لم يقم ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بزيارته المرتقبة للعراق حتى تصاعد الجدل او هكذا يراد حولها وحول علاقتنا بالسعودية. وهي ضجة مفتعلة كما اراها إذ كم لا بأس به من الفعاليات الوطنية والاحزاب السياسية لا تمانع زيارته ومنها تيار ديني رئيسي اشتهر بمواقفه الوطنية. اضف اليها اغلبية صامتة كاسحة تمثل ضمير الشعب العراقي وشعوره.
ولطالما عندما كنت اتجول بين اروقة البضائع المعروضة في الاسواق المركزية لم اكن اجد بنفسي حائلا ً او مانعا ً نفسيا ً يحول بيني وبين البضاعة السعودية حتى ونحن في اوج الخلاف في حين انني لطالما وجدت هذا الحائل النفسي حيال المنتج التركي والايراني بالأخص. ولذلك اسباب منها ان السعودية وتركيا لديها وضوح حتى في مناوئتها عكس الجارة الثالثة التي تظهر الصداقة في حين انها تضمر العداء فهي تلوك صداقتها بهذا العداء ولأني ارفض مصطلح او مفهوم العداء بل هو في حقيقته مصالح خاصة تضعها الدول المعنية كأولوية وان كانت على حساب مصلحة جارها بل وسحقه ايضا ً واستغلال ما يمر به من ظرف او ضعف وهو ما تقوم به كل الدول وايران ليست استثناء وهو لا يسوءني لان الحق يقع على من يسمح لنفسه ان يكون بموضع الضعف والاستغلال من الاخرين وواجدا ً قرة عينه بالتبيعة.
لكن ما يسوء ويغضب دائما ً لدى الخالق والمخلوق هو النفاق حتى جعل الله كرهه له اشد من كرهه لوضوح الكفر على سوءه. فايران التي تدعي وتظهر الصداقة لاتباعها وما هم عندها الا ادوات واذرع لتحقيق مصالحها القومية الشوفينية المتأطرة باطار مذهبي انطلى على هؤلاء .
ان التيار الوطني والاغلبية المأيدة للانفتاح هم عرب اقحاح اصلاء اوفياء لأرثهم الحضاري ولجيناتهم العربية التي تسري بهم مجرى الدم ومنها ” بلادي وان ….واهلي وان شحوا علي ّ كرام ُ” فانا لا استطيع ان ابغض السعودي مهما اطال الوهابي لحيته وقصر ثوبه ومهما نعتني بالرافضي وكفرني لان الموضوع وراثي لا يمكن التحكم به فروع خارجة من ذات الجذع لنفس الشجرة تحن لأهلها متى حنوا.
كما ان هكذا تناغم مع الموروث واستئناس به يتوافق مع احكام العقل والمنطق في السياسة الجغرافية وهي اننا لن نرحل بعيدا ً عن اي من جيراننا وكذلك لن يفعلوا .ولذا بالضرورة اصبح لا ماضي مقدس بالسياسية ولا عقابيل دماء ولا ثارات لا يوجد سوى الغد والتطلع للمستقبل وشمس الامل التي ستبزغ لا محالة بيننا.
خذ مثلا ً المثال الناجح في المانيا وكيف اصبحت حلفا ً لامريكا بعد ان كانت البا ً وكذلك اليابان من احرقتها امريكا بجحيم قنبلتين فهم لم يجدوا مع ذلك مكانا في قلبهم سوى للنسيان والتسامح والمستقبل والمصلحة المشتركة والنتائج تفصح عن نفسها. كذلك فيتنام من خسرت خمسة ملايين ضحية الان السائح الامريكي يسير على طوله بين احفاد من قتلهم اصناؤه. ولا يجب ان اغفل المثل الاشهر والانجح لليهود بنسيانهم العداء لمن اذاهم ثم تقديمهم للصداقة والعلاقات المشتركة وذلك بين من خلال كل مسيرتهم في التاريخ.
يبقى ان ايران لا تختلف عن تركيا القومية العنصرية بل هي تبزها بهذا المجال فهي دولة قومية بطعم شوفيني استعلائي ترى فوقيتها الحضارية وتحلم بامتدادها التوسعي كما كانت يوما ً على اناس نجحوا في غفلة من الزمن بتصدير دينهم لها فاصبحت تتعبد وتصلي بغير لغتها وبذا كبتوا النوازع في داخلهم بالانتقام من هؤلاء كلما سنحت الفرصة ورد الاعتبار لقوميتهم وذاتهم الفارسية او العثمانية .
فمرة يستغلوا ضعفهم ويجعلوهم تابعين ومرة يحاولون ان يصبحوا هم قادة هذا الدين او المذهب تحديدا ً لتحقيق الذات المسلوبة مرة وللعودة للريادة كرة اخرى.
اما البعض منا الذي يسوؤه التقارب مع السعودية فهو لن يقنع ولن يرى ان ايران دولة قومية كجارتها تركيا تقدم قوميتها على دينها في حقيقتها وان اظهرت العكس فمن اجل الخداع وبلوغ المارب من خلال نيل الاستعطاف . وان كان الشيعي العراقي نجح برؤية تركيا على حقيقتها فهو فشل برؤية ايران كذلك لوقوعه بالمطب المذهبي وهو متمسك بدفاعه عنها لأنه منطقي تقليدي من حفدة المنطق التقليدي ذي الحق الواحد والباطل المتعدد وما دام هو صاحب الحق والحقيقة فسواه على باطل ولذا لن يهممه ما يسمعه من تصاريح فجة وواضحة ومتحدية له من قادة ايران في ان وسواه اتباع وساحات تأثير لها لأنه قد طور الاختيار السمعي ليحمي الحقيقة التي وصل اليها وامن بها من كل تفنيد او خدش.