هنالك خطأ جسيم و هو تبني العمل العسكري و الكفاح المسلح ضد نظام دولة و سياستها من قِبَل تنظيم معارض لسياسة الدولة ، و هذا ما شهدناه في أهوار جنوب العراق او جبال شماله ، و نحن نعرف ان الضحايا سيكونون من أبناء البلد (العسكريين و المدنيين) و الهدر في الاموال ، هو من ميزانية الدولة ، و الخسارة في العتاد و الامكانات العسكرية سينعكس سلبا على الدولة و برامجها التنموية ، نعم كنا قاصري التفكير حينما تستغل عواطفنا و توظف حماساتنا و قناعاتنا في ضرب الدولة و مرتكزاتها و استقرارها و استنزاف طاقاتها ، و في النتيجة قد ترضح الدولة على حساب امور تؤثر على ستراتيجيتها و تكبّل ايديها لحساب مصالح دول خارجية ، لم نسأل أنفسنا لماذا كنا نحارب الدولة العراقية سواءا في عهد عبد السلام محمد عارف او ما بعده او ما قبله ، علما ان الدولة و مؤسساتها و برامجها تسير على مايرام و لديها قدرا كبيرا من التوجه الوطني ، كنا ندّعي اننا حملة فكر و مشعل رسالة ، و لكن و للاسف ان الافكار لا ترتقي بالخصومات و لا تنتعش بالنزاعات و الكراهية ، و هذه النتيجة امامنا فلم ينفع التشرد لاقتلاع ظلم او ازاحة سلطان ، و قد انعكس في احيان كثيرة على الجوانب النفسية للذين يعتبرون انفسهم معارضين ، فقد تولّد لديهم شعورا وهميا بان كل من لايرفع السلاح او لايغادر بلده هو متواطأ مع السلطة ، و لهذا يحاول الكثير منهم بعد ان بلغ الحقد في نفوسهم مبلغه ان يعاقبوا المجتمع و ذلك من خلال تسليط اشرارهم و تقريب منافقيهم من البُلداء و البُلهاء ، نعم نؤمن بالمعارضة الشعبية السلمية و نؤمن في الانقلاب العسكري ذو التخطيط المدروس و المُتقن و الذي هدفه الاطاحة بالانظمة المستبدة و لكن بشرط الحفاظ على سلامة المجتمع و هيبة الدولة و منع إراقة الدماء و فسح المجال لاقامة نظام مدني بعد التمهيد له بفترة انتقالية لاتزيد عن ستة اشهر يتم بعدها تسليم السلطات الى ابناء الشعب وفق سياقات ديمقراطية
علينا ان نفصل بين الكفاح المسلح و الارهاب ، و الفرق بينهما كما نعلم كبير ، كما يجب علينا التفريق بين الكفاح المسلح ضد عدوان خارجي يجتاح البلد و بين الكفاح المسلح من قبل فصائل تعارض نظام الحكم بسبب الاختلاف معه في الايديولوجية و نظرية منهاج الحكم و النظام السياسي ، و قد أثبتت التجارب ان الكفاح المسلح يزعزع استقرار الدولة و يؤخر تنميتها و يدمّر بُناها التحتية و يشغلها عن مواصلة برامجها ، علاوة عن الاستنزاف في الارواح و الاموال و ما يصاحبه من تأخر في حركة الحياة
من منظور تفصيلي يمكننا التفريق بين انواع المعارضة المسلحة لتتضح الصورة أكثر و كما يلي :
– المعارضة المسلحة ضد حكومة تقود البلاد ، بسبب الاختلاف معها في النظرية السياسية و الفكر و المعتقد و الاهداف
– المعارضة المسلحة ضد طرف محتل اجتاح أرض البلاد
– المعارضة ضد مجاميع إرهابية بشتى انواعها
و من الملفت للانتباه ان جميع انواع المعارضة قد حصلت في العراق ، ففي ما يتعلق بالنوع الاول ، مارست جميع الحركات القومية و الماركسية و الاسلامية و الكردية إسلوب المعارضة المسلحة ضد الحكومات القائمة آنذاك
و في النوع الثاني حصلت مقاومة للاحتلال الاجنبي في العراق بعد عام 2003 بصور متنوعة و بدرجات متباينة
أما النوع الثالث فلاحظنا كيف تناخى العراقيون فيما بينهم من أجل تخليص البلد من غائلة الارهاب و شروره عند سقوط الموصل
و الجميع تتفق كلمتهم على مشروعية المقاومة المسلحة ضد النوعين الثاني و الثالث بما فيها الامم المتحدة
أما النوع الاول فلا تقرّه الامم المتحدة لما يترتب عليه من فقدان الدول للاستقرار و حصول ضحايا في صفوف المجتمعات عند التشجيع و الموافقة على الوقوف عسكريا بوجه الحكومات القائمة و هذا ما حصل فعلا سواءا في عدوانية الاكراد او الاحزاب الاخرى بتشكيلاتها المسلحة حينما سقطت بسببهم ضحايا بريئة من الجيش العراقي الذي كان يخوض حروبا دموية معها على مدار عقود كثيرة و كلنا يعلم ان الجندي لم يكن يوما مختارا انما كان مُكرهاً على القتال و ليس بمقدوره الانسحاب او الاستسلام ، و لهذا فان الامم المتحدة تشجع على اللجوء لحل المشاكل و الخلافات بالطرق السلمية بين أبناء البلد الواحد و فصائله السياسية تفاديا للخراب و تجنبا للضحايا الابرياء
و قد وقعت المعارضة العراقية بكافة صنوفها بخطأ قاتل لا أظن أن التاريخ سيرحمها ، حينما سوّلت لها نفسها بالتضامن مع جهات أجنبية باسقاط النظام القائم و الاطاحة بالدولة العراقية في 2003 و تمزيق أوصالها و تفتيت عضد المجتمع العراقي و ها هم اليوم قد جنوا مكاسب شخصية أثبتت الايام بما لا يقبل الشك ان وقوفهم ضد الانظمة العراقية الحاكمة هو لتحقيق مصالحهم الخاصة
و أختم كلامي بالسؤال التالي ، الى جميع الاحزاب في المعارضة العراقية ، أيهما أوجب ، معارضة النظام السابق و رفع السلاح ضده أم مقاومة المحتل !!!!