22 نوفمبر، 2024 3:49 م
Search
Close this search box.

التقارب الحذر: أي مستقبل للعلاقات الأمريكية الأوروبية؟

التقارب الحذر: أي مستقبل للعلاقات الأمريكية الأوروبية؟

شكلت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى واشنطن في 24 أبريل 2018م، إحدى أهم المحطات الأوروبية لتثبيت أركان العلاقات الأوروبية الأمريكية في الملفات المشتركة، ومحاولة تقريب وجهات النظر فيما يتعلق بالعديد من الملفات العالقة مثل الملف النووي الإيراني وإعفاء أوروبا من دفع الرسوم الجمركية الجديدة التي أقرها ترامب في 8 مارس 2018م، خاصة وأن القرار سيصبح نافذا بعد 15 يوما من إعلانه.

وكان للتصريحات التي أعلنها ترامب في 29 مارس 2018م، اعتزامه انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، العديد من التساؤلات حول مستقبل الوجود الأمريكي في سوريا وما يترتب عليه حال غياب هذا الدور؛ حيث طالب الرئيس ماكرون نظيره الأمريكي، بضرورة الحفاظ على التعاون الأمريكي الأوروبي في سوريا، خاصة بعدما بعثت فرنسا خبراء أكدوا استخدام النظام السوري استخدم أسلحة كيمياوية في هجومه على مدينة دوما السورية أبريل 2018م.

كما أن انعقاد قمة أمريكية ألمانية بين الرئيس ترامب والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في 27 أبريل 2018م، يؤكد علي استمرار الرغبة الأوروبية المشتركة للتغلب على العديد من الملفات الشائكة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

الاتفاق النووي الإيراني

شكل الاتفاق النووي بين دول (5+1) وطهران في فيينا منتصف يوليو 2015م، أحد الملفات العالقة في العلاقات الأمريكية الأوروبية، خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب، اعتزامه الانسحاب منه في 12 مايو 2018م، ويريد ماكرون اقناع ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، خاصة وأنه في حال انسحاب ترامب من الاتفاق وإنهائه؛ فإن إيران تقول إنها جاهزة لإعادة إطلاق برنامجها النووي الذي يعتقد الغرب أنه مصمم لإنتاج قنبلة نووية.

وكان ترامب أعلن خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 6 مارس 2018م، أن الولايات المتحدة ستخرج من الاتفاق النووي مع إيران، إذا لم توافق فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة على “تغييرات جوهرية”. كما هاجم ترامب، مرارًا الاتفاق النووي الإيراني، ووصفه بأنه “الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، وهو الموقف الذي تشاطره إسرائيل إياه.

ويعتبر المسئولون الأوروبيون أن مطلب ترامب إعادة دراسة الاتفاق أمر مستحيل، وعليه يحاولون إزالة مخاوفه حول تجارب إيران الصاروخية وعمليات تفتيش منشآتها النووية وسلوك النظام الإيراني في المنطقة. وكما صرح وزير الخارجية الألماني، “هايكو ماس” في حديث على هامش اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في مدينة تورونتو الكندية يوم 24 أبريل 2018م، قوله” نؤمن بأن من الضروري للغاية دعم هذا الاتفاق. وفي حالة فشله أو انسحاب الولايات المتحدة منه لن يكون لدينا أي شيء يضاهيه ونخشى من تدهور الوضع بشدة وما سيترتب على ذلك من عواقب”.

وأكد وزير الخارجية البريطاني “بوريس جونسون” الموقف ذاته، وقال “نقر بأن السلوك الإيراني هدام في المنطقة ونقر بأن الرئيس محق في بعض النقاط التي يجب معالجتها، ولكننا نرى أنه يمكن معالجتها داخل الاتفاق، أما في حال أصرت واشنطن على الانسحاب من الاتفاق فإن الدول الغربية الموقعة عليه ستسعى إلى الابقاء عليه بصيغة جديدة بمعزل عن الولايات المتحدة”.

على الجانب الإيراني، في 24 أبريل 2018م، هدد الرئيس الإيراني حسن روحاني، في خطاب بثه التلفزيون الحكومي نظيره الأمريكي دونالد ترامب بـ”عواقب وخيمة”، حال انسحابه من الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع القوى العالمية في عام 2011م، والذي تضمن تسوية شاملة تضمن الطابع السلمى للبرنامج النووي الإيراني، وإلغاء جميع العقوبات على إيران بشكل تام، وانتهت تلك المفاوضات بالتوصل إلى بيان مشترك يتضمن تفاهمًا وحلولًا بما يتعلق بالبرنامج النووي.

إن التوافق والتقارب السياسي بين الاتحاد الأوروبي وإيران ممتد منذ أحداث 11 سبتمبر 2001م، حيث كان للاتحاد الأوروبي سياسة مغايرة للولايات المتحدة في هذا الشأن، ويذكر أن الاتحاد الأوروبي حث أعضاء الكونجرس الأمريكي علي عدم فرض عقوبات على طهران، كما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران ملتزمة بالاتفاق الذي يصفه ترامب بأنه الأسوأ على الإطلاق.

الملف السوري

على الرغم من التنسيق الأمريكي الأوروبي فيما يتعلق بمواجهة الجماعات المسلحة وخاصة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، كما شهد هذا التقارب أوجهه فيما يتعلق بالتنسيق الثلاثي الأمريكي الفرنسي البريطاني، بشن هجمات على العديد من المواقع السورية في 14 أبريل 2018م، وذلك على خلفية إعلان فرنسا تورط النظام السوري في الهجمات الكيمياوية على مدينة دوما.

إلا أن التصريحات الأمريكية المتتالية حول اعتزامها سحب قواتها من سوريا والتي بدأت في 29 مارس 2018م، خاصة وأن الولايات المتحدة جزء من التحالف الدولي الغربي لمواجهة الإرهاب في سوريا، في ظل إعلان الإدارة الأمريكية بأن انسحابها سيوفر عليها وعلى حلفاءها الكلفات المادية والبشرية.

جاء هذا التضارب في المواقف الأوربية والأمريكية في ظل انعقاد مؤتمر بروكسل الثاني لدعم مستقبل سوريا والمنطقة يومي 24 – 25 أبريل برئاسة الاتحاد الأوروبي، ويأتي مؤتمر بروكسل الثاني كأمتداد للجهود الأوروبية في حلحلة الأزمة السورية وما يتعلق بالجوانب الإنسانية، وهو امتداد لمؤتمر بروكسيل المنعقد في 4 و5 أبريل 2017م، والذي يبحث مسائل دعم 13 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأكثر من 5 ملايين لاجئ سوري مهجرين خارج البلاد، بالإضافة إلى تعبئة المساعدات الإنسانية للسوريين في داخل البلاد وفي البلدان المجاورة، فضلا عن مساعدة البلدان المستضيفة للاجئين السوريين.

وتسعي الدول الأوروبية إلى محاولة اقناع الرئيس الأمريكي ترامب للعدول عن قراره فيما يخص انسحاب قواته من سوريا وقواعده، حيث يوجد 2000 جندي أمريكي وكذلك عشرات القواعد العسكرية، خوفًا من فقدان بوصلة التأثير في مجريات الوضع في سوريا، عوضًا عن التخوفات المتعلقة بعودة التنظيمات الإرهابية مرة أخري.

إن انسحاب واشنطن من سوريا لم يمكن فصله عن نيه الأولي الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني والمقدر له أن يستمر حتى عام 2025م، وهو ما يؤكد عن زيادة التوترات الأمريكية الأوروبية في هذا الملف، وهو ما يمثل بداية لسلسة من التوترات الممتدة بين الحليفين القدامى.

العلاقات التجارية

بعد فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب و10% على واردات الألومنيوم، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والتي أعفت منها بشكل مؤقت كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، توترت العلاقات فيما بينهم وشهدت تصعيدات متبادلة من الجانبين.

وعليه أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز يوم 22 أبريل 2018م، قوله ” آمل أن يقرر إعفاء الاتحاد الأوروبي، نحن لا ندخل في حرب تجارية مع حلفائنا، داعيا نظيره الأمريكي ترامب إلى إعفاء أوروبا بصورة نهائية من الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم، مشددا على العلاقات الجيدة بين الطرفين”.

ومن قبل في 20 أبريل 2018م، طالب وزير الاقتصاد الفرنسي “برونو لومير” واشنطن، برفع الرسوم الجمركية عن واردات الصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي بصورة نهائية.

وشهد التوتر في العلاقات الأوروبية الأمريكية منحنى تصاعدي مما يرفع احتمالات نشوب حرب تجارية خاصة بعدما أعلن الاتحاد الأوروبي اصدار قرار يخص المنتجات الأمريكية ويسعى لفرض رسوم جمركية عليها وتشمل عصير البرتقال وزبدة الفول السوداني والدراجات البخارية والويسكي الأمريكي وقماش الجينز الأمريكي.

وتطور الأمر عندما وضعت “سيلسيا مالممستروم” مفوضية شئون التجارة الأوروبية قائمة بالمنتجات المستهدفة والتي ستشمل أيضا الحديد الأمريكي وعددا من المنتجات الزراعية والصناعية ، وقالت إن ادرارة ترامب وخطتها في فرض رسوم جمركية أمر غير عادل وتهديد للعمال الأوروبيون، ولو استمر ترامب في فرض الرسوم الجمركية سيتحداه الاتحاد الأوروبي في منظمة التجارة العالمية.

وذكرت “مالمستروم”، إنه إذا تم تفعيل قرار ترامب فيمكن أن تتخذ بروكسل ثلاث خطوات هي : عرض الاتحاد الأوروبي المسألة على منظمة التجارة العالمية، وإضافة تدابير وقائية لحماية الاتحاد الأوروبي من الصلب الوارد من الولايات المتحدة، وفرض رسوم جمركية على عدد من السلع الأمريكية الصنع.

وتأتي سياسة ترامب الحمائية التي يرغب في فرضها والتي يتحدث عنها منذ فترة تقوم على فكرة أمريكا أولًا وحماية البلد واقتصاده، وهو جزء من وعود أطلقها إبان ترشحه للرئاسة فكان جزء من حملته الانتخابية يقوم على فرض رسوم جمركية علي الواردات من العديد من المنتجات، كما هدد ترامب بفرض ضرائب على واردات السيارات الأوروبية إلى الولايات المتحدة إذا واصل التكتل الأوروبي أفعاله الانتقامية ضد واشنطن، خاصة وأن الولايات المتحدة تعاني عجزا تجاريا قدره 800 مليار دولار لعام 2017م.

إجمالًا: تسعي أوروبا إلى محاولة تقريب وجهات النظر مع الإدارة الأمريكية الجديدة، للحفاظ على المصالح المشتركة فيما بينهم، في محاولة منها لتخطي الاختلاف في وجهات النظر، وبناء شراكة استراتيجية تحقق التعاون بينهم في الملفات الإقليمية والدولية في مواجهة خصومهم التقليديين.

أحدث المقالات