شهد يوم 7 أبريل 2018م، داخل المنطقة الحدودية في قرية بانمونجوم بين شطري شبه الجزيرة الكورية انعقاد قمة تاريخية بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، بين مون جي إن، رئيس كوريا الجنوبية ونظيره الشمالي كيم جونغ أون، ولعل هذه القمة بمثابة تمهيد الأرض التفاوضية لانعقاد القمة الأمريكية – الكورية الشمالية، بين الرئيس ترامب وكيم جون أون، في أواخر مايو أو مطلع يونيو، والتي تمثل أول قمة ولقاء من نوعه على الإطلاق بين زعيم كورى شمالي ورئيس أمريكي، وذلك بعد تصريحات الكوريتين، بأن هذه القمة بمثابة فتح عهدا جديدا للمصالحة الوطنية والوحدة والسلام والرخاء بينهم، وإعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية، خاصة في ظل الاستعداد الكوري الشمالي للتخلي عن أسلحتها النووية.
ولا شك في أن هذا التقارب الكوري من جانب واحتمالية التقارب الأمريكي الكوري من الجانب الآخر، أحد المؤشرات الأولية الهامة الذي يعكس توجه الولايات المتحدة الجديد تجاه الملف النووي الإيراني، وذلك في ظل التصريحات المتتابعة من جانب الرئيس الأمريكي ترامب عن الانسحاب من هذا الاتفاق في 12 مايو 2018م.
المدفع صوب إيران
شكلت التهديدات الأمريكية المتتالية لإيران أحد أهم المؤشرات الأولية، وأكد ذلك وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو في جولته الشرق أوسطية يوم 28 أبريل 2018م، والتي تضمنت السعودية وإسرائيل والأردن، والذي صرح بأن “الولايات المتحدة ستنقض الاتفاق النووي الموقع في عام 2015م مع إيران، ما لم تسفر المحادثات مع الشركاء الأوروبيين عن إجراء تحسينات على الاتفاق تضمن أن لا تمتلك الجمهورية الإسلامية أي أسلحة نووية على الإطلاق”، وجاءت الزيارة تحت عنوان الحشد ضد إيران وسبل مواجهة نفوذ إيران في المنطقة.
وتأتي التهديدات الأمريكية في ظل الاعلانات المتتالية من جانب ترامب حول مستقبل الوجود الأمريكي هناك، إذ ترى الولايات المتحدة أنه بات الآن من الضروري مواجهة إيران وبرنامجها النووي والصاروخي، ولعل إعادة ترتيب الولايات المتحدة للعديد من الملفات والوصول إلى تفاهمات بشأنها خاصة الملف النووي الكوري الشمالي وتقارب الكوريتين، والقضاء على تنظيم داعش بصورة شبه نهائية في سوريا والعراق، مهد الطريق إلى محاولة بلورة استراتيجية جديدة تجاه إيران والفرص القائمة حول انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع بين دول (5+1)، على خلاف حلفاءه الأوربيين الذين يعارضوا خطة الانسحاب الأمريكية من الاتفاق.
إن انسحاب واشنطن من سوريا والتقارب الكوري – الكوري، لا يمكن فصله عن إعلان واشنطن نيتها الانسحاب من الاتفاق النووي والمفترض أن يستمر حتى العام 2025م، وهو ما يبعث بالقول على نية واشنطن تصعيد الموقف الأمريكي تجاه طهران، أو الإيصال برسائل فحواها أن إلغاء التفاهم النووي قد يصاحبه توجيه ضربة عسكرية أمريكية لإيران، وأن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا مؤشر على تأمين القوات الأمريكية خارج توقعات الاستهداف من قبل إيران وحلفاءها في المنطقة، وتعتبر القوات العسكرية الأمريكية في المنطقة هي أكثر نقاط الضعف للمصالح الأمريكية في مواجهة إيران.
وكان ترامب أعلن خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 6 مارس 2018م، أن الولايات المتحدة ستخرج من الاتفاق النووي مع إيران، إذا لم توافق فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة على “تغييرات جوهرية”. كما هاجم ترامب، مرارًا الاتفاق النووي الإيراني، ووصفه بأنه “الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، وهو الموقف الذي تشاطره إسرائيل إياه.
إسرائيل تصعد
على الجانب الإسرائيلي، تكثف إسرائيل من ضغوطها على إيران قبيل إعلان أميركي مرتقب حول الاتفاق النووي معها. وتعمل تل أبيب على تسخين كل الجبهات لتضع طهران أمام تحديات غير مسبوقة، ففي الأول من مايو 2018م، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بـ”ملفات سرية نووية” تثبت أن إيران كانت تسعى سرا لإنتاج أسلحة نووية، وقال نتنياهو إن “آلاف الصفحات من المواد التي حصلت عليها إسرائيل توضح أن إيران خدعت العالم بإنكار أنها كانت تسعى لإنتاج أسلحة نووية”.
وعليه، تبنى البيت الأبيض الرواية الإسرائيلية، مؤكدًا بدوره أن لدى إيران برنامجًا سريًا كاملًا لتطوير أسلحة نووية تخفيه عن العالم، بينما قال وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو إن أدلة إسرائيل “دامغة”، وأضاف بامبيو أن الولايات المتحدة تعمل بجد لإصلاح الاتفاق النووي الإيراني.
يأتي هذا التصعيد الأخير على خلفية سلسلة من التوترات السابقة والتصعيد الإسرائيلي تجاه إيران والذي ظهر جليًا في سوريا، ففي 10 فبراير 2018م، أعلن الجيش الإسرائيلي اسقاطه طائره إيرانية بدون طيار، ومن قبل قامت بقصف العديد من المناطق والمواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، حيث استهدفت مطار التيفور العسكري في 9 أبريل 2018م، والذي أدى إلى مقتل أفراد من الحرس الثوري الإيراني.
ويأتي التصعيد الإسرائيلي تجاه إيران مؤشرًا على التخوفات الإسرائيلية إزاء قدرات الطائرات الإيرانية والحضور الإيراني القوي، ودعم الجماعات مثل حزب الله وحماس التي تعادي إسرائيل، فضلًا عن دعمها النظام السوري المناهض لإسرائيل، إن تكثيف الضغوط على إيران في مختلف الجبهات دون تورط في حرب كبرى، والعمل على “تدمير” اتفاقها النووي مع الغرب كليا لإعادتها إلى المربع الأول، وانتظار أن تتكفل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة بإسقاط النظام، بيد أن المواجهة العسكرية مطروحة وبقوة على الساحة الإقليمية خاصة فى ظل التوترات المتصاعدة بينهم.
وإذا كان نتنياهو قد وفر الظروف للتصعيد مع إيران، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يكسر بإلغائه الاتفاق النووي مع إيران كل تلك الخطوط الحمراء ويفاقم حدة التوتر بينهم والتي قد تؤدي إلى حرب يصل مدى نيرانها إلى المنطقة برمتها.
الجدير بالذكر، أن الكنيست الإسرائيلي صوت في 30 أبريل 2018م، على منح رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ووزير الجيش الإسرائيلي، صلاحية فتح أو بدء حرب بدون الرجوع للحكومة، في ظل إمكانية قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران بدعم وغطاء أمريكي، ولا شك أن المناوشات العسكرية الإسرائيلية والإيرانية قد تتطور في يومًا ما بفعل التوترات المتزايدة، مما قد يغرق المنطقة في صراعات إقليمية يمكن أن تتطور إلي مواجهات دولية شاملة.
الموقف الإيراني
على الجانب الإيراني، صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني، في 21 أبريل 2018م، إن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية مستعدة بردود فعل “متوقعة وغير متوقعة” إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وهددت طهران أنها مستعدة على اتخاذ قرارات نووية لن تتوقعها واشنطن.
فيما اعتبرت «الخارجية» الإيرانية أن اتهامات إسرائيل هي من فعل شخص «مدمن على الكذب ويفتقر إلى الأفكار». وقالت الوزارة في بيان إن هذه التصريحات «المبتذلة وغير المجدية والمعيبة» تعود إلى «قادة صهاينة لا يرون وسيلة لضمان بقاء نظامهم غير الشرعي سوى تهديد الآخرين باستخدام الخدع ذاتها».
وشدد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، على أن بلاده لن تعيد التفاوض على ما هو متفق عليه في عام 2015م بشأن برنامجها النووي، وقال إنه لا حل للصفقة سوى في التزام واشنطن بتعهداتها.
وتوعد ظريف الولايات المتحدة بأن أي انتهاك للاتفاق النووي أو انسحابها منه لن يبقى من دون رد، مضيفا أن الضجيج أو التهديد لن يحقق لواشنطن اتفاقا جديدا، وخاصة عندما لا يحترم الأمريكيون ما اتفق عليه.
كما هددت إيران في حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، بالعمل على زيادة قدراتها غير التقليدية من الأسلحة النووية، وذلك من خلال رفع عدد أجهزة الطرد المركزي لزيادة مخزون طهران من اليورانيوم بل وعرقلة عمل مراقبي وكالة الطاقة الذرية فيما بعد.
وتأتي المواقف الإيرانية بالتوازي مع العديد من المواقف الدولية الداعمة للحفاظ على الاتفاق النووي بين دول (5+1)، وفيما يلي أبرز المواقف الدولية:
الأمم المتحدة: حث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عدم الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وحذر من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى حرب جديدة، وأشار غوتيريش، في حديث خاص إلى محطة الإذاعة والتلفزيون البريطانية “بي بي سي” يوم 3 مايو 2018م، إلى وجود خطر حقيقي لاحتدام حرب إذا لم يتم التقيد بالاتفاق المبرم بين طهران ومجموعة “5+1” في عام 2015م، وفي اجتماع مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي دعا غوتيريش الأطراف الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية: أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران نفذت التزاماتها المتعلقة بالبرنامج النووي، موضحة أن هذا البرنامج يخضع لأشد أنواع المراقبة.
روسيا: أعلنت وزارة الخارجية الروسية تمسكها بالاتفاق النووي مع إيران، داعية كل الأطراف إلى الالتزام بالتعهدات، كما أدانت استخدام الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل للغة التهديد، وأن هذا لا يتوافق مع الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي.
الاتحاد الأوروبي: قالت الممثلة العليا لشؤون السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، إن إيران “امتثلت بشكل كامل” لالتزاماتها التي يقتضيها الاتفاق النووي المبرم معها. وأضافت أن الاتفاق النووي “ليس قائمًا على افتراضات تتعلق بحسن النية أو الثقة، ولكنه قائم على التزامات راسخة وآليات تحقق ومراقبة صارمة للغاية، وأنه ليس بيد أي دولة في العالم أن تنهي الاتفاق النووي الإيراني، مؤكدة ضرورة الحفاظ على هذا الاتفاق بشكل جماعي”. وفي السياق نفسه، حذر زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا في بيان مشترك، الولايات المتحدة من اتخاذ قرارات يمكن أن تضر بالاتفاق النووي الإيراني.
إجمالًاً: على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لحلحلة الأزمة الكورية – الكورية، وتأمين نفسها من المواجهة مع كوريا الشمالية، إلا أن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني يواجهه العديد من الصعوبات فيما يتعلق باستراتيجية ترامب الجديدة، وذلك في ظل الرفض الدولي الكبير لمثل هذا القرار، والرغبة الدولية المصرة على حتمية استمرار الاتفاق مع إيران.
إن ترامب يستثمر في ذلك النجاحات التي حققتها الكوريتين لمحاولة تمرير شروطه تجاه إيران، إلا أن اختلاف المواقف الدولية، والتخوفات الدولية من اندلاع حرب إقليمية قد تتطور لانخراط قوى دولية بها، يقف حائلًا أمام طموحات الإرادة الأمريكية، وأن هذا التوجه ينذر ببلورة الكثير من التهديدات التي يحاول العالم تجنبها.