توقعت كل الوسائل الاعلامية والسياسية الضربة الامريكية ضد سوريا ، وأكدته كل المصادر الرسمية في العالم ، ولكنها في نفس الوقت قللت من اهمية هذه الضربة ، واعتبرتها خطوة باتجاه تقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع (روسيا وحلفائها وأمريكا ) ، فيما عده آخرين هو نقطة الانطلاق لبدء مرحلة صدام جديد في المنطقة ، ومواجهة مسلحة بين القوى العالمية العظمى ، ولكن في نفس الوقت نجد ان الصراع الدائر في داخل الدائرة السياسية الامريكية قد القى بضلاله على هذا الصراع ، فنرى ان “ترامب ” صاحب الحكم الاقتصادي ، وينظر الى أي موقف سياسي على انه اقتصاد ومال ، يعتقد أن التغيير لابد منه في منطقة الشرق عموماً وسوريا خصوصاً ، فيما تعتقد الدولة العميقة في الولايات المتحدة ، ان التغيير غير ضروري ويمكن إجراء تغييرات نوعية هنا او هناك .
أن الضربات الأمريكية التي وجهت على مطار الشعيرات العسكري عبارة عن محاولة احتيال على القرارات الدولية بحسب القوانين المعترف عليها والمنصوص بها، ومعيار ودليل آخر على أن قرارات مجلس الأمن يضرب بها عرض الحائط من قبل تلك الدول ، وليس لها أي أثر على الأرض ، فاليوم من خلال مسعى أمريكا إلى فك ارتباط “النصرة” عن “القاعدة”، يتبين أن القوانين الدولية لا قيمة لها عند الدول الداعمة للإرهاب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، صحيح أن العدوان الأمريكي الأول من نوعه الذي يضرب به الجيش السوري لأن العدوان السابق، الذي كان على دير الزور اعتبرته واشنطن خطأ ، أما الضربة التي وجهت حاليا على مطار الشعيرات العسكري مقصودة ، كما أن هذه الضربة تعد سلسلة دائرة لعدوان أمريكي على سوريا منذ دخول ما يسمى التحالف الأمريكي على الخط في سوريا، فالعدوان الحقيقي بدأ من ذلك التحالف ، وهو مبرمج مسبقاً وحادث مفبرك لقصة خان شيخون بمحافظة إدلب من أجل إيقاف التطورات الإيجابية في الميدان السوري والسياسة السورية التي ظهرت في الآونة الأخيرة.
أعتقد وكما يرى الكثير من المحللين أن الهجوم بدون شك سيكون له تداعيات جدية لأن إيران وروسيا لن تقفا صامتتين أمام هذا الفعل الذي يهدد الاستقرار والسلام في المنطقة ، كما ان من جهة أخرى إن استخدام السلاح الكيميائي يتم حين يشعر الجيش بالانهزام لكن الجيش السوري وفي هذه الأوقات بالتحديد هو في أفضل حالاته حيث تم تحرير حلب والعديد من المناطق تسير على هذا الطريق ، ولكن جميع المؤشرات تشير وبوضوح ان الامور تسير نحو التهدئة والاستقرار ، وان هذه الضربات ستكون محدودة ، حفاظاً على ماء وجه الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ، خصوصاً مع التقدم اللافت لروسيا وسوريا على الارض ، وطردهم للعصابات الارهابية من المدن السورية الواحدة تلو الاخرى ، وهو بحد ذاته يمثل فشل للسياسة الامريكية في سوريا ، ويمثل انهزام واضح للعسكرة الامريكية فيها ، بعد سلسلة الانكسارات المتلاحقة في العراق واليمن ودول شمال افريقيا ، الامر الذي يجعلنا امام سيناريوهات جديدة في المنطقة تتمثل بتوزيع النفود فيها .