19 ديسمبر، 2024 7:09 ص

وان نزلوا … ماذا بعد ؟؟

وان نزلوا … ماذا بعد ؟؟

عندما تتطور المشكلة او تؤجل وتتركم معها اخرى تقود الى ازمة ومع تفاقم الازمة تتوقف الحياة لحين الحل , وحتى بعد الحل تبقى الاوضاع تمر بتبعات تلك الازمة , اما ان تعذر الحل فتكون بمثابة الشرارة التي ستشتعل عاجلا ام اجلا , ومع وجود النافخين بالنار والذين يرمون بوقودهم ستتسارع الامور نحو الخسارة الكبرى والتي سيدفع ثمنها الجميع … سلسلة مترابطة ان تكاملت حلقاتها كانت النتيجة كارثية وان فقدت احدى هذه الحلقات تكون العواقب ارحم ولعلها تؤدي الى فقدان كامل السلسلة وتنتهي الازمة بخسائر اقل خصوصا مع وجود العقلاء الذين افرزتهم الازمات . لايوجد اكثر كارثية وخطرا على الشعوب من اقتتالها فيما بينها , ويؤسفنا ان نتحدث عن هكذا امر في بلدنا ونحن نقرأ ونسمع ان العالم يتقدم وصار مفهوم حوار الحضارات عنوانا بارزا للمستقبل , خصوصا في البلدان الديمقراطية حيث تفتخر في الاختلافات وتنوع الاراء بينما نحن نتصارع تحت يافطة الاسماء التي توحي بتبني مذهب او منطقة وبدعم مباشر من رأس اهم سلطتين في البلد (البرلمان والحكومة ) .
عندما يكثر الضجيج ويعم الصراخ تقل قدرة الناس على سماع اصوات الحكماء التي ان اتبع خطواتها صرنا على شواطئ الامان وتحققت لنا السعادة المنشودة , رغم بقاء تلك الاصوات الصدحة بالحق لكن الناس احيانا تفضل صوت العاطفة الذي يشحن الاجواء .
ان اهم سمات المجتمع الواعي هي حالات الاختلاف الفكري حيث يتيح هذا الاختلاف فرصة كبيرة لحركة العقل التي تخلق حالة من النشاط الفكري الجماعي لكن احيانا وعندما يمزج الخلاف بالاختلاف ويجير لأغراض ومنافع شخصية تنشأ الممارسات الشاذة وتعتبر امرا طبيعيا , هنا تتوقف حركة العقل او احيانا تتجه سلبا مولدة حالات من التخلف القاتل , الامر الذي يجعل الذين حكموا عقولهم يصمتون مجبرين ليس لعدم رغبتهم بالكلام بل لأنهم لا يجدوا ما يقولوه وسط الشذوذ , انها عملية كميم افواه غير مباشرة , ومن ينطق اليوم بالعقل يعتبر خارجا عن المألوف في نظر الكثيرين , انه الوباء الذي اصاب ممثلي الشعب , واي بلد تصدّرت به كلمة (ازمة ) الشهد منذ حين , تتقدم هذه الكلمة وتتأخر حسب الظروف الموجبة لها , بالامس كان الهم الجامع (ازمة وقود ) (ازمة بطالة ) (زمة في كل شيء ) واليوم صارت (حكومة ازمة ) (برلمان ازمة ) (رجال ازمة ) هما مشتركا قد يقود الى كارثة مشترك .
ان الدعوات التي يضج بها العراق اليوم والتي تتضمن النزول الى الشارع واستخدامه في عملية الاختلاف السياسي هي دعوات متهورة تؤشر على وجود خلل كبير في العقل السياسي المتبني لهذا الموضوع , العراق بلد دستوري تحكمه ضوابط لا يمكن ركنها او ضربها عرض الجدار مستغلين بذلك عاطفة الجمهور التي يفترض ان يأخذ القادة وجيهها بالاتجاه الايجابي لا العكس , ومن اهم تلك الضوابط الدستور وتحكيم صناديق الاقتراع في تحديد الرؤية السياسية او المشروع الذي يؤيده الشعب , رغم كوننا حديثوا عهد بالتجربة الديمقراطية ولكن يفترض ان تتعاضد الجهود لتنميتها وجعلها الخيار المستقبلي الوحيد لهذا الشعب . اما اسخدام الشارع في الانقلاب على الدستور تارة ولمواجهة الشارع الاخر تارة اخرى فهذا يعتبر انقلاب على العملية السياسية التي لم تأتي عن فراغ بل هي نتاج لجهود ودماء بذلت عبر عقود طويلة .
لا نختلف ان بعض او اغلب طلبات المتظاهرين في المناطق الغربية هي مطالب ير دستورية كما انها تحتوي على اهداف مبطنة كشفتها عمليات الشحن الطائفي البغيض من اطراف مدعومة من الخارج لأستهداف البلد بأسره , لكن يبقى عنوان هؤلاء هو اناس يطالبون حكومتهم , ولعلنا نتفق ان عملية التجريد هذه غير مجدية فالاهداف اخطر , لكن يجب ان تعامل الحكومة معهم بهذه الطريقة بأعتبارها مسؤولة عن كل عراقي داخل العراق في كل شيء , اما ان تتعامل معهم بطريقة الند وتسير بأتجاه تحشيد الشارع للخروج بظاهرات مناهضة فهو امر مستغرب وخطير في نفس الوقت , وهذا يعبر عن حالة ضعف الحكومة من جهة ومن جهة اخرى عن تخليها عنهم كشعب تابع لها ويقع تحت مسؤوليتها ومن جه ثالثة تعمدها في الاخلال بحالة السلام والامن من خلال دق اسفين الفرقة بين الشعب الامر الذي قد يولد حالة صراع لن يخرج من البلد سالما .
ولا يمكن للمجلس النيابي البقاء في حالة الركود والجمود مكتفيا بالصراعات الاشتباكات الكلامية واليدوية بينما رفوفه ممتلئة بكم هائل من القوانين المعطلة عمدا , فالاولى به الذهاب الى اقرار ميزانية العام الجديد والذي انقضى منه ما يربو على الشهر ,وقانون المحكمة الاتحادية الذي لا يقل اهمية عن الميزانية , اضافة الى جملة اخرى من القوانين والمشاريع التي وجدت مقبرتها في المجلس الموقر !!
ان الموقف الذي اتخذته القوى الحريصة على استقرار البلد والداعي الى مغادرة حالة اشراك الجمهور في الازمات والاعتماد على تهييج مشاعر الناس هو الموقف الذي يخرجنا من دائرة الصراع التي طوقت هذا البلد المنهك , .

أحدث المقالات

أحدث المقالات