نستغرب بحسرة الخوف على مستقبل هذا الوطن وأبناءه، عجز كل السياسيين عن التفكير بمزاج المواطنين، الذين ما يوحدهم أكثر آلاف المرات من هواجس تقاطع أفكارهم، لكي لا نقع في خطأ القول بانهم على خلاف مزمن، وما جرى أمس من فرحة عمت الوطن، وهو في أشد أزماته، لخير دليل على ان العراقيين لن يتفرقوا، حيث هتفوا جميعا لمنتخبهم الوطني بكرة القدم، وتبادلوا التهاني والقبلات الحقيقية بعفوية حب العراق وأهله.
في المقابل نجد أن السياسيين يتعانقون مجاملة ويتحدثون أمام وسائل الاعلام بشيء يقولون عكسه في جلساتهم الخاصة، التي ربما تفوق مئات المرات اجتماعاتهم الرسمية، وهو ما يبرر حالة الاحتقان العامة ، ويعطي تصورا دقيقا عن حجم الفشل السياسي المتراكم في العراق، من خلال محاولات مدروسة أو عبثية لذبح أخوة العراقيين، لا فرق فهي تساهم في احتقان النفوس، وكأن ابن البصرة ارتوى من الماء العذب أو تجاوز مرحلة نقص الخدمات وغيرها ، أو أهلنا في النجف وصلوا مرحلة الاكتفاء الذاتي، فيما أهل ديالى أصابتهم التخمة من وفرة الناتج المحلي، وفي الانبار هناك فائض كبير للطاقة يجب معالجته بتصديرها الى خارج العراق!!
ما يجري في العراق حاليا هو استنساخ مؤلم للمواقف والتوجهات القديمة لكن برداء عرقي و وتوافقي ، وكأن المطلوب اعادة تفصيل الوطن على مقاسات دون غيرها، من خلال شحن طائفي غريب و لئيم جدا، يدفع باتجاه ذبح أخوة العراقيين على مقصلة حسابات سياسية ضيقة، فما يجري ليس انتصارا للطائفة، ولا هو مشروعا وطنيا أو عقائديا أو قوميا، انه ببساطة العودة الى الوراء في أسلوب ادارة الدولة العراقية، التي باتت، ومع الأسف، في رأي بعضهم ” دولة مكونات كبيرة أو قليلة”.
لقد فشلت كل القوى السياسية في أول اختبار حقيقي بعد انسحاب الاحتلال، وكم كان هذا الأخير مؤثرا بعصاه الغليظة في تقريب وجهات النظر وفق مزاجيات لاعبيه، مثلما توضحت نقاط الخلل المزمنة بعملية سياسية، تفضل الحبو على الوقوف، مثلما بات في حكم المنتهي استحالة الخروج من عنق زجاجة الأزمة الحالية بدون استشارات خارجية موسعة، فكل فريق يمسك بأوراقه وكأنهم يتقاتلون من أجل دولة أخرى غير العراق!!
ان تهييج الشارع المحلي بقناعات طائفية أو مذهبية بكل عناوينها، جريمة لا تغتفر ، فهو توجه خطير للقضاء على المتبقي من الشعور الوطني، ما يعد أخطر من جريمة احتلال العراق بكل نتائجه، فبدون عراقيتنا يسهل تمرير كل مشاريع الفتنة ، وبدون أخوتنا ستتغلغل بيننا مختلف الأجندات المسمومة بالحقد على العراق وأهله، التي تحاول قوى مختلفة توظيفها كي يظل العراق حجابات متقدمة في الصراع السياسي والمذهبي وغيره الكثير، لتبقى هي على الأقل في المواضع البديلة للاستقرار، فلا أحد تهمه مصلحة العراق واستقراره غير أبنائه، وهي الرسالة التي لم تنجح القوى السياسية بقراءتها جيدا لذا تواصل الوقوع في المحظور.
وفي المقابل فان تغاضي الحكومة عن هموم شعبها يفقدها المشروعية الوطنية، أو على الأقل يضعها في دائرة الاتهام، فحقوق الشعب العراقي، كما نعرف، كانت البوصلة التي أوصلت كل السياسيين الى مواقعهم الحالية، فلماذا يستكثرون على هذا الشعب حقه في العيش الأمن والكريم؟ واذا كات القوانين قد شرعت بالتوافق فهذا يعني القدرة على تعديلها مع مقتضيات المصلحة العامة، لكن يبدو أن للحقيقة شكلا اخر، فهناك من يستقوي ارادته السياسية بالابقاء على صفحة مفتوحة من المحظورات ويحصن نفسه بعدم القدرة على طي صفحة الماضي، فيما أخرون تجاوزتهم الهزيمة المعنوية، وباتوا في غفلة من الزمن، وفي الحالتين لن يكون هناك حلا عراقيا ينهي الخلل الا بالعودة الى مشروع وطني يرفض الانغلاق بكل أشكاله، ويعلن حربا شاملة على كل الوصايات، فالعراق لا يصلح أن يكون طائعا لغير الله وشعبه!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]