خاص: كتبت- سماح عادل
“حميد المطبعي” هو “حميد بن الشيخ محمد علي بن علي الصحاف”، النجفي، أديب، وكاتب، وشاعر، وباحث وموسوعي عراقي، ولد في مدينة النجف في 1942، وتعلم في مدرسة “الغري” الأهلية، ومتوسطة “الخورنق” المسائية، ثم واصل دراسته في معاهدها العلمية، فدرس الفلسفة، واللغة العربية، وقد تتلمذ على يد “عبد الكريم الزنجاني” صاحب نظرية التقريب بين المذاهب.
الكتابة..
“حميد المطبعي” كان يتمتع بذاكرة عجيبة، وصبر جميل، وإرادة قوية، وقدرة فائقة على متابعة الأحداث، ومعرفة تامة بالشخصيات والرموز الثقافية والسياسية والاقتصادية العراقية المعاصرة، كتب موسوعة: “موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين” بثلاث مجلدات وطبعت الموسوعة في دار الشؤون الثقافية العامة التابعة لوزارة الثقافة والإعلام العراقية خلال السنوات من 1995 -1998.
عمل “حميد المطبعي” في الصحافة، وأصدر مجلة “الكلمة ” ما بين 1967-1975، وهي مجلة ثقافية وفكرية مهمة. وأبرز ما نشره قبل سنوات، “موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين”، وتقع في أكثر من 20 جزء، وموسوعة أعلام العراق في القرن العشرين التي أصدرها سدت حاجة الباحثين وطلبة الدراسات العليا لموسوعة تضم أدباء ومثقفي العراق المعاصر.
سمي بالمطبعي، لعمله في المطابع، حيث عمل في مطبعة “الغري” المؤسسة عام 1920، التي يمتلكها والده، وترأس تحرير جريدة “العامل الاشتراكي”، وجريدة “النقابي”، كما أصدر مجلة ثقافية وفكرية مهمة، كانت مسرحا لحركة أدبية طليعية، أسماها مجلة “الكلمة” وقد اتجهت المجلة نحو اليسار والماركسية، وكانت تتحدث عن الديمقراطية وحرية الكلمة، فاستقطبت الكثير من الكُتاب والأدباء والشعراء من داخل العراق وخارجه، أمثال، نزار قباني، وسعدي يوسف، وأدونيس، وعبد الواحد الخضيري، وبشرى البستاني، وعبد الرحمن طهمازي، وجليل القيسي، وإسماعيل فهد إسماعيل، ويوسف الحيدري، ومحمود جنداري. وأصدر (30) كتابا، منها: عشرون جزءاً من موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين، وموسوعة أعلام العراق في القرن العشرين في ثلاثة أجزاء، التي اعتبرها عملا مميزا وثمرة جهد واجتهاد مضن، لا يعلمه إلا من تابعه بتفاصيل مشاقه اليومية، ومع أنه وضع مبررا لغياب بعض أعلام العراق وخصوصا أهل الفكر والأدب والسياسة والعلم ممن غادروا البلاد في العشرين سنة الماضية، حين قال “منهم من ارتحل عنا إلى أماكن بعيدة، وباتت عناوينهم صعبة المنال”. وله أكثر من 5000 مقالة في الصحف وقد أسهم في تأسيس المجالس الأدبية ومنها، ندوة الآداب والفنون المعاصرة.
من طراز خاص..
قال عن “حميد المطبعي” الأستاذ الكبير محمد بهجت الأثري (رحمه الله): “كاتب من طراز خاص، معني بأحوال العلماء والأدباء وله ولع بالتاريخ مع نزعة إلى فلسفة ما يقرأ”.
وقال عنه الباحث “عكاب السالم”: “حميد المطبعي، باحث مؤرخ، رحالة. درس الفلسفة واللغة في معاهد النجف العلمية. أصدر أكثر من ثلاثين كتاباً في الرحلات والحضارة والتاريخ، ويعتز أكثر بكتابه الفلسفي(رسائل إلى سقراط). وفي حوار معه بداره العامرة، في 2014، ذكر المطبعي أن هذا الكتاب من (أحسنِ كتبه) كما قال: إلى جانب كتاباته الصحفية المتواصلة. يُمن بالإنسان فكراً وفلسفة ومنهجاً”.
وقالت الروائية “عالية طالب” عنه: “أكثر من ثلاثة عقود مرت وأنا أحمل صداقة فريدة من نوعها تربطني بالمفكر الكبير “حميد المطبعي” صداقة تشبه الانتماء والتجذر والتوحد والألفة العجيبة، في بدايات تعرفي به بعد عودتي من سنوات غربة في بيروت كان صديقا ودودا ثم أصبحنا مع الأيام ثنائيا مترابطا ثم بات عاكسا لذاكرتي بأوقات وأشخاص وأمكنة وأحداث وحوارات لا تنفك عن ملازمتي أينما أكون، وبعدها أصبح هاجسا من قلق أخشى عليه من ويلات زمن بدأ يصدأ في أغلب زواياه، ولاحقا أصبح أبنا أتفقده وأنا أشعر بأنني أما تغدق حنانها على كائن من مزايا لا يحمل توصيفات الزمان والمكان بل يتعداها إلى مديات أعرف حجم تكويناتها جيدا في نفسي، يحمل الوداعة والضحكة المجلجلة والمعرفة والفكر والذاكرة النشطة والرؤيا الاستبصارية والتحليل الواعي والفهم المتجدد والمقدرة على انتزاع ما نتوقف عن البوح به لأنفسنا لكننا معه نصغي لذواتنا التي تريد أن تقول كل شيء دون تردد”.
موسوعة العراق..
يقول عنه الكاتب”إبراهيم خليل العلاف” في مقالة له على موقع الحوار المتمدن بعنوان “حميد المطبعي.. موسوعة العراق”: “حميد المطبعي كما يحب هو أن يقدم نفسه، إنسان مشغول بالفلسفة، ثائراً بطبعه ، جدلي الفكر، كما أنه جدلي الفعل/ لا يستقر، ولا يهدأ حتى يضع لمساته على موضوع مقال له.. يتناول الحرية، ويبحث في الإدارة، ويناقش مديات العطاء الإنساني.. انه ابن العراق، لا يفرق بين من يسكن الشمال ومن يسكن الجنوب.. المعيار عنده هو الإبداع.. والمقياس هو من يقدم للعراق.. يستحق أن يشار إليه بالبنان.. كانت الحرية ، هاجسه الوحيد، فألف كتابه (رسالة في الحرية) ولكن متى ؟! انتظر أكثر من ثلاثين عاماً ليخرج كتابه إلى النور، فالكتاب صدر سنة 1990 وفي هذه الرسالة قال قولته الشهيرة: “الإنسان أقوى من الحرية، والحرية أضعف من أن تغرى الإنسان على السقوط”.. وخلال السنوات الأربعين الماضية أصدر أكثر من ثلاثين كتاباً وموسوعة.. وارتبط بعلاقات واسعة مع معظم ممثلي الثقافة العراقية، بتياراتها المختلفة : القومية، والاشتراكية والدينية، والليبرالية.. أراه أنا، إنسانا طيباً، ودوداً، يحترم غيره، ويعترف بمجهودات الجميع إلى درجة أنه روج لأفكار وسير عدد كبير من أعلام العراق في القرن العشرين”..
أما الفيلسوف العراقي الشهير الأستاذ “مدني صالح”، فقد قال عنه أنه “كاتب لامع وهو في نظري أحسن رئيس تحرير مجلة في تاريخ الصحافة العراقية حتى هذه الساعة (1985) من أزمنة الصحافة الثقافية في الجرائد وفي المجلات، وإلا، فمن في كل تاريخ الصحافة العراقية، أحب مجلته واحترمها مثلما أحب حميد المطبعي مجلته (الكلمة)، واحترامها فأحب واحترم، إكراما لعينيها كل المبدعين الواعدين في الثقافة أينما كانوا: لا فرق بين شرق وغرب ولا فرق بين شمال وجنوب.. ولا فرق بين الواعدين إذا توصلوا بالإبداع : يستخرج من المثقفين أحسن ما عندهم للثقافة ولا يسأل المثقفين أجرا إلا المودة في استخراج الثقافة منهم ليعرضها على الناس في الجرائد والمجلات”.
رجل دؤوب..
وقال عنه عالم الاجتماع “علي الوردي” إن: “المطبعي رجل دؤوب يعمل ليل نهار بلا كلل، وهو بالإضافة إلى ذلك لا يبالي بما ينال من جزاء على تعبه. وقد يصدق عليه المثل الشعبي القائل «يركض والعشا خبّاز» وهناك ناحية أخرى في المطبعي هي أنه يعرف كيف يعامل الناس، وكيف يخاطب كل إنسان بما يلائمه. وهذا فن لا يتقنه إلا القليل من الناس”.
ويقول عنه الكاتب “علي خيون” في مقالة له: “ولأنني أسجل انطباعاتي عن الأشخاص الذين التقي بهم، فقد سجلت في مذكراتي عن حميد المطبعي عام 1988: هذا رجل كريم، يبحث عن الآخرين ليقدم لهم خدمة، بل أنه زار كل العلماء والمفكرين في العراق ليوثق حياتهم في موسوعته الشهيرة، فهل يجود الزمن بمثله؟ إنه موسوعة من العطاء التي لم يوثق حياتها أحد. وأشهد اليوم، أن لا أحد يقدم للآخرين من قلمه كما قدم، مع أنه صاحب قلم معطاء، يجود بالفكر الفلسفي، والحرية، ويناقش بعمق مديات العطاء الإنساني بفكر جدلي عميق. ويعلم أنه كاتب ذو مهمة مقدسة ترتبط بالوعي وتؤدي إليه، فيقول “حميد المطبعي” عن نفسه: “ابتليت بالكتابة، وكلما تألق إيماني بالكتابة، شبهت الوطن بالملائكة، لا فرق بين الوطن وبين الملائكة، فهما من جنس واحد اسمه العراق، وكلما كبر العراق في عيني رميت بسهم قوي، وكلما ضعف العراق في عيني، رميت بسهم أقوى، لا فرق بين العراق وبين الإيمان”.
مجلة الكلمة..
ويحكي الكاتب “باسم عبد الحميد حمودي” في مقاله له عن مجلة “الكلمة”: “صدرت (الكلمة) كحلقات ثقافية مطلع عام 1967، واحتفى بها الأدباء الشبّان، وكان التوزيع باليد أو بالبريد، وما يجمعه صاحب الكلمة يكاد لا يسد مصروفاتها، وقد ظلت هكذا حتى انتعش وضعها لفترة بعد انقلاب 1968 ثم حاربتها وزارة الإعلام لعدم سيرها على مسطرة الدولة الفكرية، فقرر حميد المطبعي (صاحبها) وموسى كريدي (رئيس تحريرها) إغلاقها عام 1974 وكان الله يحب المحسنين.. إذ لم يكن في طاقة حميد – موسى الاستمرار في إصدارها بعد منع الإعلانات عنها وإشارات الغضب الواردة من هذا المسئول أو ذاك! بذلك اختتم حميد المطبعي رحلة حياة (الكلمة) التي لم تكن مجلة ثقافية عادية، بل كانت مجلة جمعت في حينها كل رموز الوعي السياسي والثقافي على تناقضاتهم واحترابهم، وقد قلت عنها أيامها أنها كانت تشكّل نموذجاً للجبهة الوطنية ثقافياً بعد ما كان السياسيون يحتربون، وقد فتك القوي فيهم بالضعيف دون أن يأخذ الحق له، جاءت (الكلمة) لتساوي وتجمع، وتشد من أزر الجميع ليكونوا وقد أحس الجميع بضرورة الكلمة، مجلةً ونهجاً نجح في تطوير النشاط الإبداعي واحترام التجارب الجديدة في القصة الحديثة وفي البحث عن المواهب الشعرية والتبشير بقصيدة النثر اتجاهاً شعرياً يطوق قصيدة التفعيلة السيابيّة دون أن يبتعد عن الاحتفاء برموزها الذين ساندوا تجربة الكلمة، أمثال البياتي وشاذل طاقة وسعدي يوسف وبلند الحيدري وسواهم.. كان التوزيع عن طريق جمع الاشتراكات السنوية مباشرة أمراً أكثر من مهم، وكان بدل الاشتراك ديناراً واحداً ومن شاء أن يزيد فليفعل، وخلال وجودي في مدينة الدغارة لثماني سنوات (1965-1973) كان الطريق إلى النجف الأشرف لاحباً، فأما أن أرحل في دورة الخميس إلى المدينة المقدسة لألتقي محمود البستاني وموسى كريدي وعبد الإله الصائغ وموفق خضر وعبد الأمير معلة وحميد المطبعي وحميد فرج الله وسواهم في مقهى مختار، أو يذهب إليه أحد المدرسين مثل الأستاذ محمد رضا محمد أمين أو ناصر الحمداني أو الشهيد جميل أمانة أو الشهيد عدنان حسين (والد الشاعر فارس عدنان) ليعطوا الاشتراكات التي نجمعها من تجّار ومثقفي الدغارة لحميد أو لموسى دعماً للمجلة الرائدة وحباً في استمرارها”.
ويضيف: “جمعت (الكلمة) أبرز وجوه الأدب والفكر في العراق والعالم العربي، وشارك المترجمون المخضرمون (مثل جميل حمودي وشفيق مقار وخليل الخوري وسواهم، والشباب من أمثال زهير الجزائري وميعاد القصاب وصادق باخان وغيرهم) في ترجمة النصوص، فيما كانت (الكلمة) ميدان قصص جديدة ومسرحيات لعبد الملك نوري وفؤاد التكرلي ونزار عباس وموفق خضر وجمعة اللامي وعشرات غيرهم، وكان الشعر سيد (الكلمة) ممثلاً بقصائد البياتي وسعدي يوسف والكمالي والحيدري (كما أسلفنا) وممدوح عدوان وخليل الخوري ونزار قباني وياسين طه الحافظ وحميد سعيد وسركون بولص وعشرات غيرهم من رجال الموجة الجديدة.. لم يقتصر نشاط حميد المطبعي على الكلمة كمجلة ومشروع ثقافي تقدمي، بل أسس لمجموعة كتب مسلسلة عن حيوات المفكرين والكتاب العراقيين الذين حاورهم أمثال: عبد المجيد لطفي وجواد علي وعبد الرحمن التكريتي ومهدي المخزومي وبهنام أبو الصوف ومسعود محمد وكمال مظهر، وكان معظم هؤلاء في ملتقى الروّاد الذي دعا إليه وأسسه في التسعينيات من أحلام المطبعي التي تحققت لفترة ثم عفى عليها زمان السياسة والأذى. وكان إصدار المطبعي لـ (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين) تجربة شاقة وناجحة في البحث والتبويب والملاحقة والتدقيق حتى استوت التجربة على أحلى ما يكون لتؤرخ لفكر وتجارب عبر العصور الحديثة.. وبعد فحميد المطبعي شجرة خيّرة نبيلة تساقط منها رطب المعرفة والدأب الثقافي المثمر للخير، وينبغي علينا ألا نرميها بحجر بل إن نرعاها ونمنحها الحب والشكر على ما قدمت للفكر العراقي ولأهله.حميد المطبعي أقبّل يديك العاريتين ووجنتيك الذابلتين وأرجو لك الصحة والحياة الطيبة وأنت لم تزل تعطي أيّها الصديق العزيز”.
مؤلفاته..
- مسائل ثقافية تبحث عن الطريق القومي من منظور واحد (1978).
- محاور في الفكر والتاريخ (1979).
- الدكتور أكرم نشأت إبراهيم أستاذ الفقه الجنائي العراقي (2002).
- الدكتور جميل الملائكة المبدع في الهندسة والترجمة (2002).
- النفساني التربوي الدكتور عبد العزيز البسام (2002).
- ضياء شيت خطاب (2002).
- المؤرخ الدكتور صالح احمد العلي (2003).
- منطلقات ثقافية: إجابات في الثقافة العربية الثورة (1977).
- رحلتي إلى الشمال (1986).
- موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين، الدكتور جواد علي (1987).
- جمال الدين الآلوسي (1987).
- عبد الحميد العلوجي (1987).
- العلامة محمد بهجت الأثري (1987).
- المؤرخ سعيد الديوه جي (1988).
- مسعود محمد (1988).
- موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين، الشيخ إبراهيم الوائلي (1988).
- موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين، الدكتور راجي التكريتي (1989).
- موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين، بشير فرنسيس (1989).
- موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين، حسين علي محفوظ (1989).
- رسالة في الحرية (1990).
- موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين، سامي سعيد الأحمد (1992).
- موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين، يوسف العاني (1995).
- موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين، ثلاثة أجزاء (1995).
- الأدب العربي: تأريخ وشاعرية وفن.
- أسرار الجمهورية العراقية.
- تغاريد الزعيم.
- الفجر الصادق (1959).
- رسالة في القومية العربية (1960).
- قوميتنا الثائرة.
- علي الوردي يدافع عن نفسه (2010).
وفاته..
رحل “حميد المطبعي” يوم الاثنين 16/4/2018 في أحد مستشفيات مدينة النجف بعد ما جاوز السبعين من العمر.