الفورة التي يعيشها العراق مرعليها شهر والتظاهرات الرافضة لسياسة الحكومة والتي اصر فيها السيد رئيس الوزراء على المماطلة والإلتفاف على مطالب المتظاهرين محاولا كسب الوقت ما ادى الى إرتفاع سقف المطالب لتكون الأولوية فيها لإسقاط الحكومة والعملية السياسية الهشة برمتها والتي جرت الويلات على الشعب ودمرت اقتصاد البلاد عبر وسائل الفساد الذي استشرى في مفاصلها‘ وعدم محاسبة المفسدين وضياع هيبة العراق وإرتهان قراره لإجندات خارجية تلعب إيران الدور الرئيسي فيها‘ أثر هذه المطالبات لن يكون أمام المالكي من خيار سوى ثلاثة سيناريوهات للخروج من الأزمة التي تعصف في البلاد ومحاولة لملمة ما كان أو الإبقاء على الحد الأدنى من حصيلة ما جرى.
السيناريو الأول أن يلجأ المالكي الى الإستقالة وحل الحكومة والذهاب الى إنتخابات مبكرة ‘ وهو الحل الأمثل والأصدق تعبيرا إن كان صح مايقول بأنه وطني ويريد الحفاظ على اللحمة الوطنية العراقية ( واستبعد هذا الشعور عند المالكي) ‘ مع الإحتفاظ بحق محاكمته على ما أقترف‘ لا كما يروج له اليوم من الذهاب الى صفقة يتنازل فيها عن الحكم للشهرستاني نائبه لشؤون الطاقة مقابل عدم تقديم ملفاته للمحكمة ‘ وهو سيناريو له مايبرره كون الرجل فشل في إدارة البلاد وعلا هذا الفشل كل مفاصل اداءه حتى بات غير قادر على محاسبة الفاسدين والقضاء على الفساد بين طيات حكومته‘ أو بالأحرى بين اطراف الذين يحيطونه بدءاً من مكتبه وصولاً الى قيادات حزب الدعوة التي تريد السيطرة على كل مفاصل الدولة والعمل على إقصاء الأخرين من الذين شاركوهم في العملية المسماة السياسية .
ورغم ذلك فهذا السيناريو مستبعد جداً ذلك أن المالكي يحاول التمسك بالكرسي أطول فترة ممكنة كما فعل الجعفري الذي سبقه بالوزارة والذي أخرجه الأكراد بصيغة تعاون ( صفقة تأمر) مع المالكي الذي كانوا يضنونه أفضل من صاحبه ولكن الرياح أتت بما لاتشتهي السفن.
السيناريو الثاني وهو مايتمثل بفض الإعتصامات وضرب المتظاهرين عبر استخدام القوة المفرطة‘ كما فعل في 25 شبط ( يناير 2011 ) بساحة التحرير وراحت هذه العملية أدراج الرياح ومرت دون عقاب بتواطىء المجتمع الدولي وإيران وهذه معروفة للجميع ‘ إلا أن هذا السيناريو سيكون بمثابة إنتحار سياسي ينسف العملية السياسية التي صنعها المحتل وحافظ على بقائها اللاعب الفارسي والذي لايزال يقدم الدعم للمالكي وتابعيه ضد إرادة الشعب‘ وحينها ستتبدل الوجوه وسيكون القرار للشعب بدفع من يمثله تمثيلاً حقيقياً لإدارة البلاد وخلاصها من التبعية التي كرسها المالكي للحكم الإيراني بإرادة أمريكية‘ ومن غير المنطقي أن يفكر أحد بعدم وجود التأثير الأمريكي على متقلبات الساحة العراقية أو غيابه عنها‘ ولاتفسر الأحداث التي جرت وتجري في العراق منذ مايسمى بأنسحاب القوات الأمريكية من الساحة العراقية بغياب القرار الأمريكي ابداً‘ بل العكس هناك صيغة تعاون مستمرة مابين الأمريكان والإيرانيين على تبادل الأدوار في المشهد العراقي وهو واضح ولايحتاج الى برهان.
هذا السيناريو هو الأقرب الى الواقع إن تابعنا التصريحات التي تصدرعن القيادات الإيرانية المدنية والعسكرية والتي تؤكد دعمها للمالكي وتضع إمكانياتها تحت تصرفه إن هو طلب أم لم يطلب ذلك‘ بل ذهبت ابعد من هذا لتمارس التحريض الطائفي بقصد زرع الفتنة عبر استفزاز الثوار ( المتظاهرين) من خلال التصريحات الأخيرة التي صدرت عن الجانب الإيراني‘ مايوحي للمالكي بأنه قادر من خلال هذا الدعم الواضح القضاء على التظاهرات بالقوة ( أنتهوا قبل تُنهوا) سيما وأن الجانب الأمريكي لم يصدر عنه أي تعليق على تلك التصريحات سواء الإيرانية أو التي صدرت من المالكي‘ وهو مايفسر الدور المتبادل بين الأمريكان والإيرانيين والذي يمارسه كلا الطرفين على الساحة العراقية.
وهنا ورغم الضحايا الكثيرة التي ستسقط بين اوساط المتظاهرين إلا أن المشهد سيكون حاسماً بالقضاء على كل ما بناه الإحتلال وأذنابه وستكون الغلبة للشعب وابناءه‘ فالشعوب لاتقهر ولاتغلب‘ وهذا السيناريو رغم مأساويته إلا انه الأقرب لتفكير المالكي والإيرانيين وهو ما لانتمناه أبداً إن كان هناك من بقايا عقل لدى السلطة في العراق.
السيناريو الثالث والأخير وهو الذي يتمثل بتدخل القوات الأمريكية وإعادة انتشارها من جديد للسيطرة على المشهد الساخن في العراق ‘ وهو غير مستبعد كما أنه غير قابل للتنفيذ في الوقت الحاضر.
مستبعد كون أن الولايات المتحدة تعاني ماتعاني من أزمات اقتصادية قد تأتي حتى على الكيان الأمريكي بشكله العام‘ وربما يذهب المشهد أبعد من ذلك وسط ما تعانيه أمريكا من تأثيرا التدهور الاقتصادي وماتركته الأزمة الاقتصادية العالمية من تأثيرات على السياسة الأمريكية ‘ ثم ماتكبدته الإدارة الأمريكية وقواتها المحتلة من خسائر بشرية ومادية كبيرة في عمليات غزوها للأراضي العراقية وصلت الى حدود التريليونات من الدولارات أثقلت كاهل الإقتصاد المُدين اصلاً للصين وغيرها من الدول الكبرى‘ ناهيك عن عشرات اللآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين الذين نقلوا الصورة الحقة لما يحدث في العراق وأخفتها آلة الإعلام الأمريكي التي صورت لهم أن عمليات احتلال العراق ليس أكثر من نزهة‘ وإذا بها تخلف هذا الكم الهائل من القتلى والمعاقيين والاقتصاد المتدهور.
ثم ان حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر‘ فأن لجأ الأمريكان الى هذا السيناريو وأعادوا انتشارهم من جديد على الأراضي العراقية بحجة أن العراق لازال ناقص السيادة ويقبع تحت طائلة البند السابع مايجيز للأمم المتحدة استصدار قرار أممي يسمح بإعادة هذا الانتشار ويعينهم على ذلك إتفاقية الإطار الأمني ( إتفاقية العار) التي وقعها نوري المالكي مانحاً الحصانة لجنود المحتل ومحاسبة من يقاتلهم بالإعدام‘ وهذه الإجراءات قد تسهل وتزين للطرفين الأمريكي والحكومة بمباركة فارسية هذا التصو وتجعله أقرب للتطبيق على الأرض مايفضي الى ضرب المتظاهرين وفض إعتصاماتهم وإخلاء الساحات وطرد من فيها‘ ولكن هل يستبعد الطرفان إمكانية إشعال شرارة المقاومة المسلحة من جديد على الرغم من إنها لاتزال تمسك بسلاحها متهمة الحكومة بالعمالة وجر العراق الى هذا المأزق المدمر والذي جعله في أخر تسلسل قوائم الدول القابلة للعيش بكرامة.
عبر دراسة هذه السيناريوهات الثلاثة يتبادر الى ذهن القارىء سؤال واحد لاغير‘ لما كل هذا التربص بالعراق وأهله‘ وهل خلا العراق من كفاءات بشرية تستطيع إداراته والأخذ بيد شعبه الى برالأمان كما الدول التي تحترم نفسها‘ ثم مايمثله السيد نوري المالكي أمام العراق واهله وهو الذي باعه عند أول منعطف‘ والسؤال موجه لكل الذين يناصرون المالكي أسال على ماذا تناصرون وتؤيدون الرجل ‘ هل تريدون مزيداً من الفشل وتصرون على الباطل وأنتم تعلمون‘ لقد حكم الرجل لدورتين متتاليتين دون أن يسجل ولو نجاحاً واحداً يحسب له ولو كان لما تأخرنا عن ذكره فعلام المغالاة والتعصب‘ هي ليست مشكلة مع السيد نوري المالكي بل هي مع كل ماتم تكريسه من صيغ فجة وقحة بحق العراقيين وحياتهم ومستقبل أجيالهم واول هذه المشاكل (الدستور).
العراق وأهله أكبر من الجميع وحين تصدح حناجر الملايين برفض الأساليب التي تتبعها الحكومة يسقط كل مايقال عنه من شرعية وتعود الشرعية للشارع الذي هو اساسها ‘ فلا صناديق ولابرلمان ولارئاسة ولادولة رئيس. الشعب هو الباقي وما خلا ذلك باطل.