يقول المثل العراقي الاثير (من تملا البطون تعمة العيون) ، اذ ان هذا المثل قابل للتطبيق على اكثر من موقف، ويخضع لتفسيرات عدة ، منها بان البطن الممتلئة بالطعام ، لا تشعر بالبطن الخاوية ، ومنها بان البطن الخاوية لا تهتم بالاخطاء التي تدور حوله … والخ من التفسيرات.
لكن هذا المثل اجزم بانه يمكن ان يكون قاعدة رصينة لبناء استراتيجية لحل جميع مشكلات الشعب العراقي ، الاقتصادية ، الاجتماعية والسياسية ، على ان تبدأ هذه القاعدة بالانسان العراقي ، ببناءه بناءا جديدا يختلف كليا عن كل النهج الذي استخدم من قبل حكومات الدولة العراقية الحديثة .
على الحكومة اولا ان تدرس نفسية الانسان العراقي وحالته المعاشية بصورة دقيقة بعيدا عن الاحصائيات والارقام التي ربما يكون بعضها منطقيا ، وبعضها مبالغا فيه ، وكذلك دراسة تركيبته الاجتماعية ، والتي ستبين جميعها ، على ان هذا الانسان مليء بالتناقضات في شخصيته ، وهذه التناقضات (لسنا بصدد مناقشتها) لم تتواجد في شخصيته عن طريق الصدفة ، انما تواجدت نتيجة مروره بتاريخ طويل من القهر والحرمان والمعاناة والعيش في ظل الظلم واهانة شخصيته وكرامته ، التي كان يتلقاها من حكوماته ، التي عودته على ان لا ينظر ابدا لاي مستقبل مشرق ، سوى النظر للدماء التي لطالما ملأت شوارع البلاد ، وكذلك الحروب التي زج فيها دون ارادته ، والاحتلالات التي تعرضت لها بلاده .
وعلى الحكومة ان تعي جيدا بان هذا الشعب ، لا يشعر بقيمته ابدا في ظل الاحباط من الحالة الاقتصادية المتدنية والخدمات الشبه معدومة ، وامواله التي يراها بام عينه تذهب في جيوب المفسدون ، فضلا عن حالة الخوف والرعب التي يعيشها بشكل يومي جراء الصراعات السياسية التي اثبتت قدرتها على زج هذا الشعب بحرب طائفية محتملة (لا سمح الله) .
فاي انسان يفقد الامل بمستقبله وقيمته ، يمكن ان ينجرف بكل سهولة للتيارات الفكرية السلبية او التنظيمات المسلحة التي توهمه بان قيمته تكون كبيرة من خلال العنف والقتل والممارسات الغير انسانية .
لذا على الحكومة ان تجرب تطبيق هذا المثل (من تملا البطون تعمة العيون) ، وتعمل على انهاء معاناة هذا المواطن بقرار بسيط ، بان تملأ بطون هذا الشعب بطريقة جديدة ومبتكرة ، بتخصيص نصف ميزانية البلاد السنوية البالغة تقريبا 100 مليار دولار وتوزع بالتساوي على كل فرد ، وتستخدم الدولة النصف الاخر بما شائت ، وبهذا ستحقق الدولة :
اولا – رفع الحالة المعاشية للفرد العراقي ، والتي سوف تدفعه الى غض النظر عن كل المشكلات التي تحيط به ، وكذلك عن كل الاخطاء في الدولة ، لانها لن تهمه في ظل انشغاله بتطوير حالته المعاشية ، وربما السفر للسياحة والاستجمام .
ثانيا – سوف يجنب الشاب العراقي من الانجرار وراء التيارات السلبية التي تحدثنا عنها انفا.
ثالثا – هذه الحالة سوف تساعد بشكل كبير على استتباب الوضع الامني ، لانها سوف تُفقد الارهابيين لكل حواضهم ، وتحث المواطن على تعقبهم ، والذي سيكون اكثر اقتناعا ورفضا لهذه التيارات .
رابعا – ستضمن الدولة عدم زج المواطن العراقي نفسه في المشكلات السياسية ، كما يحدث الان من التظاهرات المتناقضة في عدد من محافظات البلاد .
وغيرها من النقاط التي لا يسع هذه المقالة البسيطة قولها .
ومن العدالة ان نقول : ان هذه الفكرة تستخدمها دول الخليج التي تعيش شعوبها في ظل دكتاتورياتها ، لكن هذه الشعوب بنفس الوقت لا تهتم لحكوماتها ، بسبب ان هذه الحكومات (اعمت عيون شعوبها) عن الاخطاء والسرقات التي ترتكبها عوائلهم المالكة ، بسبب تخصيصها لبعض الواردات المالية لشعوبها .
وهنا اسئل حكومتنا … هل هذا كثير على شعبنا العراقي العريق ؟ فلو خطت الحكومة هذه الخطوة ستكون قد حققت انجازا تاريخيا ، وسيقوم هذا الشعب بذكرها لالاف السنين ، وسيقول الفرد العراقي لنجله ان الرفاهية التي تعيش انت بظلها هي بفضل فلان الذي حكمنا في الفترة الفلانية ، في حالة شبيهة بالطفل الاماراتي المولود حديثا الذي يذكر الشيخ زايد (رحمه الله) دون ان يراه .