المجتمعات صيرورات حية متفاعلة تنجب ركائزها القادرة على بناء خيمة كينونتها الأقوى , والأصلح لإستيعاب توافد الأجيال في أوعية كياناتها الديمومية المتماسكة المرصوصة البنيان.
فلا يمكن لأي مجتمع أن يحقق ما فيه ويعبّر عن محتواه الحضاري والذاتي , المتفق مع مميزاته ومواصفاته وملامحه إن لم يلد الركيزة الكقيلة برعاية وحماية ذلك التطلع والنزوع , والركيزة الواجب توفرها في المجتمع تتمثل بالقائد المستوعب لنبضات الحاضر وتطلعات المستقبل.
فالمجتمعات البشرية ومنذ إبتدائها لا يمكنها أن تنجز ما هو صالح ومؤثر ومتواصل , دون قائد همام يحمل ما فيها ويوظفه ليكون قوة وطاقة متصلة بإرادة العزم والإصرار على أن يكون الإنجاز متلاحما وملحمي الطباع والتحولات.
فلو نظرنا إلى أي مجتمع من حولنا قد تكوّن وتقدم وفاز في السباق لتبين لنا أن للقائد فيه دور وتأثير , فهو الذي أخذه إلى حيث هو عليه اليوم من أحوال سيئة أو جيدة.
فسنغافورا تكوّنت بقائدها وكذلك الصين والكوريتان ودول أخرى متعددة , والمجتمعات العربية تكونت بقادتها بأنواعهم , وهم المسؤولون عما يحصل فيها ويتحقق من تداعيات وتفاعلات خسرانية مروعة.
فالمجتمعات والأمم بقادتها وليست بشعوبها وحسب , لأن الشعوب لا يمكنها أن تنجز ما هو نافع لها ومعبّر عن حقيقتها دون قادة قادرين على لم شملها , وصهرها في أوعية وطنية وفكرية ورؤيوية ذات قيمة حضارية تحقق مصالحهم المشتركة.
ومن الواضح أن أعداء الأمة يجتهدون في توفير المسوغات والتداعيات الكفيلة بالتنكيل بقادة الأمة وسحقهم , وإخراجهم من الوعي الجمعي , وجعل المجتمعات تائهة مضطربة تميل حيث تميل الرياح , فلا تعرف مستقرا ولا طريقا للحياة المتناسقة المعاصرة المتفاعلة المنتجة , القادرة على التوازي والتحدي والتنافس مع الآخرين.
وبما أن الأمة تخلو من القادة المتفقين وإرادة العصر والمدركين للروح الوطنية والهوية العربية , فأنها لن تكون أفضل مما عليه , وستبقى تنظر جراحها التي خلفها قادتها السابقون , ولا تسعى نحو صياغات قيادية ذات قيمة حضارية بنّاءة ومؤثرة في صناعة الحياة الحرة الكريمة المقتدرة التفاعلات.
وعليه فأن الأمة لكي تكون عليها أن تلد قادتها وتعول عليهم , وتمضي بقيادتهم لتحقيق ما تريده ويتفق مع ما فيها من الطاقات الحضارية الأصيلة.
فهل من قادة بحجم الأمة والوطن؟!!