أن يحكم العرب أنفسهم , هذا هو النظام الصالح للعرب أجمعين , فالعرب ومنذ تأسيس دولهم الحديثة لم يحكموا أنفسهم بل تم إقامة أنظمة حكم مُسيرة من قبل قوى عالمية وإقليمية , ولهذا لم يتمكن العرب من المواكبة والتعبير الأمثل عن طاقاتهم وقدراتهم الحضارية , وتم دفعهم نحو منحدرات غابرة وتشجيعهم على الغوص في القبور , وحل مشاكل الماضيات , فتناسوا التحديات المعاصرة وغاب المستقبل عن وعيهم التفاعلي , وصارت عروشهم خاوية.
العرب لكي يحكموا أنفسهم عليهم أن يعترفوا بقيمة الإنسان ويعتبرونها عنوان رؤيتهم ورسالتهم , فقيمة الإنسان في بلاد العرب أوطاني تكاد تكون معدومة , فما أسهل الإعتداء على الحقوق وما أكثر الظلم والقهر والتعذيب والإعتقالات والإعدامات , وما أبخس البشر فهو في نظر الكراسي أرقام وحسب.
والنظام الذي يصلح للعرب مهما كان نوعه أو تسميته هو الذي يهتم بقيمة الإنسان , فيرعى حقوقه ويوفر حاجاته ويمنحه الفرصة الكفيلة بالتعبير عمّا فيه من قدرات إبداعية وتفاعلية ذات تطلعات إيجابية بنّاءة.
فالذي قتل العرب هذه الأنظمة الخالية من الرؤية الوطنية والإنسانية , والتي تنفذ إملاءات الآخرين وتحقق مصالحهم , وتأتي بمسميات وعناوين خداعة للتغرير بالناس وأخذهم إلى جحيمات الحروب والصراعات الفتاكة.
وما النهج الذي يُسمى ديمقراطي إلا أسلوب آخر لتمرير لعبة التدمير العربي , والعبث بمصير البشر في زمن تجاوزت البشرية هذه المرحلة وصارت تعيش عصر ما بعد الديمقراطية , لأنها قد إتخذت مناهج ونطريات ومفاهيم أخرى غايتها التنمية الإقتصادية والعناية الفائقة بحقوق وقيمة البشر , وما يمكنها توفيره من رعايات متتنوعة لحاجاته وإبداعاته , كما أن التكنولوجيا فرضت نفسها ودورها وتأثيرها على الحياة , فما عادت الديمقراطية بمعانيها القديمة , وأضحت ذات منطوق جديد , أو أنها قد سقطت كمفهوم ومصطلح , وأصبحت البشرية تتعلم كيف تتفاعل مع المستجدات بمبتكرات سلوكية ومناهج ضابطة لإيقاع الحياة.
فما يدور في بلاد العرب أوطاني , نهج بلا فائدة ومعنى , فما قدمته الديمقراطية للعرب هو الدمار والخراب والفرقة والتمزيق والتبعية والخسران والفساد المروع , وحسبها الجميع ذهاب إلى صناديق الإقتراعات , وتناسى العرب بأنهم قبل عصر الإنقلابات العسكرية كانت عندهم برلمانات وإنتخابات , وأنهم كانوا يعيشون في ظل أنظمة دستورية , للقانون فيها حرمة وقيمة ودور في الحياة.
فلماذا تخرّبت برلمانات العرب وأنظمتهم الدستورية , وعاشوا على مدى أكثر من نصف قرن تحت أنظمة شمولية تسحق القانون والدستور والإنسان , فقتلت من العرب ما لم يقتله عدو لهم منهم إلا هولاكو.
فهل سيدرك العرب أن عليهم أن لا يسكروا بسموم الديمقراطية وكأنهم ساذجون؟!!
وهل سيحكم العرب العرب؟!!