خاص : كتبت – بوسي محمد :
“غرفة صغيرة يسكنها الهدوء والسكينة.. لا يوجد بها سوى مقعد مريح ومكتب مزدحم بالأوراق والأقلام.. ونافذة صغيرة يتسلل من خلالها نسيم الهواء المنعش”.. هكذا هو المأوى الذي كان يعكف فيه المؤلفين قديمًا لإخراج ما في جعبتهم من قصص وأحداث بعضها خيالية لا يمت للواقع بصلة؛ وأخرى تُحاكي قضايا الشارع والمجتمع، يتم تلخيصها على شكل نصوص درامية كادت أن تحدث ضجة كبيرة، آنذاك، ونقلة كبيرة في الدراما المصرية.
ويأتي على رأس قائمة الكُتاب، المؤلف الكبير الراحل، “أسامة أنور عكاشة”، الذي قدم عددًا من الأعمال الدرامية تعتبر الأهم والأكثر متابعة في مصر والعالم العربي، منها ملحمة (ليالي الحلمية)، و(ضمير أبلة حكمت)، و(الشهد والدموع)، و(أرابيسك).
ولا أحد ينسى الكاتب الكبير، “محمد صفاء عامر”، الذي غابت برحيله “الدراما الصعيدية”، حيثُ قدّم عدد من الأعمال التي ناقشت حياة ومشاعر أهل الجنوب من صعيد مصر، منها (ذئاب الجبل)، و(الفرار من الحب)، و(الضوء الشارد)، و(حلم الجنوبي). وغيرهم من الكُتاب الكبار الذين أثروا التليفزيون بأعمالهم الدرامية.
بمرور الزمن، تغيرت وجهة المؤلفين، إذ اعتمد بعضهم على “ورش الكتابة” في التأليف، وهو ما تجلى بشكل واضح في العديد من الأعمال الدرامية الأخيرة التي اعتمدت على أكثر من مؤلف.
لا أحد ينكر؛ أن “التوليفة الجديدة” التي انتهجها بعض المؤلفين مؤخرًا قد لاقت نجاحًا في العديد من الأعمال، لكنها فقدت روح المؤلف وبصمته ورؤيته، فهذه الأعمال لن تحقق النجاح المبتغى حتى لو كان ظاهرًا، لأنه نجاح مؤقت فقط، عكس الأعمال الدرامية الأخرى التي لم تستعين بأكثر من مؤلف واحد تبقى خالدة في الوجدان رغم مرور سنوات عليها، فما زالت تحظى بالإقبال وتحقق نسب مشاهدة عالية لو تم عرضها آلاف المرات، وهو ما دفع القنوات الفضائية إلى عرض الأعمال الدرامية القديمة لتحقيق مكاسب تجارية من ورائها.
وقد أعرب عدد من المؤلفين عن إستيائهم من الكُتاب الذين يستعينون بـ”ورش الكتابة” لكتابة السيناريو، مؤكدين على أن هذا الأسلوب الجديد يهدد صناعة الدراما المصرية.
“مجدي صابر”: ورش الكتابة ظاهرة تهدد الدرما المصرية..
أعرب السيناريست، “مجدي صابر”، عن إستيائه من ظاهرة اعتماد المسلسلات على أكثر من مؤلف، قائلًا: “ظاهرة غريبة تهدد صناعة الدراما المصرية”.
وأضاف: المسلسلات القائمة على أكثر من مؤلف؛ غالبًا ما تكون خالية من الفكر والمضمون والإبداع، وتكون أحداثها الدرامية غير متسقة ببعضها، وفي الغالب تكون تلك المسلسلات نسخة مستحدثة من مسلسلات أجنبية مثلما لاحظنا الفترة الماضية في حبكات المسلسلات الرمضانية في الأعوام السابقة، التي تنوعت بين الجريمة والمخدرات، والدعارة، والسيكو دراما؛ والتي كانت بعيدة كل البعد عن قضايا الشارع المصري.
وأكد “صابر” على أن هذه الظاهرة بإمكانها أن تهدد صناعة الأعمال الدرامية في مصر، وتمنح الفرصة للأعمال التركية والسورية وكذا الهندية والتفوق على الدراما المصرية.
“مصطفى محرم”: أنا لست ضد ورش الكتابة..
قال الكاتب والسيناريست، “مصطفى محرم”، أنه ليس ضد “ورش الكتابة”، ولكنه يعاب على طريقه استخدامها في مصر.
وأشار أن القائمين على “ورش الكتابة” غير متمرسين، والذي يشرف عليهم أقل خبرة منهم.
“محفوظ عبدالرحمن”: ورش الكتابة بدعة تجارية..
في حديث سابق معه؛ انتقد الكاتب الكبير الراحل، “محفوظ عبدالرحمن”، “ورش الكتابة”، واصفًا بأنها بدعة تجارية لا علاقة لها بالإبداع يستعين بها المؤلف لضعف إمكانياته من ناحية، ولعدم تكبد الجهة المنتجة أموالًا طائلة من ناحية أخرى لضعف أجورهم باعتبارهم مؤلفين جدد.
وكان يرى، أن الكتابة عمل فردي يعتمد على الموهبة فقط، ووجود أكثر من فرد يخلق نص أدبي غير متسق في الأحداث، ومتزاحم بالأفكار التي تتسبب في تشتيت المشاهدين.
وأشار، في تصريحات صحافية سابقة، إلى أن “ورش الكتابة”، بضاعة جديدة تروجها “العولمة”، ومصر تطبقها بشكل خاطيء، حيثُ تقوم “ورش الكتابة” بالولايات المتحدة الأميركية بإسناد المسلسل لمؤلف واحد يقوم بكتابته كاملًا، ثم إسناده لمؤلفين أخرين كي يتم مراجعته.
“محمد صلاح العزب”: النص الجيد هو الحاسم..
قال السيناريست المصري، “محمد صلاح العزب”، أن “ورش الكتابة” ليست ظاهرة مستحدثة أو من اختراع المصريين، إذ تشكلت في الولايات المتحدة الأميركية على يد الكاتب والأكاديمي، “جون شولتز”، لفتح الخطوط الدرامية وإتاحة مساحة أكبر من الإبداع والأفكار.
وعن الجدل المُثار حول “ورش الكتابة”؛ يضيف: “الجدل نراه في أي خطوة جديدة تخطوها صناعة السينما والدراما، بخلاف القناعات الراسخة في الثقافة العربية بأن الكتابة عمل فردي فقط”.
ولفت إلى أنه لا يمكنه الحكم عليها بالسلب أو بالإيجاب، موضحًا أن النص الجيد هو الحاسم في الموضوع، منوهًا إلى أن هناك أعمالًا درامية اعتمدت على “ورش الكتابة” وحققت نجاحًا كبيرًا، وبعضها فشل.
“طارق الشناوي”: ورش الكتابة إضافة للدراما المصرية..
من جانبه قال الناقد الفني، “طارق الشناوي”، أن “ورش الكتابة” الفنية معترف بها في العالم أجمع، فهي ليست ظاهرة مستحدثة، ومصر تأخرت كثيرًا في الإعلان عنها. منوهًا إلى أن “ورش الكتابة” ظهرت في مصر منذ حقبة الأربعينيات والخمسينيات، حيثُ كان يعتمد المؤلف على مؤلفين آخرين في كتابة السيناريو، ولكنه ينسب العمل في الآخر لنفسه دون الإشارة إليهم.
وتابع: “هناك نوع من الأعمال الدرامية تتطلب ورش كتابة، وآخرى أحادية التفكير أي لا يقوم عليها سوى مؤلف واحد، وهي الأعمال التي تتضمن تفاصيل حساسة”.
وأكد على أن هناك بعض الأعمال الدرامية التي اعتمدت على فكرة “ورش الكتابة” ولاقت نجاحًا كبيرًا؛ مثل مسلسل (جراند أوتيل) بطولة الفنان “عمرو يوسف”، و(طريقي) للفنانة “شيرين عبدالوهاب”.
مضيفًا: “لا يمكن أن نحكم على ورش الكتابة بشكل مطلق، فيمكن أن تكون إضافة للدراما المصرية إذ خرج منها أعمالًا جيدة، والعكس”.