17 نوفمبر، 2024 9:52 م
Search
Close this search box.

الأمن والانتخابات … توأمان

الأمن والانتخابات … توأمان

الانتخابات هي العملية الرسمية لأختيار شخص معين لتولي منصب رسمي , و تعتبر احد المكونات الاساسية و الرئيسية للنظام الديمقراطي، و هي صورة من صور مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار، و ذلك بالتعبير عن مصالحهم من خلال انتخاب ممثلين لهم في المجالس النيابية (العامة او المحلية) .
لقد مرت هذه العملية بمراحل تاريخية عديدة منها على سبيل المثال لم يكن حق التصويت متاحاً للجميع، و انما ارتبط تطبيقه بعدد من القيود منها قيد الثروة أي امتلاك حد معين من الثروة و المال او قيد التعليم و هي ضرورة الحصول على درجة علمية معينة يمكنه من المشاركة في التصويت او قيد الجنس، و لكن مع مرور الزمن تلاشت هذه القيود . وتعتبر الانتخابات من الافكار الانسانية القديمة و التي تساهم في حل النزاعات فقد عرفها الرومان و الاسلام و غيرهما .
و بات الانتخاب اساس من أساسيات دساتير الدول و تشريع من تشريعاتها القانونية و قد حدد شروط معينة للمشارك من حيث العمر و الاهلية القانونية و اتخاذ مايلزم من اجراءات و تصريحات .
حددت الحكومة العراقية يوم 12/5/2018 موعداً لأجراء الانتخابات النيابية و التي هي رابع انتخابات منذ عملية تحرير العراق عام 2003 و ذلك لأنتخاب (328) عضواً في مجلس النواب و الذي بدوره ينتخب رئيس الوزراء و رئيس الجمهورية . تعتبر هذه الانتخابات نقطة تحول و بداية للتغير سواء في الوجوه او القوائم و التحالفات القائمة لأن السنوات الاربع السابقة شهدت احداثاً و تغييرات عديدة منها سيطرة داعش على مناطق واسعة من الموصل و الانبار و صلاح الدين و بعدها دحر داعش بمساعدة قوات التحالف و نزوح عشرات الالاف من المواطنين و السكن في مخيمات التي تفتقر الى ابسط مقومات الحياة و دخول القوات العراقية الى كركوك و المناطق الكوردستانية خارج الاقليم بعد اجراء الاستفتاء الشعبي في اقليم كوردستان في 25/9/2017 و ظهور قوائم جديدة منها (قائمة الجيل الجديد و قائمة برهم صالح) و انشقاق البيت الشيعي و تشتت البيت السني، ناهيك عن المنافسة غير المعلنة بين امريكا و ايران في المسك بزمام المبادرة و ادارة حكم العراق كل على شاكلته بدعم حلفاءه و المقربين منه .
يرتبط الانتخابات بمفهوم الامن كغيره من مجالات الحياة ارتباطاً و ثيقاً و العلاقة بينهما وطيدة ، أي انه كلما كان الامن مقرراً في المنطقة كلما كانت الانتخابات اكثر شفافية و نزاهة و المواطن متمتعاً بالحرية و اكبر احساساً بالمسؤولية تجاه وطنه و من جانب اخر فأن هناك اطراف و جماعات معادية او ارهابية تأخذ من وقت الانتخابات و (نقصد بها بداية الحملة الانتخابية الى أعلان النتائج) فرصة ذهبية للقيام بجرائمهم و تعكير صفوة الحياة و ارتكاب افعال جرمية خلال التجمعات الجماهيرية المؤيدة للقوائم و المرشحين , كما لا نستبعد قيام اشخاص مدفوعة من قبل بعض القوائم او المرشحين لتشويه سمعة القوائم الاخرى وتسقيطها و اتلاف و تمزيق اعلانات و صورها و اطلاق تهديدات مباشرة او غير مباشرة بضرورة عدم الدعم و خروج العملية من اطار المنافسة الحرة الشريفة الى عداءات و انشقاقات و خلافات لا تنتهي إلا بسفك الدماء و التدمير و الخراب ، لأن وعي الغالبية لم ترق الى المستوى المطلوب و لم تفهم بعد بأن الانتخابات بداية طريق تغيير الوجوه و المناهج و الاتجاهات نحو الافضل .
اذن المرحلة من بداية انطلاق الحملة الانتخابية او ربما قبلها بأيام و اشهر الى ساعة الاعلان عن النتائج و بعدها ايضاً بأيام ، صعبة للغاية و تمثل المخاض لمرحلة جديدة في حياة الدول و البلدان و انها عسيرة بافرازاتها و اهدافها و قوتها و ضعفها , مهما يكن من الامر فأنها تتطلب تكاتف الجهود الامنية و التعاون التام بين كافة الدوائر و المؤسسات المعنية الحكومية و غير الحكومية و ان دور الاجهزة الامنية في استباب الامن في هذه المرحلة مبارك و مشكور و محل رضى الجميع لعلمها بان الانتخابات لا يمكن ان تجري تحت سياط التهديد و الخوف و على اصوات الانفجارات و الدم يسيل في الشوارع و الاروقة و تظهر مراكز الاقتراع كحصون و قلاع مدججة و محاطة بالعسكر في سبيل تأمينها و قلما تنتهي عملية الانتخابات دون مشاكل و إثارة النزاعات و النعرات و اعمال العنف .
مما لاشك فيه ان الاستفادة من التجارب السابقة امر مسلّم به ، فالاجهزة الامنية مطالبة بدراسة نقاط القوة و الضعف التي مرت بها سابقاً وان توضع الخطط و الدوريات في سبيل سلامة المواطن و العملية الانتخابية التي تدل على مدى استقرار أي بلد .
ومن اجل عملية انتخابية نزيهة و آمنة ينعم المواطن في اجواءه بحرية الارادة عند الادلاء بصوته لصالح قائمته او مرشحه فان الخطوات الاتية نرى بضرورتها :-
ان تلتزم جميع القوائم و المرشحين بالقوانين و التعليمات و اللوائح الصادرة من الجهات المعنية بالانتخابات و خاصة المفوضية العليا للانتخابات و لا تخرج عن الحدود المرسومة لها وفق هذه التعليمات , كما و ان المتابعة و المراقبة كفيلة بتطبيقها على احسن وجه و خاصة فيما يتعلق بأمن و سلامة العملية الانتخابية .
تفعيل دور الاجهزة الاعلامية و منظمات المجتمع المدني و دور العبادة و الاحزاب السياسية في نشر الوعي و الثقافة الامنية بين المواطنين في هذه الفترة الحرجة و ضرورة تعاونهم مع الاجهزة و قوى الامن الداخلي في تحديد الاشخاص المشتبه بهم و متابعتهم و اتخاذ الاجراءات اللازمة بحقهم و من جانب آخر ضرورة تثقيفهم بالدور الايجابي للمواطن في أمن المجتمع و سلامته و تنمية حسه الامني في تعيين مكامن الخطر على امن العملية بأعتبار الامن مسؤولية الجميع .
تكثيف الجهود المبذولة من لدن الاجهزة الامنية سواء بالمتابعة و اخراج الدوريات و جمع المعلومات و زيادة المفارز و السيطرات مقارنة بالاوقات الاعتيادية و حماية التجمهرات و المسيرات بالاستفادة من التكنولوجيا و التطور العلمي و خبرات المواطنين و تعاونهم .
ان تعمل الاجهزة الامنية بحيادية بين القوائم و المرشحين دون تمييز لأن التميز تؤدي بانصار القوائم التي لا تحظى بالتأييد الى استخدام العنف و التفريط في التأييد و عندها يكون الاجهزة الامنية غير محايدة و تعمل لصالح قائمة او مرشح معين فانها ستكون نقطة الانطلاق نحو مزيد من التوتر و التشتت و تمزيق وحدة الصف الوطني .
ضرورة زيادة تنسيق الجهود و التعاون المشترك بين المفوضية العليا للانتخابات و الاجهزة الامنية خلال فترة الدعاية الانتخابية ( البدء و النهاية) و يوم الاقتراع و حتى اعلان النتائج و ما ينتج عنها من خروج المسيرات و اقامة الاحتفالات الجماهيرية من قبل الفائزين .
ان يلعب المرشحين و القوائم دورهم في ابتعاد مناصريهم و مؤيديهم عن نقاط التماس و الابتزازات والمنافسة غير اللائقة مع الاخرين و توجيههم بضرورة الحفاظ على الامن و الهدوء .
و عليه فان الانتخابات و الامن توأمان لا يمكن ان ينفصلان لانهما دليلان على استقرار البلد و ديمقراطيته و في ظلهما يستطيع المواطن ان ينعم بحقوقه و يعبر عن ارادته بحرية و يحدث التغير المطلوب و بدون الامن لا يمكن ان تكون هناك انتخابات و اذا جرت فانها تكون مشبوهة بعدم النزاهة و الشفافية . نتمنى للمرشحين حظاً سعيداً.

أحدث المقالات