19 ديسمبر، 2024 1:42 ص

التيار الصدري والوقوف ضد -حزبية- مفوضية الانتخابات!

التيار الصدري والوقوف ضد -حزبية- مفوضية الانتخابات!

نظم التيار الصدري تظاهرات “مليونية” باستدعاء اعضاءه واتباعه من محافظات العراق للتجمع يوم 11 شباط. الموضوع الذي لاجله نظمت هذه التظاهرات هذه المرة هو “تغيير مفوضية الانتخابات وقانونها وأعضائها”، الاسباب التي سيقت لهذا المطلب هو ان هذه المفوضية أسست “على مبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية.. ويجب “تغييرهم لانتمائهم لجهات حزبية”! وإن مفوضية الانتخابات “غير جديرة بإجراء انتخابات نزيهة في البلاد على اعتبار أن مسؤوليها تم ترشيحهم من قبل الأحزاب الحاكمة مما يجعلهم يميلون إلى أحزابهم”.

لا داعي للتطرق الى مسالة الفساد التي تحدث عنها التيار الصدري كسبب لتنظيم تظاهرته، فهذه تستدعي كلاما خاصا عنها لوحدها. لكن دعونا نبقى بهذا الاكتشاف – الصاعقة الذي يقول ان المفوضية “تمثل الاحزاب وانه نظم تظاهرة مليونية للقضاء على “حزبية ” المفوضية.

يتحدث التيار الصدري كما لو انه نزل ليلة امس من المريخ بمنطاد هوائي الى ارض السواد: العراق. ان هذه الدعوى، والتي قتل سبعة اشخاص من اجلها وجرح عشرات اخرون، تجعل المرء يتسائل: هل هنالك من اخبر التيار الصدري ان السياسة في العراق وقبل اسقاط النظام قد نظمت على اساس حزبي طائفي وقومي: شيعة في الجنوب وكرد في الشمال؟ وان هذه التقسيم تم بالتنسيق مع الولايات المتحدة منذ عام 1991 وانها وضعت قيد التطبيق منذ اذار 2003؟ وان السياسة التي تحكم العراق هي المحاصصة ليس اليوم بل منذ 14 عاما؟ وان هذه السياسة حاكمة، بالمناسبة، من رئاسة الدولة الى اصغر الدوائر الحكومية؟.

هل هنالك من اخبرهم ان الوظائف في العراق توزع على اساس الانتماء الى جهات حزبية، وان توزيع المال والثروة والوظائف والمناصب والامتيازات وحتى فرص العمل قائمة على اساس حزبي؟. وان عقود البزنس لا يمكن تحصيلها ان لم يكن بالتنسيق ورشوة جهات حزبية؟. وحتى صاحب البسطية الذي يجلس على الارض ليبيع بالمفرق لايمكنه القيام بذلك ان لم يدفع اتاوة لجهة حزبية تحميه من ضغط الحكومة؟.

ان هذه المطالب بالـ”لاحزبية” تصدر من “حزب” له الكتلة الاكبر في البرلمان، ولديه وزراء في الحكومة، و1500 عضو في الهيئة من اصل 4500 موظف في المفوضية العليا للانتخابات، ويمسك بالاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، ولديه وباسمه منظمات خيرية، ولديه ميلشيات خاصة به، وبتياره، ولديه قنوات فضائية لحزبه. انه فعلا لمن العجب العجاب.
ان لم تكن مؤسسات الدولة، والسلطة والوظائف وحتى فرص العمل الطبيعية والعادية على اساس حزبي، فعلى اي اساس هي مقسمة؟ على اساس الكفاءات مثلا، بارسال سي في (CV ( و Resumi من قبل مواطني المجتمع العراقي الاكفاء، والدخول في منافسات مهنية بعيدا عن اية احزاب للحصول على وظيفة في مفوضية الانتخابات مثلا. بعيدا عن التصنيفات والاحزاب، وضمن معايير الكفاءة؟ نحن نعيش في العراق وليس في بلاد الواق واق. وان لم يميل اعضاء المفوضية لاحزابهم، لمن يميلون؟ ولمن يجب ان يميل اعضاء التيار الصدري، للشيوعيين مثلا؟.
ان المواطن في العراق وتحت حكم الاحزاب الاسلام السياسي الشيعي لم يكن سعيد الحظ لهذه الدرجة. فالوظائف للاحزاب. ان لم تكن كذلك كيف حصل التيار الصدري نفسه ولوحدة ودون غيره على ثلث وظائف مفوضية الانتخابات التي يتظاهر من اجل تغييرها.

وان نأت الاحزاب بنفسها عن هذه الدوائر الرسمية للدولة وما توفره لها من مصادر مالية لا يعرف احد احجامها، وان لم تكن لها يد عليا على تلك الدوائر للجبايات والاتاوات، كيف كانت ستمول نفسها وميلشياتها وقنواتها الفضائية ومنظماتها الخيرية؟ من رأسمالها الصناعي والزراعي مثلا؟ في بلد يستورد كل شيء!
انها لشيزوفرينيا حقيقية!

بالتاكيد لم ينزل التيار الصدري من المريخ بل تصدرت تظاهراته قلب بغداد، وفي ساحة التحرير. ان القصة برمتها لا تكمن في ان هذا التيار يرفض نظام الحزبية، فهذا النظام يشتغل منذ قرابة العقد ونصف. الا ان للتيار الصدري اجندة اخرى. وهي ان ينافس خصومه، ان يزيحهم للخلف، ان يخلق اوضاعا افضل له ليتصدر موقعا افضل في الانتخابات القادمة، وخاصة في مرحلة ما يطلقوا عليه مرحلة ما بعد داعش. وانه لتحقيق اهدافه استخدم اتباعه وتظاهراته “المليونية” كسلاح في المعركة، كوقود لمدافعه التي يرميها على منافسيه. والذي مكن التيار الصدري من فعل ذلك هو وجود هذه “الملايين” او الالاف بالاحرى لو توخينا الدقة. نعم هنالك مساندين له بفعل سمعة واعتبار اسرته. ولكن “اتباعه” وقاعدته الاجتماعية تتكون من افراد من الفئات المهمشة، العاطلة عن العمل، والتي بالامكان تسخيرها وتسييرها وفقا لاهداف هذا التيار، والذين يعانون من انعدام الامان الاقتصادي، ولم يترك امامهم طريق غير الالتفاف حول الاحزاب والولاء لها، وتلبية نداءاتها من اجل الحصول على بعض المكاسب وتضمين سبل للعيش عبر الولاءات السياسية.

ان هذه الفئات “المليونية” المسيرة والمسخرة هي نتاج سياسات احزاب الاسلام السياسي الاقتصادية والاجتماعية. وهي تحافظ على وجودهم، لانهم ذخيرة بشرية لها، ويستخدموها متى شاءوا. ورغم ان كل احزاب الاسلام السياسي تستعمل نفس الاسلوب، الا ان التيار الصدري استخدمها بكل ما اوتي من قوة. فان انطلت على البعض ليسميه بانه تيار يمثل الفقراء. الحقيقة هي انه التيار الذي استخدم الفقراء وجندهم لاجندته السياسية لا غير. هذه المرة استخدمهم للوقوف ضد “حزبية” المفوضية العليا للانتخابات، وسقط على اثرها سبعة قتلى وجرح عشرات اخرون!!!
نقلا عن الحوار المتمدن

أحدث المقالات

أحدث المقالات