عاد جميل مهموما من ساحة الطيران, حيث لم يحصل على عمل لليوم السادس على التوالي, وزوجته وأطفاله ينتظرون منه المال لشراء الطعام فقط, حيث يعرفون إن الملابس والحاجات الأخرى أصبحت حلما, فهم مستمرين بالعيش فقط, كأننا في زمن العبودية, فعلى العامل إن يعمل ويأكل وينام فقط ولا يحلم, بقي جميل كئيبا فلا احد يعطيه دين بسبب تراكم ديونه, ولا البطون تسكت من الجوع, ثلاجة البيت خاوية, والأدهى إن الماء مقطوع وعليه إن يشتري ماء للشرب, أنها سخرية القدر من العامل “جميل”, راودته فكرة الانتحار للخلاص, كي يتخلص من كل هموم الحياة التي لا ترحم, لكن أيمانه منعه, أخيرا نامت العائلة من دون عشاء, جلس جميل يدعو ربه إن يفرج عليه في الغد, ويجد عملا حتى يسكت البطون الجائعة.
الحقيقة إن العامل في العراق يعيش محن كبيرة, وهو في قلق مستمر بسبب عدم وجود حماية له, ولا ضمان اجتماعي ولا صحي, فيعيش تحت ضغط مستمر, عندما نفكر عن علل هذا الأمر, نجده يقع بالأساس على الحكومات المتعاقبة في زمن الديمقراطية, حيث تعمدت الحكومات إهمال العمال! وجعلهم الأضحية لكل عام, فهم لا يمثلون للطبقة السياسية رقم مهم, فتحولت الحياة لصعوبات لا تنتهي للعامل ,وهذا فقط في العراق, نتيجة إهمال الحكومات العراقية لواجباتها! مما جعل الحمل يزداد على كل عائلة, فماذا يفعل ذو الدخل المحدود جدا, هل يسرق كي يحل مشاكله الاقتصادية أم يفكر مثل “جميل” بالانتحار ليتخلص من الحمل الثقيل.
● العمال وأزمة السكن
تعتبر أزمة السكن من اكبر الهموم التي يعاني منها العمال في العراق, فالكثير منهم يعيشون مع أهلهم في بيوت صغيرة, فيكون البيت الواحد يعيش فيه أربعون فردا مثلا, فمن كان ذو حظ حصل على غرفة كبيرة, والغرفة تكون كل حياته, إما حلم الحصول على بيت فهذا من الكوابيس, والتي يجب إن لا تزور خيال العمال, لأنه ضرب من المحال, وتجلب الحسرات ليس الا, فالبيوت لا ينالها الا اللصوص والساسة, وهي محرمة على محدودي الدخل.
والبعض الأخر من العمال يعيشون في البيوت العشوائية, متكونة من الصفيح والأخشاب في المناطق العشوائية, بيوت غريبة لا تناسب الإنسان للسكن, لكن المحظوظ من العمال فقط هو من حصل على هكذا بيت, ويحسده الآخرون عليه, وآخرين من العمال المغضوب عليهم وهم من يسكنون في بيوت الإيجار, وهؤلاء من أكثر الناس تعرضا للضغط, فعليهم إن يوفروا الإيجار مما يحصلون عليه, وإلا طردوا للشارع, هكذا هي الحياة في العراق, تضغط على العمال ليتم موتهم وهم إحياء.
أتذكر كلام سياسي عراقي بعد نقاش حاد حول أزمة السكن قال في ختامه” العمال ستكون لكم بيوت جميلة في الجنة فلا تحزنوا”.
● العمال وهموم الصحة
من اكبر المشاكل التي قد يتعرض لها العمال هو الصحة, فإذا تمرض فانه يواجه مشكلة عويصة, فمن أين يأتي بأجور الطبيب ؟ ومن أين يأتي بأجور العلاج! فدخلهم بالكاد يوفر لهم الغذاء, فيعيشون العمال على الدعاء اليومي بالصحة والعافية خوفا من الإمراض, التي تحتاج ميزانية خاصة, ولا يجد العامل المريض الا الديون حلا للحصول على العلاج, لا اعلم لماذا يغيب عن العراق المستشفيات الخيرية, التي من مهامها العلاج المجاني والمخفض لمحدودي الدخل والفقراء, ولماذا لا يكون هنالك ضمان صحي للعمال, بحيث يحصل على العلاج المدعوم.
لقد أهملت الطبقة السياسية هذا الأمر وجعلت لنفسها ضمان صحي, مع أنها تسبح ببحر من مليارات الدنانير, وتركت الفقير يواجه صعوبات الحياة, من دون أي ضمان, نعم انه ظلم الجاهلية يعود ألينا في زمن الديمقراطية النتنة.
● العمال وأزمة التعليم
المشكلة الكبيرة التي تواجه العمال في العراق, هو إن يكون له أطفال في المدارس, فمن أين يأتي بمطالب المدارس, ومن أين يأتي لأطفاله بأجور القرطاسية والنقل للمدارس, لذلك نجد اغلب العمال أطفالهم لا يكملون دراستهم بسبب صعوبات مالية تمنعهم من توفير ما يطلبه أبنائهم, والأمر كله برقبة الأحزاب والطبقة السياسية التي توفر لأبنائها أفضل المدارس مع مخصصات خاصة بهم لتعليم أبنائهم, فخزينة الدولة من حصة الأحزاب! وليس للعمال حصة فيها, فلا تتعجب إن وجدت أبناء العامل خارج المدرس, بل بعضهم يدفع بأبنائه للعمل وهم صغار كي يساعدوه في توفير المال للعائلة.
كان على الدولة توفر حماية لأبناء الفقراء وطبقة العمال, بحيث يمكنهم من إكمال دراستهم, وهذه الحماية عبر توفير ما يحتاجه الطالب في كل موسم دراسي, لكن الخمر والعواهر والدولارات أنست الطبقة السياسية وأجبتها, وبقي العمال تحت الضغط, ففي العراق على العمال إن يعملوا ويموتوا بصمت.
● العمال والعبودية
يقول احد الكتاب الفرنسيين ” إذا كان ما تحصل على يذهب فقط للحصول على منام ومأكل فإنها العبودية”, الحقيقة إن العمال يعيشون في أصعب حالات العبودية, فأجورهم زهيدة جدا, لا تكفي للعيش يوما واحد, ولا تصنع لهم حلما, فلا تتصور إن العامل يمكن إن يوفر من أجوره ويشتري بيتا, فهذا ضربا من الجنون! ولا تتصور إن العامل يمكنه إن يوفر من أجوره ويشتري سيارة, حتى لو كانت مستخدمة وموديل أكل عليه الدهر, فالأحلام لا مكان لها في واقع العمال, فعليهم فقط إن يعملوا ويناموا ويصمتوا.
الجاهلية عادت ألينا بثوب الديمقراطية, وثبت أركانها الطبقة السياسية التي تؤمن بان العمال طبقة يجب إن تعمل وترضخ للأسياد, وعليها إن تصمت وان تنسى حقوقها, وإلا عمدت الطبقة السياسية على زيادة الضغط عليها, عبر قطع الخدمات ورفع الأسعار, حتى يصمت كل صوت مطالب بحقه أو يموت وتتخلص.
العمال تفهموا واقعهم في العراق, ولم يعودوا يحلموا, بل هم فقط مستمرين بالعيش ومنتظرين الأجل, ليتخلصوا من هذه ذل هذه الحياة الظالمة, تحت مظلة حكم أشباه الرجال.