خاص / لندن – كتابات
ظهور التحالف الذي يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر كأكبر قوة في الانتخابات العراقية يعني أنه يمتلك السلطة في بغداد ويمثل توجهاً جديداً لدولة تعاني من التحديات لكنها تسعى من أجل التغيير.
ويعكس التغيير الزلزالي في انتخابات الأسبوع الماضي تحولات هيكلية عميقة في المجتمع العراقي، بحسب المحلل ميلو كومرفورد و المستشار الخاص في “معهد توني بلير للشؤونالعالمية” دانييل سليت ، اللذين نشرا السبت مقالة في صحيفة “الاندبندينت” البريطانية جاء فيها إن فوز تحالف مقتدى الصدر بأكبر عدد من النواب، على الرغم من أنه لم يكن يمثل أغلبية، يعكس” تحوله الواضح من رجل دين طائفي مناهض للغرب وموال لإيران إلى وطني عراقي مناهض لإيران ومناهض للفساد، وهو جزء من صورة أوسع للتغيير في البلاد وفي جميع أنحاء المنطقة“.
تناغم كبير في أولويات العبادي والصدر
ويوضح الكاتبان إنه “في الوقت الذي يتعافى فيه العراق من صراع مدمر مع التمرد الجهادي، فهو يعطي فكرة جديدة لمكانه في المنطقة بما في ذلك إعادة تقييم علاقته بإيران المنبوذة على نحو متزايد، والتشكيل المحتمل لائتلاف بين الصدر وحيدر. قد يبدو العبادي، رئيس الوزراء الحالي ، قد لا يبدو مضمونا.
لكن هناك تناغم كبير في أولويات العبادي والصدر. وسيكون تحالفهما لحظة حرجة بالنسبة للعراق والشرق الأوسط وصنع السياسات الغربية في المنطقة، حيث أن الصدع في السياسة الإقليمية ينتقل بعيداً عن الطائفية ويميل إلى الاختيار بين التحديث والتطرف.
وجه التيار الصدري
لقد كان تحول الصدر من متمرد محتال إلى بطل شعبي هو القصة الرئيسية لهذه الانتخابات، مثلما خاض تحولات سياسية – خاصة في تفكيره حول تحالفات العراق، وبلغت ذروتها في اجتماعات رفيعة المستوى مع القيادة السعودية.
إن تحول رجل الدين هو بحد ذاته مؤشر على تحول أوسع بين الناخبين العراقيين، بعيدا عنالتصويت الأيديولوجي القائم على الهوية ونحو البراغماتية والرغبة في الحكم الفعال الرشيد. وتشير استطلاعات الرأي التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إلى أنالناخبين يبتعدون بشكل متزايد عن الهوية والهويات الطائفية الدينية، وأنهم يتحولون بدلاً منذلك إلى الوطنية التي تسعى إلى التخلص من أغلال التأثيرات الخارجية والمصالح الدولية.
ويعتقد الكاتبان إن “تمرد داعش الذي دمر شمال العراق وغربه لمدة ثلاث سنوات ونصفالسنة كان له أثر في جمع البلد المتشظي، وليس كما توقع الكثيرون، من كونه سيؤدي إلىالمزيد من الانقسام الطائفي“. لكن على الرغم من النجاح الذي حققه العراق في مواجهة آفة التشدد الإسلامي ، إلا أن القيادة الجديدة يجب أن لا ترتكز على أمجادها في دحر داعش، “ما لم يتم التعامل مع الدوافع الكامنة وراء التشدد الجهادي السلفي من الظلم الطائفي،وتسييس الدين ، والحكم الرديء فإن البلد معرض لظهور التهديد الارهابي من جديد.
بداية جديدة
على الرغم من الإشارات المتفائلة التي قدمتها الانتخابات، تواجه البلاد تحديات كبيرة وستكون حاضرة أمام الإدارة (الحكومة) القادمة. ستكون هناك تحديات معالجة الفسادوإعادة بناء اقتصاد العراق ضمن رسالة مفادها “العراق أولاً“، وهنا استطاع الصدرالوصول إلى ما هو أبعد من الانقسامات الطائفية – حيث وجدت استطلاعات الرأي أن أكبرمجالات الدعم له كانت في المجتمعات المختلطة طائفيا.
وبالمثل، فإن دور الصدر في مواجهة دور إيران في العراق له أهمية كبيرة ، ويرجع ذلك إلىإدراكه أن طهران لها تأثير مزعزع للاستقرار في البلاد. ووفقاً لللقيادي في تحالف الصدر،السياسي ضياء الأسدي، فقد زار الصدر السعودية في الصيف الماضي “ليخبرهم أنالشيعة في العراق لن يكون امتداداً للثورة الإيرانية“ وكانت زيارته هي مطالبتهم (السعوديين) بأن يكونوا أكثر حضوراً في العراق“.
ويعتقد الكاتبان إن “لقاء الصدر الأخير مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هوجزء من إعادة تنظيم أوسع في الشرق الأوسط، بعيداً عن المصالح الطائفية المتنافسة،وباتجاه وقف الصدام بين التحديثيين والإصلاحيين العلمانيين من جهة، وأولئك الذين يثيرونالانقسام الطائفي والعنف المتطرف من جهة أخرى.
منفتح على بناء الجسور مع الغرب ؟
في حين ينظر إلى الصدر على أنه مناهض للغرب، فإن الواقع يبدو أكثر تعقيدًا. ويعتقد أنه يفضل بقاء القوات الأمريكية في العراق، نظراً لتأثيرها على الاستقرار، وفي ضوء تفضيله الواضح للعمل مع العبادي، الذي كان شريكاً حاسماً للتحالف الدولي في الحرب على الدولة الإسلامية، يبدو أنه منفتح على بناء الجسور مع الغرب. كما أدان الصدر تدويل التشددالشيعي، فقد قال في مقابلة أجريت معه مؤخرا إن حكومة الولايات المتحدة كانت على صواب في تسمية الميليشيات العراقية التي تدعمها إيران والتي تقاتل في سوريا على أنها إرهابية.
التحدي بالنسبة للغرب هي في ضمان أن يكون العراق قوة رئيسية وشريكًا حاسمًا. ومنالمرجح أن يصمم الصدر علاقته مع القوى الغربية، مستخدما العبادي كغطاء، لكنه سيحتاج بوضوح إلى دعم غربي ليس أقله لإعادة إعمار بلد دمره العنف المتطرف. إن السجلالسياسي النظيف هو نقطة بداية جيدة، والصدر لديه ماضٍ متقلب لكنه يجسد العراق المتغير.