اصحاب السيادة والفخامة والجلالة وما يماثلها من القاب تدل على المكانة الرفيعة لهذا الملك وذلك الرئيس هؤلاء لا يستشعرون الخطر الذي قد يهدد عروشهم اوبلدانهم وشعوبها الا بعد حدوثه او فوات اوانه، وحتى ان تنبهوا او استشعروا بذلك فنادرا ما يحسبون له حسابا او يعطوه وزنا، ففي الغالب ولا نريد ان نجزم انهم لايعترفون مطلقا بقوة الجماهير وقدرتها على التغيير والاطاحة بعروش الطغاة ولا يأخذوا بالعبر والدروس التي سجلتها الشعوب في ثوراتها على حكامها الطغاة من خلال سلسلة طويلة من الاحداث التي لا يمكن للمتبصر الا وان يضعها نصب عينيه ويحسب لها الحساب ، فذاك هو زين العابدين بن علي طاغية تونس يصحوا متأخرا ( ليخاطب شعبه ويقول لهم ..الان فهمتكم) وذاك هو القذافي المعتوه يصرخ عبر النافذة مخاطبا ومتسائلا جموع الناس الثائرة ..من انتم من انتم؟!) ونسى ان للشعب حدود في التسامح والامهال والصبر فأذا ما طفح الكيل فانه سيتحول الى طوفان جارف ينظف الارض مما علق بها من طغاة ودعاة وجبابرة حكموا بلدانهم في غفلة من الزمن وهذا ما ينطبق على كل حكامنا العرب.
ان ما يجري في عراقنا اليوم ليس بعيدا عما جرى ويجري في دول وبلدان اخرى عربية وغيرعربية فقد انطلت على ساستنا المتنفذين، السياسة التآمرية التي شكل بموجبها مجلس الحكم على الاساس الطائفي تحت حجة شمول جميع مكونات الشعب العراقي في ادارة الحكم في البلاد وقد انتبهوا ساسة العراق وصحوا متأخرين عندما وجدوا انفسهم يتخبطون في وحل الطائفية والمحاصصة وما اوصلت البلاد اليه من خراب ودمار وتطاحن وفتنة ، وعندما طبخوا الدستور العراقي على عجل ونار حامية فاتهم ان بين ثنايا ذلك الدستور الغام ستتفجر بعد حين لتضع الجميع في مواجهة احداث وتغيرات جديدة يتطلب اخذها بنظر الاعتبار لغرض التعديل والتغيير خصوصا وان العملية السياسية حديثة التكوين وانها بحاجة الى التطوير والاثراء ولكنهم بدلا من وضع الحسابات الصحيحة والتدقيقة من اجل الاسراع في عملية الرقي والتقدم من خلال التحديث الدائم للدستور والقوانين بشكل عام راحوا ليضعوا العربة امام الحصان وها نحن نرى القوى السياسية المتنفذة بين شد وجذب وما ان تهدأ ازمة الا وتعقبها ازمة اخرى اشد منها ضراوة وتعقيدا.
ان الازمات المتتالية والمتلاحقة واخرها الازمة التي نعيشها الان والمتمثلة بالمظاهرات والاعتصامات التي شملت محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى ما كانت ان تندلع وتتسع بهذا الشكل لولا حالة العقم والتخبط وعدم الوضوح السياسي التي تعيشها العملية السياسية والقائمين عليها ، فعشوائية الحكم واصدار القوانين وصراع القوى السياسية واحزابها الطائفية اللا اخلاقي واللا مبدئي هو من اوصل العراق الى ما هو عليه الان ،فالعراق ارض خراب ودمار، والشعب بطبقاته وفئاته الكادحة هو وحده من يعيش ويشعر بذلك الخراب والدمار والمحن وكله خيبة واسف وحسرة على ما آلت اليه الامور.
اليوم عادت الصيحات تعلوا لتحذر من اخطار ارهاب القاعدة التي استغلت الظروف لتضرب يمينا وشمالا وفي العمق، وعلى الطرف الاخر ارتفعت اعلام البعث المقبور لتعلن عن نفسها ووجودها وهي تحاول تنفيذ اجنداتها الخبيثة والخطرة على بلادنا وشعبنا الذي لا زالت جروحه تنزف من حقبة ذلك الحكم الجائر والوباء المخيف…ويظل السؤال يعيد نفسه دائما لماذا تنفجر الازمة تلو الاخرى ؟ ولماذا تعيش السلطة واحزابها متخبطة وسط متاهات وضياع وعدم استقرار؟ بينما يعيش الشعب وسط كوارث اجتماعية وسياسية وفقر ودمار وهو يصرخ ليل نهار مطالبا بالحل والخلاص فلا من سامع ولا من مجيب…وهنا لا يمكن ان يتبرئ الجميع مما حصل ويحصل وما وصلت اليه البلاد والعباد ، فالحكومة بقواها واحزابها مجتمعة هي من تتحمل كامل المسؤولية عما يجري الان وما وصلت اليه الامور ،فحكم المكونات الطائفية والعشائرية والتحاصص والاثنية والجهوية والمذاهب والاعراق والتي وضعت نفسها وطغت فوق الوطن والمواطنة هي وحدها من تتحمل ما يحصل في الدولة العراقية والمجتمع من مصائب وكوارث وهل من المنطق انتظار تفجرالازمات لكي نشكل اللجان الاستثنائية واللجان التحقيقية ونزور المحافظات ونفتش السجون ونناشد المتظاهرين الى الحذر واليقظة مما يضمره اعداء العراق وهل من المنطق ان يطلق سراح السجناء والموقوفين واعادة الاموال والاملاك واعادة النظر في القوانين كقانون المسائلة والعدالة والمادة اربعة ارهاب والعفو العام واعادة رجال الاستخبارات والضباط هكذا دفعة واحدة اليس من الاجدر والافضل دراسة كل تلك الامور قبل تفجر الاوضاع بهذا الشكل وتحت الضغط والاكراه ودون تمحيص وتدقيق ..هل كنتم تنتظرون (فركة خشم) وليّ الاذرع وارتفاع رايات القاعدة وحزب البعث المقبور وكل من هب ودب؟ ..لماذا هذا التعالي على الجماهير واستصغار الاخرين؟ ..وبعد كل هذا وذاك هل وصلتكم الرسالة وفهمتم الدرس.