18 نوفمبر، 2024 2:51 ص
Search
Close this search box.

قد يُصلِح العطار ما أفسَدَهُ المُستشار

قد يُصلِح العطار ما أفسَدَهُ المُستشار

كنا نتوقع في ظل استمرار التظاهرات والاعتصامات وتزايد رقعتها، ان يكون هناك موقفا متجاوبا مع الاعم الاغلب من المطالب المشروعة التي طرحت من قبل المتظاهرين، لا العكس مما شاهدناه من نبرات تصعيدية سواء منها ما صدر عن رئاسة الوزراء او من ينتمي لها ولكتلة رئيسها، او التي خرجت من قبل البعض ممن تورطوا في شبهات فساد صفقة السلاح الروسية الاخيرة، او من خلال التحشيد للخروج بتظاهرات تحت اشراف البعض من نواب الحزب الحاكم.
وحسب علمي ان هناك اعتقادا سائدا لدى السيد رئيس الوزاء والشخصيات المحيطة به يدعوهم للرفض وعدم الاستجابة، وهذا الاستنتاج قائم على اساس ان استجابتهم لاي مطلب هو بمثابة تنازل وخسارة لهم ومكسب وقوة للطرف الاخر.
وليت شعري لو التفت دولة الرئيس الى مكانته الادارية على انه يمثل اعلى سلطة تنفيذية في الدولة، مسؤوليتها الاولى والاخيرة هي خدمة الشعب وتوفير مستلزمات العيش الرغيد له، وتحقيق كل مطالبه التي تصب في خانة المواطنة، اضافة الى عمله على ابعاد كل الشرور والاذى والحيف والظلم عن اي مواطن، ولا فرق بين كون هذا المواطن في داخل البلد او خارجه، من طائفته او من غير طائفته.
وهذا هو ما اقسم عليه دولة الرئيس وكل اعضاء كابينته الحكومية، بالقسم الشرعي القراني، والذي لا مناص منه ولا مهرب امام الله والشعب.
نعم، نحن قد نتفق مع ان كل مطلب لا يتوافق ويتماشى مع رغبة الجماهير، هو مرفوض وممنوع اكيدا، وبالتحديد ما يخص البعث والطائفية والتقسيم، وهذا ما اخذ به المتظاهرون بعد الدعوات التي وجهها لهم سماحة السيد مقتدى الصدر في اكثر من مناسبة، والتي كان اخرها انتقادهم لتصريحات احد ازلام حزب البعث الدكتاتوري الذي ظهر مؤخرا في الاعلام وبدفع من اسياده في تل ابيب وواشنطن.
ولان الازمة بدات بالتصاعد يوما بعد يوم، ولتغافل دولة الرئيس عن مناقشة المطالب، حاول سماحة السيد مقتدى الصدر الدخول على الخط ولكن هذه المرة بشكل مباشر، تارة بارسال وفود تمثله شخصيا الى المحافظات التي تشهد فيها تظاهرات، والاستماع منهم شخصيا الى مطالب المتظاهرين، وتارة بدعوته لوزير العدل، بغية معرفة حقيقة ما يجري في داخل السجون، كون احد اهم الاسباب التي دفعت المتظاهرين الى الخروج هو موضوع المعتقلات، وقبل كل ذلك وفد هو شخصيا الى العاصمة الحبيبة بغداد، وادى مراسيم الصلاة في احد المساجد السنية، كاظهار للوحدة ودرا نار الطائفية، التي يلوح بها البعض من الجهلة والمغرضين ممن لا عمل لهم اليوم الا صب الزيت على النار في مثل هكذا مواقف حساسة، لا يعرفون خطورة نتائجها.
وتماشيا مع ما رسمه سماحة السيد مقتدى الصدر في خطة حل الازمة، ولان السيد رئيس الوزراء محرج في الحضور الى النجف الاشرف، بسبب غلق المرجعية الدينية ابوابها امامه، فقد تم توجيه الدعوة من قبل سماحته الى الحزب الحاكم للحضور الى النجف الاشرف واللقاء بهم، وتحديدا وجهت الدعوة الى قيادات المكتب السياسي لحزب الدعوة، كونهم يمثلون الطرف الاول والاخير في حل الازمة.
فكان الرد منهم مع شديد الاسف بالرفض، وتوقيتا في اليوم الذي تلى حضور كتلة الاحرار الجلسة الاستثنائية التي دعا اليها رئيس مجلس النواب، معللين سبب عدم مجيئهم الى تلبية كتلة الاحرار دعوة رئيس مجلس النواب وحضورهم الجلسة التشاورية.
والغريب في الامر ان هذا التبرير منهم يمثل عين التناقض لما يطرحه رئيس الوزراء والاطراف المتفقة معه، من ادعاءهم ان مجلس النواب هو المعطل للقوانين، وان حل الازمة الراهنة من صلاحيات المجلس لا الحكومة، وان مطالب المتظاهرين تحتاج الى حلول داخل قبة البرلمان الى اخرها من التبريرات الكثيرة التي نسمع بها كل يوم، وبالخصوص في الازمات الخانقة التي يقع فيها حزب السلطة.
فأليس الاولى بهم الحضور لا النفور، لغرض طرح متبنياتهم وشرح رؤاهم التي يؤمنون بها في حل الازمة، لا ان يذهبوا الى ذاك وذاك من النواب لاقناعهم بالعزوف عن حضور الجلسة، وهذا هو عين التملص والهروب من حل المشاكل وبقاءها معلقة مرقعة.
وهنا اود ان اقول ومن باب النصح والحرص على هذا البلد الجريح، الذي اتعبته مشاكل السياسيين، ومهاتراتهم وتصعيدهم، ولكي لا تصل الامور الى طرق مسدودة، او صعبة او شائكة، او بعيدة الحل، فان على دولة الرئيس المالكي ان ياخذ بنظر الاعتبار الاثار المزعجة الكبيرة الكارثية التي ستحصل لو ان فتيل الازمة بدا بالاشتعال شيئا فشيئا، مع وجود المتصيدين والمتربصين، سواء من كان منهم في داخل البلد او خارجه، والذين لا همَّ لهم ولا شغل الا زعزعة الوضع وارباكه وخلط اوراقه، واحراق اخضره ويابسه، وان يقف موقفا شجاعا ويدلي بدلوه ويقول كلمته، وان لا يتردد في حل المشاكل وتلبية المطالب المشروعة التي تتفق عليها كل الاطراف دون استثناء، فما كان منها بحاجة الى حل داخل البرلمان، فليحيلها الى البرلمان، وما كان حلها بيده، فليسارع الى حلها ومن دون تفكير او تردد او تخوف، لانه في كل الاحوال ستكون الامور في جانبه، لا جانب الاخرين كما يلوح له البعض من مقربيه ومستشاريه، وحسب علمي انه سيحصد مكاسب هذا الفعل على مستويات عدة، تاريخية كانت او انتخابية، لا كما يسرب له البعض من كلام مخالف لذلك.
واقولها وباعلى صوتي، يا دولة الرئيس استغل الوقت، ولا تضيعه اكثر فاكثر، لان الايام القادمة ستحمل في طياتها الكثير من الكلام، والكثير من المواقف، التي ستربك الوضع الداخلي، وتُصَعّد من حجم المشاكل، فانتهز الفرصة، فهي تمر مرور السحاب كما كان يقول امير المؤمنين عليه السلام، واترك النظر مرة واحدة لمن يجلس بجانبك، واغلق اذنيك امام فم من حولك مرة واحدة، واستمع الى حديث غير حديثهم، وانزل من صهوة العناد وامتطي صهوة الاستماع واللين، وكفى تحميل البلاد ازمات، لان في تحكيم العقل الحل، وفي تغليب العناد الفشل.

أحدث المقالات