السؤال الأساسي الذي يجب أن يتحقق الجواب الصريح عليه , هو هل أن العراق سيكون أكثر عراقية أم أقل بعد الإنتخابات؟!!
فالمشكلة العاصفة في الواقع العراقي منذ ألفين وثلاثة وحتى اليوم هي مشكلة الهوية , ذلك أن الهوية العراقية قد تميّعت وإبتلعتها مسميات وهويات متنوعة ذات أبعاد خسرانية وإتلافية , للوصول إلى تأكيد الخدمات المناطة بأصحابها من قبل الطامعين بالعراق , وهم قِوى إقليمية وعالمية معروفة.
فما جرى على مدى عقدٍ ونصف كان تحت لافتات وشعارات تفتيتية وتمزيقية , لتأمين الوجبات الشهية للمفترسين الصغار والكبار من ذوي الأطماع التدميرية والتخريبية , والتطلعات المريضة الهوجاء الساعية وفقا لإدعاءات هذيانية ووهمية مروعة.
وقد أسهم في التمييع الهوياتي للوجود العراقي العديد من أبنائه المغرر بهم والمنتمين لغيره , والعاملين وفقا لأجندات المستقوين بهم والممولين لنشاطتهم , فأصبحت أولوياتهم الإمساك بالكرسي والعمل الجاد على تدمير الآخر ومحقه لكي تتعزز السلطة ويدوم الحكم , ما دام العراق لا يعنيهم والشعب محسوب ضدهم , ولا بد من توفير المعوقات والمدمرات لوجوده , وعرقلة حياته اليومية.
وبناءً على هذه الأجندات وغيرها من المخططات تم صناعة ما يبرر التدمير والتهجير , وإرتكاب المذابح الجماعية والعقوبات القصرية , وزج الآلاف في السجون والمعتقلات , وتنشيط سوح التعذيب والإعدامات بالجملة والمفرد.
وضمن هذه الدائرة المفرغة تحصل الإنتخابات التي ما أنجبت جديدا , وإنما ستتمخض عمّا هو محسوب وفقا لمقاييس المصالح والأطماع , والتحكم بالمصير العراقي الذي عليه أن يكون دريئة لمصالح الآخرين , وساحة لإبعاد النيران عن ديار الطامعين به والذين لا يريدون له ولأهله خيرا , فما يهمهم ويعنيهم مصالحهم وآلياتهم التصارعية مع خصومهم.
وفي هذا الخضم يبدو أن الإنتخابات ذات إتجاهين , فإما أن تزيد من قيمة ودور وأهمية الهوية العراقية , أو تمضي في مسيرة محقها وتدميرها بالكامل.
والإحتمالان واردان , لكن التأريخ بأحداثه وتفاعلاته يشير إلى أن الشعوب تستعيد هويتها الوطنية مهما تكالبت عليها الظروف وإشتدت العوادي والهجمات , ذلك أن قانون البقاء والحياة لا يسمح بالديمومة التكوينية لأي مجتمع من دون الهوية الوطنية التي تستوعب جميع الهويات الأخرى.
لكن الضغط شديد والقوى مكشرة عن أنيابها ومتحفزة لنشب مخالبها , وهذا يعني ربما ستتمخض الإنتحابات عن ميل نحو الإرادات الإقليمية والعالمية وسحق للإرادة العراقية , وإن تحقق هذا الإنحدار السلوكي , فأن العراق سسيدخل في دوامة الوعيد العنيد , مما سيجعله دولة محتلة بالنيابة من قبل القوى القابضة على مصيره , ولن يتعافى إلا بولادة جيل جديد من رماد حاضره يختزن طبائع طير الفينيق.
فهل من غيرة وطنية عراقية وتفاعل تلاحمي يردع أعداء الهوية العراقية ويعيد للمجتمع رشده؟!!