ان اغلب دول العالم المتحضر تجرم خطاب الكراهية . ولكننا نجد في العراق وعلى الاخص بعد الاحتلال الامريكي اتساع خطاب الكراهية والحط من الاخر والتي تستند على المفاهيم الطائفية او القومية الشوفونية . ويخلط البعض بين حرية التعبير المصونة بموجب القانون والدستور وبين خطاب الكراهية ، في حين ان الاخير تعبير جارح واستفزازي يصل الى حد التحقير والتجريح بالاخر ويستند على التعصب الفكري والنظرة الاستعلائية
في الفترة اللاحقة للاحتلال الامريكي للعراق نشأت محطات تلفزيونية
وفضائيات عديدة بعلم ادارة الاحتلال ، هذه المحطات كانت ولم تزل تحرض على الكراهية وتدعوا الى التعصب الديني والطائفي . كما مارست هيئة الاعلام العراقية الخطب الطائفية والتحريضية منذ نشأتها والى وقت قريب وكانت هناك ندوات ومناقشات وبرامج تحرض على الكراهية على نطاق واسع . وحتى الفضائية الامريكية الحرة عراق كانت تبث بطريقة غير مباشرة خطابات طائفية من خلال المفهوم الاقصائي اواهمال الرأي الاخر نتيجة تشكيلتها الاولى والى وقت قريب . . وقد كانت تتبنى فكرا احاديا لايستمع الى الآخر
لقد نشأت محطات فضائية عراقية عديدة من قبل الاحزاب المتنفذة اولا ثم توسعت هذه المحطات لتشمل مختلف الطوائف والتكتلات العرقية تبث من داخل العراق وخارجه . واصبحت اغلب هذه المحطات متخصصة في بث الكراهية والتعصب الطائفي من خلال الترويج للحزب او الكتلة التي تملكها او تديرها . كماحددت الاتجاهات التحريضية المسبقة للاعلاميين العاملين فيها . فاصبح لكل محطة جمهورها الذي لايغادرها الى محطة ثانية ، فانعدم قبول الرأي الاخر وقضى على التنوع الفكري الثر في عموم العراق . كما ادى هذا الخطاب التحريضي الى الايذاء الجسدي والعنف في الشارع واخذ يهدد السلم الجتماعي فانعدم الامن وشاعت الفوضى في كل مدن العراق تقريبا . وقد كان يفترض بهيئة الاعلام والاتصالات ان تحدد معايير علمية وثقافية للاعلام العراقي بعيدا عن الكراهية والافكار الطائفية الضيقة ، الا انها لم تمارس هذا الاختصاص او مارسته بطريقة انتقائية لاتخلو من التحيز . مما شجع بقية المحطات التابعة الى احزاب السلطة على نشر خطابات موغلة بالكراهية والتحريض الطائفي واشاعتها بين المواطنين ، ومقابل ذلك نشأت خطابات كراهية مضادة من الجانب الاخر . وادى هذا المسلك الى شيوع العنف والعنف المضاد الى حد الاقتتال على عموم العراق تقريبا . كما ان هناك خطابات تدعو للكراهية والطائفية مارسه مسؤولون كبار ووزراء سابقين وعلى نطاق واسع ، اضافة الى شيوع ظاهرة التهديد والوعيد من قبل رؤساء احزاب وميليشيات ادت الى استفحال ظاهرة الكراهية ورفض الاخر في المجتمع العراقي
وقد نشرت مؤسسة بيت الاعلام العراقي وهي منظمة عراقية مستقلة
تقريرا في شهر حزيران من العام الماضي جاء فيه ان البرامج الحوارية في وسائل الاعلام تتسم بالخشونة
والتقليل من قيمة الاخر والعنف في استعمال بعض المفردات التي تدعو المتلقي الى كراهية الآخر بشكل مباشر او غير مباشر . . والبرامج التي لم نجن منها غير العنف وتوتر الشارع ، والتمييز بين فئات المجتمع . واصدر بيت الاعلام العراقي المذكور قاموسا يتناول مصطلحات كراهية باتت متداولة على نحو خطير لتصبح جزءا من الثقافة الشعبية في تبادل الحورات
لقد ترك خطاب الكراهية دون محاسبة او ردع ، مما شجع كثير من الناس لممارسته ، وخصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي . . ولم يعد بامكان المواطن التمييز بين الكراهية وحرية التعبير التي تحترم الرأي الاخر ولاتصادره
وتم التنظير للكراهية والعنف في كل مكان . وتكاد لاتخلوا اية انتخابات في العراق منذ الاحتلال الامريكي الى يومنا الحاضر من خطابات الكراهية والتحريض على العنف الطائفي والقومي الشوفوني . ولانذهب بعيدا ، فان خطابات العنف والكراهية التي زاولها الدواعش في المناطق المحتلة من العراق قبل التحرير كانت مشابهة لما تم اشاعته من مفاهيم الكراهية بين ابناء الشعب الواحد حيث ان هذا المنطق سلاح ذو حدين يخدم المحرض ويخلق كراهية مقابله في حلقة مفرغة تستند على خطابات مماثلة واصبحت الكراهية متلازمة مع العنف والعنف المضاد والتي تركت ندبات في الجسد العراقي لايمكن محوها بسهولة
ان انتشار التلفزة الفضائية المملوكة للاحزاب والتي لاتخضع لاي رقابة ذاتية او حكومية او جماهيرية قد تسبب في انتشار العنف في كل ارجاء العراق من خلال خطابات الكراهية ورفض الرأي الاخر . مما جعل الاعلام يفقد مقوماته المهنية واهدافه في ايصال الخبر الصحيح او توعية الجماهير
ولم تخل دعايات المرشحين للانتخابات الاخيرة من خطابات الكراهية والتحريض وادت في بعض مراكز الاقتراع الى انتخاب اعلاميين موغلين بالحقد الطائفي التحريضي وانكار الاخر وسيتبوأون مقاعد في البرلمان . وهؤلاء لم يكتفوا بالاعلام حتى سعوا لادخال مفاهيمهم المتخلفة وخطاباتهم المفعمة بالكراهية الى التشريعات لترسيخها وجعلها مفاهيم اجتماعية بديلة لروح التسامح والمواطنة في بلد مزقته الخلافات والنعرات القومية والدينية الضيقة
فاصبح الشعب ضحية لهذه الثقافة وهذه التوجهات الغريبة عن المجتمع العراقي المحب للحياة والرافض لثقافة الموت التي تشيعها هذه الخطابات التحريضية والداعية الى الضغينة والعداء
اننا عندما نفضح مثل هذه الممارسات الخطرة والضارة للمجتمع يحدونا الامل في ان تسعى الحكومة القادمة على فتح صفحة جديدة من الامل في اعادة اللحمة الوطنية لهذ الشعب المبتلى بالجهلة والمتعصبين من خلال العمل على ترسيخ منطق التسامح وتقبل الشريك الاخر ، وتعميق مفهوم المواطنة . ويتم ذلك من خلال اعادة تشكيل هيئة الاعلام والاتصالات لتزاول عملها الرقابي بشكل مهني بعيدا عن المحاباة او الانتقائية . وتجريم القنوات الفضائية التي تحرض على الكراهية او نبذ الاخر وفق المعايير الدولية السائدة بما يضمن احترام حقوق الاخرين وبالتالي ضمان الامن الوطني والنظام العام . . اضافة الى عقد دورات تدريبية لترسيخ المعايير الاخلاقية والمهنية للاعلام الهادف . وقيام منظمات المجتمع المدني في التصدي لخطاب الكراهية والعمل على ترسيخ المفاهيم الوطنية وتقبل الاخر والاستماع اليه وتحقيق السلم الاهلي . مع التشديد على كليات الاعلام لوضع ستراتيجية بعيدة المدى للمناهج التي تؤكد على روح التسامح والتضامن بين
المواطنين بغض النظر عن الدين او القومية او الطائفة للارتقاء بالاعلام المهني بعيدا عن اشاعة التفرقة ومفاهيم الكراهية المقيته