ما يثير الإستغراب إستشراء النهج الطائفي لدى بعض النخب. اللمز، والهمز، والكلام المبطن. هذا ينتقد وبشدة هذا الطرف الجار، وهو يقصد طرف ما في الداخل. وذاك يشهر بالإرهاب ومصادر تمويله، وهو يقصد طرف آخر في الداخل أيضاً. وثالث يرمي التهمة بالعمالة والإرتباط بالأجنبي البعيد والقريب لتفتيت الوطن، وهو يقصد الداخل، من غير شك. لقد أفرزت مرحلة ما بعد الأحتلال واقعاً، لسوء الحظ، كنّا نداري على وجوده بمسميات الوطنية، واللاطائفية. ولكنا سقطنا جميعاً في أول إمتحان. أظهر لنا دون لَبْس، إننا لم نندمج كعراقيين، بصورة وطنية واضحة السمات، منذ تأسيس الدولة المدنية الحديثة بعد الأحتلال البريطاني، حتى سقوطها بعد الإحتلال الإمريكي. طيلة الفترة السابقة لم يكن العراقيين صريحين مع بعضهم البعض. وكانوا يدارون على خلل بنيوي في نظامهم السياسي، في عدم المشاركة الحقيقية لأطراف معنية في المجتمع. وخلل بنيوي آخر في نظامهم الإجتماعي، في محاولة التستر على الفروقات الطبقية، والتمييزية، لعرقيات المجتمع العراقي. النظام السياسي الحالي كشف الغطاء عن المجتمع، فظهرت سوءت الجميع. قبل أن تظهرها المصالح، والإرتباطات الضيقة للسياسيين الجدد، الذين جروا العراقيين الى التخندق، الطائفي، والقومي، والإثني، لهشاشة الإجتماعية.
لا نعول على السياسيين بشيء، لأن مصالحهم، وأنانيتهم، هي التي فرضت عليهم تمزيق وحدة العراقيين. ولكن مالذي يُفرض على بعض النخب العراقية، المثقفين، والأكاديميين، وغيرهم أن ينخرطوا بهذا المنزلق المُهلك، سواء بقصد، أو ربما إن “أحسنا الظن” دون قصد. وإذا ما كانت بعض النخب تشحن المجتمع بتفاهات طائفية ملغومة، فما هو المتوقع من العوام والفئات الاجتماعية غير المتعلمة، في ظل مجتمع تدنى فيه المستوى الثقافي الى منحى خطير، وتفشت الأمية، والجهل، الى حدودهما القصوى. أن يكون رد فعلها، غير العنف، وسفك الدماء. أم، هل إن المقصود من هذا النفث المستمر المبطن هو إيجاد إرضية مناسبة لتقسيم العراق، وفق مشاريع طائفية. بعلم؟ أو دون علم! لمَن تصب هذه المشاريع.
إن على بعض” ما يسمى ” بهذه النخب أو المحسوبين على مثل هذا الوسط الكف عن ذلك. وإذا كانت لديهم الشجاعة، والحضور، أن يعلنوا عن طائفيتهم جهاراً، دون تَسّتر. وأن يعرضوا مشاريعهم دون مواربة. فليس من العدل إخفائها والظهور للعلن بلباس الوطنية، فيما هم أبعد ما يكونوا عن ذلك. وأن لا يوقعوا إسقاطات التخلف على المجتمع. ويزرعوا بذور الشقاق والإنقسام فيه. إن على المثقفين العراقيين والنخب الوطنية المخلصة أن تكشف مثل هؤلاء الطائفيين المتختلين. والذين يستغلون صداقاتهم وعلاقاتهم السابقة مع الأخرين لتمرير طائفيتهم أمام تحرج البعض من أن يرد عليهم بعنف، وبمواجهة، تكشف حقيقتم، أما “خجلاً”، أو “تقديراً” لما مضى. العراقيون مطالبون، الآن، أن يحافظوا على هويتهم العراقية ويصونونها بكل إيمان، دون أن يقع تهميش لأحد، ودون الإخلال بالحقوق، أو تقسيم المواطنة على الناس درجات. وأن يرفضوا الطائفية بشكل حاسم، بمواجهة مروجيها المبطنين، بكل شجاعة. وكشفهم دون خجل. فليس أمام العراقيين إلا صيانة وحدة ” بلدهم” العراق، ومستقبل أجياله. فالهوية الطائفية قد تتبدل بمرور الزمن، والمواقف، بناءاً على معطيات متعددة. وإيمان مختلف. ولكن؛ ليس للهوية الوطنية، مهما تغيرت المعطيات، أن تتبدل، سواء طال الزمن أم قصر.