي المخدرات؟! لهذا الناس تقلول لماذا رجل الدين المعمم مشغوف بحب المال والجنس , فتستحل الفروج بعنوان زواج المتعة ويستحوذ على الاموال بعنوان الخمس ؟! لقد جاء نهي سماحة السيد عن الزواج المؤقت متطابقا مع نهي الامام الصادق (ع) لاصحابه بقوله (دعوها, أما يستحي أحدكم أن يرى في موضع العورة فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه؟!) واقواله الاخرى(لا تدنس نفسك بها… ما يفعلها عندنا إلا الفواجر…لا تتمتع بالمؤمنة فتذلها)…اقوال الامام المعصوم بشان النهي عن الزواج المؤقت بقيت في بطون امهات الكتب المعتبرة عند مذهب اهل البيت ولم يطلع عليها العامة بقصد واذا حاججت المعممين الذين امتهنوا هذا العمل احترفوا بهذه الاحاديث ولكن حملوها على التقية او ضعفوها متنا اوسندا , اما في مسالة لبس العمامة , فكم كنت اتمنى ان السيد (رعاه الله) لو تعرض بتوجه لهذه الظاهرة التي اخذت تتنامى بشكل مظطرد خارج الوسط الحوزوي لاشخاص يريدون ان يكونوا معتاشين بها في عقود الزواج والطلاق وختم مجالس العزاء , فان خطورة هؤلاء ليس بلبسهم هذا الزي الديني بل ما يدعوه وما ينشروه في مقاطع فديوية عبر التواصل الاجتماعي في امور فقهية حساسة وينسبوها الى المرجعية المباركة وان بعضها يخدش الحياء , حتى انني اعرف رجلا يحمل اعلى شهادة علمية من الملحدين يترصد اخطاء هؤلاء ويستفيد منها في دعم منشوراته وتعليقاته في السعي لانحراف المؤمنين عن الطريق القويم , فمن يستطيع منع هؤلاء والوقوف بوجهم وكشف احتيالهم وانتسابهم الكاذب للمرجعية ؟! هؤلاء يجب معرفة من الذي يقف خلفهم ؟ ومن يحرك خيوطهم؟ ولابد الانتباه والحذر بان هناك اكثر من مسعى للبعض في اضعاف المرجعية وتحميلها فشل العملية السياسية , ففشل الاسلام السياسي يُراد له أن يتسع ليصل الى أجواء المرجعية, لهذا بدءت مرحلىة التسقيط والتشهير تطال شخصيات محسوبين على المرجعية , وهناك من يسعى الى اضعاف المرجعية وخلق قيادة بديلة عنها , واخرون يسعون الى الاستفادة من المرجعية واستهلاك رصيدها دون ان ينفذوا توجهياتها بخدمة الناس فياخذون الخير لهم ويحملوها شرهم وفشلهم وفسادهم , صنف اخر يقحم المرجعية في العملية السياسية لكسب الشارع .
بقي ان نقول لهؤلاء المعممين الذين ينهجون التدين الكاذب اذا كان السيد محمد رضا السيستاني (دامت بركاته) قد حذركم بالعموم والوصف فاعرفوا جيدا الجدية في هذا الامر لاحقا بالاسم والشخصية ولا تقيسوا الحالة على الاحزاب السياسية التي متى ما رات انحراف اتباعها وفسادهم حمتهم ودافعت عنم فهؤلاء اهل دنيا فانية , اما المرجعية فهم لا ينشدون الا الحق في الاخرة الباقية .
واخيرا اننا ندرك إن المرجعية العليا ليست مرجعية ولاية فقيه وليست ملكاً لأشخاص معدودين، إنما هي قيادة الشيعة ككل بل للعراقين جميعا ، وعليه فعلى كل عراقي مخلص مسؤولية حماية المرجعية ودفع الضرر عنها، وكشف الذين يستغلون أسمها ، مهما كانت صفتهم ومكانتهم , مع انه يحزنني ان المرجعية الدينية لا احد يدافع عنها من قبل المستفدين منها بل على العكس اصبحوا يسيؤون لها , والملفت للنظر ان هناك اشخاص قلائل لا تربطهم بالمرجعية الدينية الا موقفها الوطني والاخلاقي والانساني هم من يتصدون للدفاع عنها باقلامهم الحرة ولا ينشدون جزاءا ولا شكورا .