كل عمل درامي يظهر على الشاشة الفضية بحاجة لعدة عناصر كي يستطيع كسب قلوب وعقول المشاهدين اولها الواقعية في السرد وطرح قضية ما من خلال قصة مليئة بالاثارة والخوف والحزن اضافة الى مزج المشاعر والاحاسيس بالصورة والصوت وتخطي كافة اشكال النمطية في الحدث والمشهد وخروج العمل عن سياق ما تم تداوله بين ثنايا العدسة سابقا .
نسر الصعيد يمتلك كل هذه العناصر فهو عبارة عن دراما هادفة تتخذ من العدل والمساواة مادة فالعمل عصري ومثالي كون الاحداث تلخص القضية الأم الا وهي صراع الخير مع الشر والشخوص يخوضون مغامرة ملحمية فيه لتسليط الضوء على معاني وقيم انسانية شريدة وهاربة من المجتمع فالشخصيات الاكثر حضورا على الواجهة هي صالح القناوي وزين القناوي اللتين يؤديهما الممثل محمد رمضان ببراعة ومهارة فهو نجم سينمائي يجسد ادوارا جريئة وشرسة في افلامه والتي تحقق نجاحا في شباك التذاكر في نسر الصعيد يتقمص محمد رمضان شخصيتين مترابطتين الا وهما الأب والأبن في مشاهد مختلفة لكن يغلب عليها طابع الانسجام والالتحام العقلي والروحي فالأب معروف بكرمه وشجاعته وامتلاكه لجملة لا حصر لها من الاخلاقيات في التعامل مع الاخرين وتطبيقه للقانون القبلي المستند الى الحقوق والغاء الفروق وحل النزاع والخلاف بطرق موضوعية لاظهار الصواب وفصل الخطأ والأبن يسير على نهج ابيه فمن خلال حضوره المستمر والمتواصل في الجلسات التي يديرها والده لتصفية قضايا وأمور الافراد المتعلقة بالثأر والأرض والمشاكل الاجتماعية يكتسب زين القناوي اساسيات وقواعد العدل والمساواة ومنها ينطلق الى عالم الواقع فيصطدم بالاقطاع والفساد مثل ابيه فيكمل المسيرة وتتداخل الاحداث والمشاهد وتأخذ شكلا جديدا فزين القناوي يتخرج من كلية الشرطة ويصبح ضابطا اضافة الى اختياره من قبل ال القناوي لتولي مسؤولية القاضي العرفي وهي المهنة التي ورثها عن والده وجده وينطلق لكشف الحقائق والخفايا والاسرار مصحوبة بالتشويق والاثارة والحركة .
فمسلسل نسر الصعيد عمل درامي ضخم لما يحتويه من مشاهد انسانية مؤثرة تحيط بالقلب والعقل فتولد منها الحكم والعبر والامثال والتي من شأنها تعيد المعاني والقيم المفقودة للاجيال بغية تنظيم رواق الحاضر اللامتوازن والسعي لبناء مستقبل نزيه ونقي خالي من الظلم والاضطهاد فمرآة الفن المصري عصية على الكسر كونها الاولى التي قدمت على الشاشة الفضية عروض متميزة كرأفت الهجان وليالي الحلمية وبين القصرين والراية البيضا والمال والبنون وأوبرا عايدة وأوان الورد والليل واخره ولن أعيش في جلباب أبي وعائلة الحاج متولي وغيرها ونسر الصعيد هو محاكاة لتأريخها وامتداد لسلسلة لا نهاية لها من الاعمال الدرامية الخالدة .